طباعة هذه الصفحة

الأديب والمترجم مرزاق بقطاش لـ»المساء»

لا أفكر في المسابقات ولا في الجوائز الأدبية ، مايهمني هو الإبداع

لا أفكر في المسابقات ولا في الجوائز الأدبية ، مايهمني هو الإبداع
  • القراءات: 4767

ظفر الأديب والمترجم مرزاق بقطاش بجائزة آسيا جبار للرواية في طبعتها الثالثة. وبهذه المناسبة، انتقلت «المساء» إلى بيت الأستاذ واقتطعت من وقته الثمين خاصة وأبعدته عن مكتبه، حيث كان يكتب قصة جديدة وهو الذي لا يتوقف عن الكتابة ولا عن المطالعة، وطرحت عليه جملة من الأسئلة، فكان هذا الحوار:

هل الفوز بجائزة آسيا جبار اعتراف بمسيرتك الأدبية الطويلة أم تكريم لعملك «المطر يكتب سيرته»؟

❊❊ أنا في الحقيقة لا أفكر في المسابقات، ولا في الجوائز الأدبية، جائزة آسيا جبار أو مسابقة آسيا جبار لم أكن أدري بأنني مشارك فيها، إلا قبل أسبوع من التتويج عندما دعيت إلى المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار لمسألة ما، وقيل لي إن الوكالة شاركت في هذه المسابقة بروايتي، قلت لهم حسنا، ثم لم أعلم بالتتويج إلا قبيل دقيقة من الإعلان. لهذا أقول إن مسألة المسابقات لا تهمني لا هنا ولا في جهة أخرى والجوائز لا تهمني، إن كانت هناك جوائز مرحبا بها وإن لم تكن فمرحبا أيضا. أنا أقرأ وأكتب هذا كل ما في الأمر، أما الجري وراء المسابقات والجوائز، فليس من شيمي،  لأن ما يهم هو الإبداع وأن يأتي الكاتب بشيء جديد، في المضمار الذي ينجزه.

يحق للكاتب أن يكتب وأن يعتبر نفسه في مستوى نجيب محفوظ وهمنغواي في ظل غياب احتكاك بينه وبين الناقد.

ما تقييمك لمسابقة آسيا جبار للرواية؟

❊❊ عرفت مسابقة آسيا جبار للرواية مشاركة روايات بثلاث لغات منذ الطبعة الأولى التي ترأست لجنة تحكيمها، وهناك محاولات محتشمة باللغة الأمازيغية. كما أن هناك من يشارك طمعا في نيل الجائزة وهو ما اعتبره أمرا طبيعيا. في المقابل، ليس من السهل انتقاء أفضل عمل هذا من جهة، ومن جهة أخرى، هذه المشاركات دليل على أن الأدباء الجزائريين بمختلف أعمارهم يحبون التعبير عن أرائهم والإبداع، هناك 45 مليون جزائري ينبغي أن يكون بينهم روائيون وشعراء ومترجمون وكتُاب وفنانون، الظاهرة الصحية تكمن أساسا في حب الإبداع والسعي للتعبير عن خوالج النفس، في المقابل تبدأ المسابقات الأجنبية في العالم بنفس الطريقة محتشمة، ثم تنمو، وقلت أثناء تسلمي الجائزة، إنني خشيت أن لا يطول عمر هذه الجائزة لأننا تعودنا في الجزائر على إنشاء جوائز ظرفية، لهذا  نحتاج إلى جائزة أو جوائز أدبية تستمر بها الحياة، مثلما عليه الأمر في فرنسا «غونكور» و»بوليتز» في أمريكا وجائزة نجيب محفوظ في مصر.

الجانب العلمي الدقيق للترجمة يحتاج إلى إرادة سياسية، أما الجانب الأدبي فهو قضية عشق المترجم لنص ما

عرف الصالون الدولي للكتاب في طبعته الأخيرة، مشاركة أكثر من مائة رواية جديدة أغلبها من توقيع شباب، هل تعتبر ذلك ظاهرة صحية في ظل الحديث عن المستوى المتباين لهذه الأعمال والمطالبة بضرورة غربلتها على مستوى دور النشر قبل أن تصل إلى الصالون والمكتبات؟

❊❊ أعتبرها ظاهرة صحية وهو أمر مفروغ منه، أما الحديث عن المستوى فهذا أمر آخر، لا يعود إلى الكُّتاب أنفسهم وفقط، إنما إلى دور النشر إذا كان لديها لجان قراءة في المستوى، ثم يعود إلى المحيط الإعلامي، كما أنني لا أرى وجود متابعات نقدية على مستوى الصحف، ولا في الإذاعة ولا في التلفزيون ولا حتى تواصلا بين الكّتاب المبدعين ومن يكتبون السيناريو في المسرح والسينما، الذين في أغلبهم مخرجون وممثلون، فيجب أن تكون هناك علاقة وتبادل للرأي، كما أن التلفزيون لا يشجع أحدا، والإذاعة نفس الشيء، فلا تفاعل بين الكاتب المبدع والإذاعة والتلفزيون والصحف، الله إلا فيما ندر. وفي هذا السياق، يحق للكاتب أن يكتب وأن يعتبر نفسه في مستوى نجيب محفوظ وهمنغواي، في ظل غياب احتكاك بينه وبين الناقد، لا يوجد من يقول إنه أخطأ، كما أن التلفزيون لا يتفاعل مع المسرحيات، هل هي في المستوى أم لا؟ فلا يوجد نقاد بالمعنى النقدي الصحيح، بل شباب يكتبون في الصفحات الثقافية وحتى الأساتذة الجامعيون المتخصصون في النقد لا يكتبون ولا ينشرون.

لا نحتاج إلى أكاديميات للأمازيغية، بل إلى أكاديمية واحدة تجمعنا جميعا وأدعو إلى الكتابة باللغة الأمازيغية لأن الكتابة هي بداية تفكير

هل هناك موسم أدبي في الجزائر؟

مع الأسف لا، لكن إذا استمرت جائزة آسيا جبار، معنى ذلك بداية موسم أدبي جزائري. الموسم الأدبي في العادة يبدأ من مطلع سبتمبر إلى أواخر ديسمبر، ففي هذا الموسم تسند جميع الجوائز العالمية، لكن دور النشر والصحف والتلفزيون والإذاعات تظل ترصد ما يخرج من المطابع على مدار سنة كاملة. كما أن جائزة غونكور لديها أكثر من 100 سنة تقليد، مصر أيضا لها جوائز عديدة مثل جائزة الدولة التشجيعية، في حين ليس لدينا هذا التقليد الذي يجب أن يتم عبر الإعلام، فعندنا نماذج عربية مصرية وعالمية يمكن الاقتداء بها، وهذا ما نحتاج له.

هل يمكن ربط الموسم الأدبي بتنظيم الصالون الدولي للكتاب الذي يعرف ميلاد كتب جديدة؟

❊❊ ممكن، الصالون قبل سنوات كان يقدم جائزة، ثم توقفت، جائزة آسيا جبار أنشئت بمناسبة انعقاد الصالون، ثم نظمت بعدها بعد انتهاء معرض الكتاب، لماذا لا يتم إسناد جائزة للرواية في شهر سبتمبر مثلا، ومن ثمة جائزة لجنس أدبي آخر في شهر أكتوبر؟ وهكذا الجاحظية بدأت التقليد، ثم توقفت عنه. نحن بحاجة إلى جوائز وطنية مركزة، وأتمنى أن تكون هناك جائزة تسند في الصحراء حتى يتم التلاحم بين الشمال والجنوب، كنا ننظم عكاظية الشعر، وكان هناك مهرجان العيد آل خليفة في بسكرة. مع الأسف، نحن نقوم بأشياء جديدة، ثم نسفه أحلامنا.

من الضروري توحيد المصطلحات عبر مجمع لغوي واحد يتساوى فيه كل من يترجم عن اللغات باختلافها

كثر الحديث عن أهمية الترجمة، وتم مؤخرا تنظيم العديد من المؤتمرات حولها، هل قضية الترجمة في الجزائر مرتبطة بالإرادة السياسية، مثلا سن قانون خاص بالترجمة يهتم بتحديد الأسس التي تقوم عليها الترجمة والتأكيد على أخلاقيات المهنة؟

❊❊ لا أظن أن الأمر متعلق بالإرادة السياسية، هذه الأخيرة يمكن أن تعين المترجم والناشر، خاصة في المضمار الأدبي،  وهنا لا أتحدث عن الجانب العلمي الدقيق الذي يحتاج فعلا إلى إرادة سياسية، بمعنى أن الجامعة يجب أن تكون واقفة  وتساعد المترجمين، في حين يحتاج الجانب العلمي إلى من يرشد أموالا للترجمة ونشر الكتب العلمية التي يحتاجها الطالب في كل الأطوار التعليمية، بداية من الابتدائي إلى غاية الجامعي. أما في الجانب الأدبي الفني المعول عليه، هو المترجم نفسه، لأن الترجمة في تصوري عشق وحب للموضوع الذي يضطلع المترجم إلى نقله إلى اللغة العربية أو إلى لغة أخرى، لهذا جانب النقص في المجال الأدبي يعود إلى نقص التراجمة والناشرين. المترجم بحاجة إلى أن يعمل على رواية أو ديوان شعري أو عمل نقدي في مدة طويلة تزيد عن أشهر،  لهذا يحتاج إلى راتب شهري. فالمترجم لا يمكن أن يضطلع بهذا العمل فقط، بل يجب عليه أن يقوم بعمل آخر يعوّل به نفسه وأسرته. فالعمل الأدبي رديف لما يقوم به من عمل آخر، لهذا يحتاج المترجم إلى من يسنده، أي لمن ينشر له كتابه وتقاضي مقابل ما يقوم به. أرى أن جانب الضعف في هذا المجال بالضبط، هناك مترجمون لغات عديدة، لكن لا نعرف عنهم شيئا، خاصة في المجال الأدبي، لأنهم لا يجدون من ينشر لهم. أما الجانب العلمي، كما سبق وأن قلت، فيحتاج إلى إرادة سياسية، لأن الدولة ينبغي أن تقدم العون للجانب العلمي، بمعنى أن المترجم عندما ينقل كتاب في الرياضيات، الفيزياء، الفلك، فهو بحاجة إلى الدولة لكي تنشر له كتابه وتساعده، وهذا غير موجود في الجانب العلمي. ليست هناك هيئة مختصة تقوم بمساعدة الترجمة والمترجمين، مثلما كان عليه الأمر لفترة محددة في السبعينات، هذا الموضوع يجب أن تتطلع به الدولة خاصة في الجانب العلمي. أما في الجانب الأدبي، فالإنسان يحب الترجمة والأدب، أي أنه يختار نصا معينا لعشقه له.

الكثير من الجزائريين كان بالإمكان أن ينالوا جوائز عالمية لو ساعدتهم الجزائر

ماذا عن مشكلة المصطلح في اللغة العربية، رغم أن القاموس العربي ثري بالمفردات، ولماذا لا يتم توحيده؟

❊❊ مشكلة المصطلح مشكل عام في العالم العربي، لا تنسي أنه في العالم العربي نترجم عن الفرنسية والإنجليزية أساسا، وهناك من كان يترجم عن الروسية والألمانية، لهذا المصطلح العلمي الدقيق بحاجة إلى من يوّحده في العالم العربي، لأن الترجمات عن اللغات العالمية، لهذا من الضروري توحيد المصطلحات عبر مجمع لغوي واحد يتساوى فيه كل من يترجم عن اللغات باختلافها، حتى لا تنفلت الأمور من أيدينا لأن الجوانب العلمية المنقولة إلى العربية يتناولها الطلاب في الجامعات والأساتذة الجامعيون الذين هم بحاجة إلى توحيد مصطلحاتهم، عندما نقول الجذر التربيعي يجب أن نفهم ذلك في كل الدول العربية، فكيف إذا تعلق الأمر بفيزياء الكم وفيزياء الكواكب وأي علم من العلوم الدقيقة؟ لهذا يجب توفر مصطلحات موحدة ترفع شأنها مؤسسات علمية موحدة تنتسب لجميع الدول العربية وجميع الجامعات العربية، حتى يتضح الطريق وإلا سنصل إلى مال بدون راع، هذا يأكل الحشيش وذاك أوراق الزيتون.

هل تعتبر أن « تمازيغت» التي تم الاعتراف بها وتدريسها، لغة اصطناعية لا يجد فيها الأمازيغي نفسه ولا يفهمها؟

❊❊ الأمازيغية موجودة قبل العربية واللاتينية، وفيها لهجات كثيرة، وبالتوقيع على مرسوم إنشاء الأكاديمية الأمازيغية، يظهر لي أن الأمور ستتغير، سيكون أساتذة مختصون يجمعون شتات هذه اللهجات من أجل الوصول إلى مصطلحات تشمل جميع من ينطق بهذه اللغة ومن يكتب بها ومن يصنع شيئا بها، هذا شيء جميل اتخذته الجزائر، تبقى المشكلة في نظري مشكلة الحرف الذي ينبغي استعماله، أنا أحّبذ استعمال الحرف العربي لأن الأمازيغية أكثر من 80 بالمائة من مفرداتها عربية، كما أن هناك من يحبذ استعمال الحرف اللاتيني، طبعا أعتقد أن المشكلة لن تحل بسهولة، سيكون هناك اصطدام في هذا الشأن، لكن ينبغي على الجميع أن يوحدوا صفوفهم، فيتعين على الذين سيقومون بالبحث الأكاديمي في مجال اللغة الأمازيغية أن يوحدوا صفوفهم وآراءهم، لماذا؟ لأن التلميذ في الابتدائي والمتوسط والثانوي وحتى الجامعة بحاجة إلى كتب مدرسية وإلى حرف واحد، نفس الشيء بالنسبة للسينما والمسرح والرواية والشعر، أظن أن الذي سيكون على رأس هذه الأكاديمية يتعين عليه الإسراع بضبط الأمور في هذا الشأن حتى لا نحتاج إلى أكاديميات للأمازيغية، بل إلى أكاديمية واحدة تجمعنا جميعا، لأن الأمازيغية ملك لجميع الجزائريين.

أطالب بإعادة الجمع بين وزارتي الثقافة والاتصال

حينما يفوز كاتب جزائري بجائزة دولية يتهم بأنه موال لثقافة ما ولدولة ما، لم إصدار أحكام بمثل هذه الحدة؟ هل دخلنا في نواياه؟

❊❊ أنا ضد هذا الكلام، نحن الآن في الجزائر نتعامل مع عدة لغات، طبعا هناك إرث تاريخي لكنه بالنسبة لي يعد فخرا للجزائر، آسيا جبار حينما دخلت الأكاديمية الفرنسية  اعتبرناه فخرا لنا، وكذلك الذين ينالون جوائز بالمشرق العربي، أنا ضد النظرة الضيقة إلى هذه المسألة، من يستطيع اختراق الحجب فليتفضل. الكثير من الجزائريين كان بإمكانهم أن ينالوا جوائز عالمية لو ساعدتهم الجزائر، فيه باحثون وعلماء وأدباء، كلهم في مستوى عالمي، لكن الجزائر لا تساندهم، مثلا محمد ديب كان جديرا بجائزة نوبل وكاتب ياسين أيضا، محمد ديب كان يقول أن كاتب ياسين كاتب عالمي لكن لم نعنه، آسيا جبار كانت قريبة من جائزة نوبل ولم نساعدها أيضا، فمن المفروض تخصيص حملات إعلامية وسياسية لصالحها وهو ما لم يتم. الذين ينالون جوائز نوبل لم يأتوا من العدم، دولهم تساعدهم، مثل المغني الأمريكي بوب ديلان الذي نال جائزة نوبل للأدب العالمية، رغم أنني لا أراه جديرا بها.

هناك أيضا قضية تكفير الكُتاب، وهو ما حدث ـ مثلا ـ مع أنور بن مالك وكمال بن داود، إلى ما يعود ذلك؟

❊❊ تكفير الكاتب بدعة جديدة نسمع بها منذ الثمانيات، ثم انتقلت إلينا، هل هؤلاء الذين يكفرون مبدعون ونقاد؟ كلا، لا علاقة لهم بالأدب فالمسألة سياسية، يسيسون الأدب مثلما سيسوا الإسلام واللغة العربية واللغة الأمازيغية. كما أن علاقة الإنسان بربه علاقة مفردة. في المقابل هناك فعلا من يتجنى ويتطفل لكن هذه بدعة، ربما كنت أول كاتب جزائري كتب عن سلمان رشدي في 1988، عندما أصدر كتاب «آيات شيطانية»، لم تعجبن روايته، فالذين يكتبون عن أمور الدين ويشتمونها لا أحبهم مطلقا، فأنا مسلم ومؤمن، كما أنه تطرف في النيل من الدين الإسلامي على سبيل التقرب، طمعا في جائزة نوبل ولن ينالها، لو أنه استمر في الكتابة بنفس طريقة كتابته لإصداره الأول «أطفال منتصف الليل» لخرق العالمية نفسها، كتبت ضده لأنه تطرف بدون سبب، كما أن تطرق جريدة «شارلي إبدو» للدين الإسلامي بتلك الطريقة أعتبره تطرفا أيضا، أما الكاتب الجزائري الذي يكتب ويشتم دينه فهذا شأنه وأنا لا أقرأ أدبه.

الكاتب الجزائري الذي يكتب ويشتم دينه، هذا شأنه  وأنا لا أقرأ أدبه

هل يمكن أن يكتب الكاتب الجزائري عن أفكار لا يؤمن بها، هل يمكن مثلا أن يتناول شخصية تشتم الدين، لكنه في الأصل لا يفعل ذلك؟

❊❊ هذه تجارة، يطمع أن تكون مربحة، لكنها غير ذلك، الأدب هو الصدق والإخلاص في الموضوع واللغة والسلوك، توماس مان يقول «الأفضل بالنسبة للقارئ ألا يطلع على نوايا الكاتب، لأنه لو اطلع عليها لألقى بما يقرأه جانبا»، فيه تحايلات لكن الأدب هو الإخلاص والأدب الذي صمد على مر الزمن إنما هو الأدب المخلص لرامبو وتوماس مان وهمنغواي وغيرهم، فإذا انتفى الإخلاص انتفى الأدب.

كتبت العديد من السيناريوهات، هل ملزم عليك التعرف على تقنيات صناعة السينما لتحقيق هذا الغرض؟

❊❊ على كاتب السيناريو أن يحب السينما وأن يشاهد عددا كبيرا من الأفلام، أنا مثلا عندما اكتب مسلسلا، وهنا أتوقف لأذكر المسلسل الذي سلمته للتلفزيون بعنوان «البابور» الذي تدور أحداثه سنة 1898، وهو العام الذي تم فيه نشر قانون خاص بالبشاوات القياد ولم أتلق أي رد، وموضوع «البابور» تاريخي يخص كل الجزائريين، المهم، حينما أكتب لدي خيوط قصة أعالجها، فأقوم بعملية التقسيم وفي معظم الأحيان أكتب قصة وأسند أدوارها لممثلين معينين أعرفهم، مثل أقومي، كأنه يمثل أمامي حينما أكتب.

ماذا عن علاقة الأستاذ بقطاش بالشعر والمسرح؟

❊❊ بدأت مسيرتي الأدبية بكتابة الشعر، أما عن المسرحية فأذكر أنني سلمت عملا للمسير الراحل للمسرح، أمحمد بن قطاف وقال لي إنه تجاوزه الوقت في حين أنه كان عملا استشرافيا، وهو نفس العمل الذي أراد الفنان سيد أحمد أقومي أن يجسد دور البطولة فيه وهو «عزوز كبران»، بن قطاف كان ممثلا جيدا لكنه لم يكن كذلك كمسير. وانتقل هنا إلى ما يسمى بمهرجان المسرح المحترف الذي انعقدت فعالياته مؤخرا. أنا أرفض هذه التسمية، فعن أي احتراف نتحدث وليس لدينا كاتب مسرحي محترف، لم نشجع الكُتاب لكتابة المسرح، حتى في كتابة السيناريو، قليل ما يتم الاعتماد فيه على مختصين، أذكر أنه اتصل به المخرج راشدي لكتابة سيناريو فيلم قصير بعنوان: «في انتظار زيدان» الذي أخرجه في الأخير ابنه، بينما في معظم الأحيان نجد المخرج أو حتى الممثل من يكتب السيناريو، ويعتبرون أنفسهم غودار وشابرول، يريدون تقديم أفلام ذات نوعية، بينما ثقافتهم محدودة، فليس كل من يحمل كاميرا مخرجا.

ينبغي أن ننشد أكبر مبلغ مالي للثقافة وليس للكيوي والموز

صرح وزير الثقافة السيد عز الدين ميهوبي في أكثر من مرة، بإخضاع قطاع الثقافة للتقشف، مثله مثل جميع القطاعات الأخرى، ما رأيك في هذا؟

❊❊ هذا خطأ فادح، إذ ينبغي أن ننشد أكبر مبلغ مالي للثقافة وليس للكيوي والموز، لأن الذين يهدرون أموال الجزائر هم أولئك المتطفلون، وليس معرض الكتاب الذي يهدر مالا وليس إنجاز فيلم يفعل ذلك، فالمفروض أن ترصد مبالغ أكبر للثقافة حتى يلتهم الجزائري الثقافة التهاما، قد لا يشتري الموز لأبنائه ولا ربطة عنق ولا سيارة، لكن ينبغي أن يشتري كل ما له علاقة بالثقافة، أنا ضد التقسيط في مجال الثقافة، في أي مجال كان سواء السينما، الكتاب، المسرح، الفنون التشكيلية وغيرها، ليس لدينا مهرجان حقيقي للمسرح المحترف ولا فنون تشكيلية ولا كتاب يكتبون للمسرح، في المقابل ينبغي معاونة المبدعين، مثلا مساعدة الدولة لكاتب في مشروع كتابة يأخذ منه سنة كاملة، مثل ما يحدث في الدول المتطورة، نعم أنا أضرب المثل بأمريكا وفرنسا لأنها أظهرت أن الأموال التي تسند للثقافة لها نتائج جيدة.

نظمت الجزائر تظاهرات كبرى في العاصمة 2007 وتلمسان 2011 وقسنطينة 2015 وأنجزت في هذه الفترة العديد من الأفلام والمسرحيات والكتب الجديدة التي ظلت معظمها بعيدة عن الجمهور، إلى ما يعود ذلك؟

❊❊ لم يصل كل هذا الإنتاج إلى الجمهور، لأن هناك فصل بين الثقافة والاتصال، لهذا أطالب دائما بأن يتم إعادة الجمع بين وزارتي الثقافة والاتصال، فحينما تقدم مسرحية يطلب وقد يلح مخرجها بعرض مسرحيته في التلفزيون، المفروض أن يكون هناك ترابط، أي تعرض المسرحية بتلقائية في التلفزيون ويشاهدها كل الجزائري في كل مكان، المفروض أن يكون هناك اتصال حميم بين الوزارتين، ما ينجز في السينما والمسرح والفنون التشكيلية والموسيقى ينبغي أن يكون تحت امرة جهة واحدة لصالحها، نحن مازلنا في السياسة التوجيهية مثل السابق، لهذا يجب أن يسند الأمر لقطاع واحد حتى لا تضيع الأمور، مثلا لماذا يقتصر مهرجان الفيلم الأمازيغي على تيزي وزو فقط؟ بما أننا قلنا بأن الأمازيغية لغة وطنية. إذن حتى يتم التلاحم بين أبناء الجزائر، أطالب بأن تكون هناك وزارة واحدة للثقافة والإعلام حتى يتم توزيع جميع الإنتاج الجزائري على الجزائريين.

جديد الأديب والمترجم مرزاق بقطاش؟

❊❊ عندي أمور جديدة كثيرة بالعربية، مجموعة قصص قصيرة «دومينو» تضم عشر قصص بالعربية لم أقدمها للنشر، عندي بالفرنسية مجموعة قصصية «والزرقة دائما» تضم أيضا عشر قصص قدمتها لدار «لوسوي» الفرنسية، لكنها أجابتني بأنها لا تنشر القصص القصيرة، إضافة إلى رواية «مدينة تجلس على طاولة البحر»، رواية أخرى «أحد عشر كوكبا»، لم تقدم للنشر. وقبل سنتين طلبت من المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية نشر أعمالي الكاملة، لكنها تعللت بنشر الكتاب المدرسي وطلبت مني رواية جديدة منذ أربعة أشهر، ولم تأت لتأخذها، عودة إلى جديدي وهذه المرة مع سلسلة ذاتية بالفرنسية تضم عشر مقالات من 160 صفحة تحتاج إلى مراجعة، كل موضوع يتناول علاقتي بكاتب فرنسي وبالجزائر منذ 1948، أذكر جاك دريدا، دوما، ديكارت، فرانسوا أراغون، لبيار، كامو وغيرهم. مثلا أتحدث عن جاك دريدا المولود بالأبيار وكذا عن طفولتي في هذه المدينة التي تبعد بثلاث كيلومترات عن «فونتان فراش»، حيث ولدت.

هل أعاق بصرك الضعيف، كتاباتك؟

❊❊ أنا أكتب في الكمبيوتر، وأحفظ لوحة المفاتيح باللغتين العربية والفرنسية، كما أقرأ ما استطعت، خاصة  الكلاسيكيات، وأسمع إلى الروايات وغيرها، فالتكنولوجيا سهلت من المهمة الكثير. سابقا حينما كنت أتعب، أخرج بالسيارة، أما الآن، أمارس بعض التمارين الرياضية في البيت وأعود فورا إلى الكتابة. وهنا أريد أن أؤكد مرة ثانية على ضرورة الترابط بين الاتصال والثقافة، فحينما أرسم يجب أن أجد أين أعرض أعمالي ومن ينتقدني ومن يشتري لوحاتي، وحينما أصنع فيلما يجب أن أجد أين أعرض فيلمي، حقا كان لدينا 400 قاعة سينما بعد الاستقلال، حيث كنا نرتاد إلى قاعات السينما وتناقش حول الأفلام، واليوم أغلبها مغلق أو حولت مهامها والشباب في المقاهي؟ من يتردد اليوم إلى المكتبة الوطنية؟ الأمر لم يعد ممتعا بينما كان لدي بطاقة المكتبة سنة 1960، كنت أتوافد إلى المكتبة وكان العلامة بن شنب يوقع على أوراقنا، أين هو المسرح من الاحتراف؟ وأين هي كرة القدم من الاحتراف؟ كيف لم نستطع تأسيس مدرسة لا في رياضة كرة القدم ولا في كتابة السيناريو ولا في المسرح ولا غيرها؟

هل تطرقك إلى مرحلة الإرهاب التي عاشتها الجزائر، وسيلة لتضميد جراحك وأنت الذي تعرضت إلى محاولة اغتيال؟

❊❊ أود أولا أن أؤكد غياب رواية جزائرية تجسد الثورة الجزائرية، هناك من كتبوا عن المرحلة أي من 1954 إلى 1962، مثل محمد ديب وكاتب ياسين ومولود فرعون والطاهر وطار، لكن الثورة كثورة لا توجد رواية عنها، لأن فن الرواية جديد يجب أن يركع، كما أن مارغريات ميتشل، مثلا، كتبت عن الحرب الأهلية الأمريكية 80 إلى 90 سنة بعد انتهائها، مثل تولستوي الذي كتب عن هجمات نابليون روسيا، 60 سنة بعدها، لهذا فالموضوع الروائي يجب أن يركع، والرواية زبدة المعرفة ويجب أن تطبخ على نار هادئة، مرة صحفية قالت لي؛ لم أجد الدم في روايتك «خويا دحمان»، فقلت لها؛ أكتب للهروب من الدم وليس للكتابة عن الدم، أكتب تساؤلات عما حدث، كيف لجزائري أن يقتل جزائريا، ومهما كتبت لن أصل إلى مشهد شاهدته في التلفزيون في أواخر التسعينات، عن امرأة في «حوش» تبكي وتردد كلمات في لغة غير مفهومة أمام رأس ابنها المفصول عن جسده، لن أنسى ذلك المشهد ما حييت.