سمير قسيمي المدير المركزي للنشر والتوزيع "إيناغ" في حوار لـ "المساء »:

أعدكم.. بعد 18 شهرا ستصبح "إيناغ" أكبر دار نشر عربية

أعدكم.. بعد 18 شهرا ستصبح "إيناغ" أكبر دار نشر عربية
سمير قسيمي الروائي والمدير المركزي للنشر والتوزيع بالمؤسسة الوطنية للفنون المطبعية
  • القراءات: 1184
حاورته: لطيفة داريب حاورته: لطيفة داريب

كشف سمير قسيمي الروائي والمدير المركزي للنشر والتوزيع بالمؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، كشف لـ (المساء) عن مشروعه الخاص؛ بجعل "إيناغ" أو "موفم" أكبر دار نشر على المستوى العربي؛ من خلال خطة تحمل وجهين، تظهر تفاصيلها في هذا الحوار.

هل سطرّ السيد قسيمي برنامجا محددا بعد تعيينه مديرا مركزيا للنشر والتوزيع، أم أنه مايزال في مرحلة المعاينة، خاصة أن مؤسسة "موفم" عانت من تبعات جائحة كورونا؟

❊❊ شكرا على السؤال. أعتقد أن المشاكل التي تتعلق بـ "موفم" ـ وأقصد بذلك المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية ـ أقدم من جائحة كورونا؛ مشاكل على مستوى سياسة النشر، والخطة التحريرية، وخطة النشر، وأيضا حول موقع الكتاب في المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية. هذه المؤسسة هي مركّب صناعي، وقد أُلحق بها نشاط الكتاب بعد سنوات من تأسيسها، لهذا كان هناك عدم رؤية صحيحة لمشروع الكتاب في "موفم"، واقتصر حضور الكتاب فيها على سياسة ثقافية لوزارة الثقافة؛ لأنها كانت تمثل جناح النشر لوزارة الثقافة لفترة معيّنة من دون أن تتمكن المؤسسة من بلورة فكرة صحيحة ودقيقة عن الكتاب، خاصة أن الكتاب مع إمكانيات "موفم" كان يجب أن يكون في مكانة أكبر مما هو عليه حاليا. للأسف، بعد سنوات كثيرة "موفم" للنشر لم تستطع التحكم في السوق الجزائرية فما بالك بالسوق العربية التي تغيب فيها بالشكل الكامل! كما لم تستطع تكريس وبلورة سياسة توزيع وتسويق الكتاب على الرغم من الإمكانيات التي وُفرت لها منذ أكثر من عقد، حتى إنها كانت تستفيد من إعادة هيكلة الديون، ومن مزايا كثيرة بما أنها تقع تحت وصاية وزارة الثقافة.

أملك مشروعا لتأسيس شركة لتوزيع الكتاب، وأسعى إلى التمويل الخاص للمؤسسة

وإلامَ يعود ذلك؟

❊❊ أعتقد أنه يعود إلى التسيير الفوضوي الذي ميز مؤسسة النشر في سنوات سابقة، وعدم التخصص؛ وأقصد بذلك أن حتى "موفم" للنشر لم تبن سياستها للتوظيف على التخصص، ولم تعتمد أفكارا لتطوير قطاع النشر والكتاب، وذلك  في كل السلسلة؛ من المؤلف إلى المكتبي. كما أن القطاع يتطور ويختلف من سنة إلى أخرى، إلا أن المؤسسة لم تعتمد على ذلك، هذا بالنسبة للنقطة الأولى، وهو الذي أعتبره بمثل معاينة؛ لما عرفته هذه المؤسسة من تدهور مستمر ومازالت تعرفه، خاصة على مستوى نوعية المؤلفات الصادرة، وحالة التكديس الكبيرة جدا بمخزون الكتاب، والذي لم يسوَّق بالطريقة الصحيحة، هذه المعاينة جعلتني أضع خطة بوجهين.

حدثنا عنهما من فضلك؟

❊❊ الوجه الأول هو الوجه التجاري التسويقي، حاليا أشتغل على فكرة وضع خطط تسويقية للكتاب المكدس في مخازننا الذي يمثل رقم أعمال رهيب جدا. وأعمل أيضا على انتقاء بعض العناوين التي من الممكن تسويقها بشكل أسرع من العناوين الأخرى. كنت قدمت شخصيا، باسم المديرية المركزية للكتاب، مشروعا لوضع خطوط توزيع، ليكون اللبنة الأولى في تأسيس شركة توزيع للكتاب، والتي لم توجد منذ عام 1962. ورغم وجود قبول شفوي من وزارة الثقافة إلا أنني مازلت أنتظر ردا واضحا ومراسلة واضحة من وزارة الثقافة في هذا الشأن. أعتقد لو يسّرت وزارة الثقافة هذا الأمر ـ وهنا لا أتحدث عن إعطائي الإمكانيات؛ لأنني وجدت طريقة للحصول على الإمكانيات خارج وزارة الثقافة ـ لكان الأمر مختلفا، ولهذا كل ما نطلبه على مستوى المؤسسة، أن تكون هناك ليونة في الآلة البيروقراطية لوزارة الثقافة؛ بحيث إنها تستجيب وتردّ كتابيا على طلباتنا. وأعتقد أن هذا الرد والمراسلات التي طلبناها من شأنها أن تساعد حركة النشر، هذا على المستوى التسويقي.

وهناك أيضا مشاريع شرعت فيها شخصيا مع عدة هيئات خاصة وعامة؛ من أجل توفير تسويق حقيقي، لا لتوزيع كتب المؤسسة فقط، ولكن لتوزيع كتب دور النشر الجزائرية. يجب أن نفكر الآن في مرحلة جديدة تُخرج المؤسسة من انغلاقها الذي عرفته لأكثر من عشريتين، ونبدأ في وضع اللبنات الأولى في شراكة حقيقية مع المتعامل الخاص، ومع دور النشر الخاصة، وكذا المؤسسات الحكومية وغيرها، والأهم مع شركاء من العالم العربي والغربي. أعتقد أن صفتي روائيا سمحت لي بالولوج إلى مؤسسات كبيرة، على غرار الهيئة العامة للكتاب بمصر، والمجلس الأعلى للآداب والفنون الكويتي، أو حتى هيئات كبيرة لدور النشر كالتنوير والآداب. هناك مقترحات قُدمت لنا وقدمتها، وأعتقد أننا سنخلق شراكة كبيرة، ستسمح لنا بالتسويق في الجزائر وحتى في العالم العربي؛ لأن "موفم" ارتكبت خطأ حينما اقتصر تمثيلها في المعارض الدولية على تمثيل الجزائر. صحيح أنها مناطة بهذه المهمة؛ لأنها تحت وصاية وزارة الثقافة، لكن العامل التجاري يقتضي أن تملك المؤسسة تمثيلا خاصا بها.

أنا الآن أضع اللبنة الأولى لشراكات وإصدارات مشتركة مع دور نشر كبيرة، إضافة إلى شراء الحقوق الحصرية لبعض الأعمال الموجودة في العالم العربي أو في العالم، وشراء حقوق الترجمة. وهنا أبشر القارئ الجزائري بأن المشروع الذي بدأته كمستشار نشر في "موفم" والذي توقف لأسباب لم أفهمها في حينها، أطلقتُه مجددا، والمتعلق بأعمال الروائية الكبيرة آسيا جبار، والروائي والمسرحي كاتب ياسين. لقد استعدت هذه الحقوق، وبدأت في عملية شراء الحقوق باسم المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية؛ لأنني أعتقد أن الفعل الثقافي لا يتعلق فقط بالمؤسسات الرسمية، ولكن أيضا بالإرادة الفردية للمسيّر. لقد جاءتني هذه الفرصة المتمثلة في ترقيتي إلى مصاف المدير المركزي للنشر والتوزيع بالمؤسسة، وهي الفرصة التي سأثبت فيها أن المثقف الجزائري يمكنه تسيير أي مؤسسة تتعلق بالثقافة تسييرا براغماتيا وتجاريا وثقافيا.

مهامي تأسيس دور نشر متخصصة وتسويق الكتاب محليا وعربيا

 ماذا عن الشق الثاني لخطتك؟

❊❊ بالنسبة للقسم الثاني من العمل، فيعنى بتحسين النوعية في مسألة الإصدارات. أنا أفكر الآن بجدية أن تطلق دار "موفم" للنشر عدة دور نشر متخصصة في الكتاب الجامعي وفي التراث؛ لأنني أعتقد أن دور النشر الجزائرية خانت التراث الجزائري، فهناك تراجع وردّة كبيرة في ما يتعلق بهويتنا الجزائرية، علاوة على اعتماد دور النشر الجزائرية على سياسات ريع، لهذا أعتقد أنه حان الوقت للاستثمار في الذاكرة الجزائرية والهوية، وتكريس المواطنة الجزائرية على طريق الكتاب، وهو التكريس الحقيقي. وفي هذا الشأن، بدأتُ في اتصالات حثيثة مع كبار المؤرخين والمتخصصين في التراث، إضافة إلى مسألة الهوية للاشتغال على سلاسل متخصصة في الموضوع، ولم لا إنشاء دار نشر متخصصة فقط في التراث والذاكرة الجزائرية؛ لأننا نعرف جيدا أن عددا كبيرا ممن شهدوا التطورات التاريخية في الجزائر، تقدموا في السن. كما أعتقد أن جمع مذكراتهم وملاحظاتهم وتقييمهم للمراحل التي عاشوها في غاية الأهمية، ولا يجب أن تبقى "موفم" للنشر على الحياد، هذه فكرة. والفكرة الثانية هي الاشتغال على ما أسميه الأدب المترجم الرفيع؛ إذ بدأت في عملية الاتصال بكبار الروائيين العالميين، على غرار خوسي ماياس، وأدباء من المكسيك وأمريكا اللاتينية، وبوكلاء أدبيين مرموقين، لشراء حقوق ترجمة بعض الأعمال، هذه الأعمال لن تمولها "موفم" فقط؛ لأنها تمثل رقم أعمال كبير، لهذا بدأت في اتصالات مع هيئات تعنى بتمويل الترجمة، وأعتقد أن الصفة المعنوية لـ "موفم" ومكانتها الاعتبارية المعيّنة وإن كانت غير مكرّسة حقيقيا، ستسمح لي بإنجاز هذه المشاريع.

يلاحظ القارئ أيضا أن "موفم" للنشر لا تملك هوية بصرية إطلاقا، لا يمكن أن نقف أمام أي رف من الكتب ونؤكد أنها كتب "موفم" للنشر، وهذا لغياب ميثاق نشر وميثاق غرافيكي لها؛ الآن أعمل مع المتخصصين في الميدان لخلق هوية بصرية لـ "موفم" للنشر، ولهذا أؤكد أن بعد سنة إلى سنة ونصف سأجعل من "موفم" للنشر واحدة من كبريات دور النشر العربية وليس الجزائرية، هذا وعد مني؛ سواء بدعم من وزارة الثقافة ـ وأعتقد أن دعمها يهمنا ـ أو من دون دعمها.

إبرام اتفاقيات مع وزارتي الثقافة والتربية أمرٌ لا مناص منه

يعني أنك مصمم على تجسيد مشروعك تحت أي ظرف كان؟

❊❊ مؤكَّد؛ فالمؤسسة الوطنية للفنون المطبعية هي مؤسسة اقتصادية؛ يعني ربحا وخسارة. أعتقد أن على وزارة الثقافة أن تسير خلف خطة النشر بشكل واضح وغير متردد. أملك مشروعا واضحا لإطلاق الكتاب في المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، وسينطلق هذا المشروع بأي شكل من الأشكال؛ لأنني رجل عملي. ربما لاحظتم تجربتي مع نشاط "موعد مع الرواية"، وهو اللقاء الذي لم أمنح فيه أي ميزانية، وجعلته لقاء عربيا كبيرا، وكذا مع مؤتمر الرواية والسينما لوهران، الذي منحت فيه ميزانية متواضعة، وتمكنت من إحضار أكثر من 42 قامة عربية، شاركت بطريقة أو بأخرى. أنا رجل المهمات الصعبة، سأحقق هذا الهدف في أن أجعل المؤسسة في جانب النشر واحدة من أكبر دور النشر العربية. أعتقد أن من أهداف الوزارة الحالية ـ مثلما يظهر جليا من السياسة الجميلة التي وضعها الأستاذ إسماعيل يبرير في مديرية الكتاب وما أطلقته السيدة الوزيرة من وعود متعلقة بمشاريع تهتم بالكتاب ـ ألّن يكون لها سبيل للنجاح إن لم تجعل من "موفم" شريكا واضحا فيها. نحن نمثل ما تمثله الهيئة العامة للكتاب بالنسبة لوزارة الثقافة المصرية، لكنا، للأسف، لا نمثل هذا الثقل لأسباب أعتقد أنها متعلقة بالتراكمات الفكرية الموجودة في وزارة الثقافة، والتي تم توارثها. أعتقد أنه حان الوقت لخلق مرونة واضحة في علاقة "موفم" للنشر، وأنا أتكلم فقط باسم الكتاب؛ لأن هناك إدارة عامة، ومديرا عاما يمكنه أن يتكلم باسم المركّب بصفة شاملة.

أستغل علاقاتي كروائي، واشتريت حقوق الترجمة لروائيين كبار

تؤكد، إذن، على إمكانية إيجاد تمويل خارج وزارة الثقافة؟

❊❊ نعم؛ فنحن مؤسسة اقتصادية نعتمد على البيع والشراء. السياسة الاتكالية التي اعتُمدت في العشريتين السابقتين سياسة مرضية؛ كيف يمكن لمؤسسة اقتصادية أن تستمر في اعتماد تمويلها على مؤسسة حكومية؟ هذه مسخرة حقيقةً. أنا أدعو إلى إطلاق سراح الكتاب من المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية. وسأعمل على ذلك؛ لأن الكتاب قطاع ربحي، يجب أن نتعامل معه بهذه الطريقة، وليس فقط قطاعا تمثيليا يحتاج إلى الدعم؛ نظرية ضرورة تدعيم وزارة الثقافة المالي لـ "موفم" للنشر، نظرية غير سوية.

هل هذا يعني أنك لن تسعى إلى إبرام اتفاقيات مع وزارة الثقافة، خاصة في ما يخص الكتاب المدعَّم وتسويق الكتاب؟

❊❊ يجب أن نستفيد، وأن نقيم اتفاقيات مع وزارة الثقافة؛ ليس لأن "موفم" دار نشر تحتاج إلى تسويق كتبها والاستفادة من مشاريعها، بل لأننا تحت الوصاية المباشرة لوزارة الثقافة، وهذا يعني أن إبرام اتفاقيات معها ومع مؤسسات ثقافية، تحصيل حاصل. لكن هناك جانبا أؤكد عليه، وهو الجانب التجاري للمؤسسة، الذي يجب أن يكرَّس وينفَّذ في مشروع واضح. أنا الآن أقدم مشروعا واضحا لإنجاح "موفم" للنشر تجاريا، ولإخراجها من سباتها؛ لأنها عاشت سباتا فاق 20 سنة، وهذا أمر خطير! عليها أن تتوغل في السوق الجزائرية، وعليها أن تنتقل أيضا إلى السوق العربية، وتصبح دار نشر كبيرة بوزن عربي ليس هو وزن وزارة الثقافة الجزائرية، لكن بوزن يخصها، هذه الفكرة التي أريد أن أعتمدها.

وهل ستسعى "موفم" لإبرام اتفاقيات في ما يخص طبع الكتاب المدرسي؟

❊❊ هناك عدد من الكتب المدرسية التي تُطبع فقط على مستوى "موفم". وقد رفعنا الأمر إلى سيادة وزيرة الثقافة وإلى الأمين العام للوزارة، وقدمنا شكوى حول عدم استفادة مؤسسة عمومية بضخامة "موفم"، من طبع هذه الكتب، ووُعدنا شفويا من وزارة الثقافة بإيجاد حل لهذا الأمر. وفي هذا أؤكد أن "موفم" ليست دار نشر فقط؛ فهي مركّب مطبعيّ صناعي، يملك أحدث وسائل الطبع في الجزائر، وبإمكانه العمل مع الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية.

جديدي رواية "رحلة في اتجاه جنازة"، وسأواصل المشاركة في الجوائز العربية

هل من جديد أدبي في جعبة قسيمي، أم أن مهامه الإدارية أبعدته عن الكتابة؟

❊❊  لا أبدا؛ الكاتب يبقى كاتبا. وكنت تخليت عن مناصب كبرى لأنني لم أستطع إكمال رواية. كما أن فترة الكاتب تبدأ بعد فترة الدوام. وبالمقابل، أنهيت كتابة رواية جديدة بعنوان "رحلة في اتجاه جنازة". وأعود لأؤكد أنني أفضّل دائما الكتابة الروائية عن أي مهام أخرى، هذا ما سأورّثه لأولادي وليس رصيدا بنكيا ضخما أو لقبا إداريا أو سياسيا.

❊ تحدثت عن سبب مشاركتك في الجوائز الأدبية العربية، والذي أرجعته إلى المال، بعد أن أصبحت مديرا، هل ستشارك فيها مجددا؟ وإذا كانت إجابتك بنعم هل سيكون ذلك دائما بفعل المال؟

❊  كنت واضحا في كلامي، وهو أن الجوائز العربية بالنسبة لي لا تقدم لي أي إضافة من الناحية الأدبية، وستضيف لي فقط من الناحية المالية. نعم سأستمر في المشاركة؛ فمن طبيعة الإنسان الطمع.