الروائي الدكتور أمين زاوي لـ"المساء :"

أكتب ما أقتنع به وعلى "سيلا" تجديد نفسها

أكتب ما أقتنع به وعلى "سيلا" تجديد نفسها
الدكتور أمين زاوي
  • القراءات: 5459
حاورته: لطيفة داريب حاورته: لطيفة داريب

* يجب أن ترافق  الكتابات الجديدة قراءات نقدية

استغلت "المساء" فرصة تغطية الندوة التي نشطها الدكتور أمين زاوي بمدرسة الفنون "كريشاندو" بالبليدة، والتي كانت حول صدور روايته الجديدة جوع أبيض باللغة الفرنسية عن دار النشر "داليمان"، وأجرت معه هذا الحوار.

❊ تطرقت في روايتك الأخيرة "الجوع الأبيض"، للعلاقات المتردية بين الجزائر والمغرب؛ لماذا تحديدا هذا الموضوع؟

❊❊ الرواية تدعو إلى علاقة طبيعية بين الشعبين الشقيقين، وأن ما يجمعنا مع المغرب هو الثقافة واللغة والدين والحضارة والموسيقى والشعر وفن الطبخ. كل هذه العلاقات تؤكد أننا شعب متواصل وواحد. وبطبيعة الحال، السياسة تعكّر مرات هذه العلاقة، لكن أنا من موقعي كمثقف، أعتقد أن هذه القطيعة سياسية، ستزول، لا محالة، وسيعود الشعبان والمثقفون إلى هذه العلاقة؛ لهذا فالمطلوب منا كمثقفين، أن لا نصب الزيت على النار أكثر، وأن ندعو دائما إلى تحكيم العقل، والمحافظة على التواصل بيننا من أجل غد لا يمكن إلا أن يكون مشتركا بيننا وبين المغرب.

تطرقت أيضا في روايتك عن كون الإنسان عدو نفسه، وأنه مصدر للشر؛ كيف للإنسان الذي أنعم الله عليه بالعقل، أن يكون أحمق هكذا؟

❊❊ الجهل يولد الحماقة، وأقصد الحماقة بمفهومها السياسي والديني والأخلاقي؛ لهذا أعتقد أن الإنسان الذي يعيش في مجتمع تختفي أو تنقص فيه الثقافة والحوار والحرية، يتحول إلى شر، وإلى هدم نفسه أولا؛ لذا فالثقافة والحرية والتعدد واحترام الآخر، هي التي تجعل الإنسان بعيدا عن الأشرار.

دائما مع روايتك حيث كتبت أيضا عن اغتصاب المحارم؛ هل هناك حاجة للزاوي في تخطي الخطوط الحمراء في رواياتك، أم أن الأمر عفوي؟

❊❊ الأمر يأتي عفويا، يجب أن نقول ما هو موجود في مجتمعاتنا، أن لا نخاف من مواجهة الأمراض التي يعيشها مجتمعنا؛ لأن الصمت هو المشاركة في الجريمة. ما يسمى بالبيدوفيليا موجودة في مجتمعاتنا بشكل واضح، لكن، للأسف، ثقافة السكوت والخوف والعيب تجعلنا نسكت. يجب على الكتّاب والمثقفين أن يطرحوا هذه الأسئلة بكل جرءة؛ فالكتابة لا يوجد أمامها خط أحمر إلا الجهل فقط، هو الوحيد الذي أعتبره خطا أحمر.

❊ جديد أعمال زاوي، حاجة الشخصيتين الرئيستين في الانتقام؛ هل يمكن أن يكون الانتقام ضرورة لا مناص منها؟

❊❊ ليس الانتقام بمفهومه الأخلاقي، لكن الانتقام هو، بالأساس، اتخاذ الحق؛ أي الدفاع عن الموقع. أنا ضد الانتقام بمفهومه الأخلاقي أو بمفهوم الكراهية أو بمفهوم الضغينة، ولكن أنا مع الدفاع عن حق الوجود، وعن حق الكلمة، وعن المساواة بين الرجل والمرأة.

حصلت على وسام الشرف من الرئيس الإيطالي خلال زيارته الأخيرة للجزائر، حدثنا عن ذلك.

❊❊ لا أريد الحديث عن ذلك؛ لأنني أعتبره بالفعل تشريفا للجزائر أولا، وشرفا للمثقفين الجزائريين. ويسعدني، أكيد، كما يسعد الجميع.

هل الكتابة باللغة العربية هي نفسها الكتابة باللغة الفرنسية لدى زاوي باعتبار أنك تكتب عن الطابوهات باللغتين؟

❊❊ هي نفس الشيء؛ فأنا لا أخون قارئي سواء باللغة العربية أو باللغة الفرنسية؛ أنا كاتب صادق. ما أكتبه باللغة العربية أكتبه باللغة الفرنسية، وما أكتبه باللغة الفرنسية أكتبه باللغة العربية. بطبيعة الحال، اللغة لها جمالياتها وشروطها وفضاؤها، لكن أقول إن الإشكاليات التي أطرحها في رواياتي باللغة الفرنسية، تظهر في كتاباتي باللغة العربية، والعكس صحيح؛ بمعنى أنني لا أنافق قارئي باللغة العربية ولا أجاريه ولا أحابي قارئي باللغة الفرنسية؛ ما اقتنع به أكتبه.

تحدثت في ندوتك بالبليدة عن مصادرة اللغة العربية من طرف جهات، وفي نفس الوقت عن انتصارها الأكيد، حدثنا عن ذلك؟

❊❊ مؤكد أن اللغة العربية حينما نقرأها في نصوص أدونيس ودرويش ونجيب محفوظ والطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة وغيرهم من الكتّاب، نشعر أنها لغة جميلة، لكن، للأسف، هذه اللغة صادرها صوت الدين السياسي، وحوّلها؛ وكأن كل من يتكلم باللغة العربية هو من هذا الموقع! لذا لقد أسيءَ إلى اللغة العربية من طرف هذا التيار المتطرف، الذي يستمد الدفاع عن اللغة العربية من موقع المتطرف؛ أي أنه يدافع عن اللغة العربية بحس كراهية اللغات الأخرى!

أعتقد أن اللغة العربية لغة مضيافة وكبيرة، تستطيع أن تتحاور مع اللغات الأخرى وتعيش في الفضاء الذي تعيش فيه اللغات الأخرى؛ كالأمازيغية والفرنسية والإسبانية وغيرها؛ لذا أنا متفائل بأن اللغة العربية، وأنا أقرأ نصوص الكُتّاب الجدد الآن، تتقدم نحو خلق ذاكرة جديدة متطورة حداثية، تصنعها الأصوات الجديدة في الكتابة؛ سواء في الجزائر، أو شمال إفريقيا، أو في العالم العربي.

صدرت رواية بالعامية للأستاذ الجامعي رابح عسلة، مؤخرا ؛ ما رأيك في هذا التوجه؟

❊❊ أقول نعم؛ هي تجربة يجب الانتباه إليها؛ لأن الدارجة ليست مسألة حكم احتقار، بل هي إبداع أكبر؛ فالشعر الجزائري هو الشعر المكتوب بالعامية. وحينما نقرأ للخالدي أو ابن قيطون أو بن كريو، وهم شعراء فطاحلة بمستوى امرئ القيس وابن زيدون؛ فقد كتبوا باللهجة العامية. وأقول إن المهم في الأدب هو جمالية الكتابة بهذه اللغة؛ سواء كانت فصحى أو عامية أو أمازيغية.

تزايدَ عدد دور النشر في الجزائر ومعها عدد الكُتّاب، هل تعتبر ذلك مؤشرا إلى صحة المشهد الأدبي في الجزائر؟

❊❊ ما في شك أن هناك أسماء جديدة. وأرتاح شخصيا حينما تكون أسماء كثيرة. والأسماء الكثيرة، في الأخير، تصفَّى. ومن مائة كاتب يبقى خمسة أو ستة كتُاب جيدين؛ هذا شيء مهم، يجب السماح لأكبر عدد من الكتّاب بالنشر والحضور، وطرح تجاربهم، والقلم الجيد سيظل.

ألا تعتقد أن غياب لجان القراءة في أغلب دور النشر الجزائرية، يسيء إلى هذا  المشهد؟

❊❊ لا شك في أنه يجب مرافقة هذه الكتابات الجديدة نقديا وبالقراءة، حتى لا يتم نشر كل ما هو مكتوب؛ لذا على دور النشر أن ترتفع بمستواها؛ بخلق لجان قراءة جادة، وأن لا تتعامل مع الكتّاب بمعيار تجاري؛ بمعنى أن يدفع حق كتابه، هذه أخلاق غير ثقافية ولا تنتمي إلى فضاء الكتّاب؛ لذا أعتقد أن العملية فيها مرافقة من طرف النقاد لتصفية النصوص الجيدة، وتشجيع الكتّاب الجدد، والتحذير من السقوط في التجارية بالنسبة لدور النشر.

هل أنت مع النشر الإلكتروني؟

❊❊ النشر الإلكتروني لم يحقق تقاليد كثيرة، لكن بدأت تتكرس القراءة على الشاشة، وبدأنا نستأنس بهذه القراءة، وبدأت تتحقق يوما بعد يوم. سنحتاج إلى زمن طويل قبل أن نتخلى عن الكتاب، وغدا سيجيئ الوقت الذي ينتهي فيه الورق، وتظهر ثقافة أخرى إلكترونية أو رقمية.

تم الإعلان عن موعد تنظيم المعرض الدولي للكتاب بالجزائر؛ ما تعليقكم؟

❊❊ أعتقد أننا تأخرنا كثيرا.. نزلت ضيفا على معرض تونس للكتاب مؤخرا، ولمست أن تونس بإمكانيات بسيطة مقارنة بما تملكه الجزائر، استطاعت أن تنظم معرض كتاب محترما مع ضيوف محترمين.

وقد سعدت كثيرا ككاتب ومثقف، بخبر إعلان تنظيم الجزائر معرضها، ولكن يجب أن يخرج هذا المعرض من الروتين؛ نعم يجب التفكير في طرق جديدة لإنعاشه وإعطائه روحا جديدة.

كيف جابهت الحملة التي وُجهت ضدك من طرف بعض الكُتّاب؛ هل تفهمتها؟ هل شعرت بالندم بعد كتابتك المقال الذي كان سبب هذه الحملة؟

❊❊ لا ردّ لي على أي أحد؛ أنا أحترم آراء الآخرين، وأقول إنهم سيراجعون مواقفهم.