يوسف شقرة، رئيس اتحاد الكتاب الجزائريين لـ"المساء":

أشباه المثقفين أثروا على المشهد

أشباه المثقفين أثروا على المشهد
يوسف شقرة، رئيس اتحاد الكتاب الجزائريين
  • القراءات: 1456
حاوره : زبير زهاني  حاوره : زبير زهاني

اعتبر الشاعر يوسف شقرة، رئيس اتحاد الكتاب الجزائريين، أن المثقف هو العمود الفقري لأي مجتمع، ودور المثقف كبير جدا في الحفاظ على هوية وأمن أي بلد، من خلال نشر ثقافة الأخوة والتلاحم، في ظل المحاولات العديد من أطراف خارجية أو داخلية، لضرب استقرار الجزائر وأمنها، بضرب ثقافتها لتكسير المجتمع، فاتحا النار على أشباه المثقفين الذين اتخذوا من منصات التواصل الاجتماعي مطية لخوض العديد من الحروب، لا يمكنها بأي حال من الأحوال خدمة البلاد، وكشف في حوار مع "المساء"، عن تسجيل أكثر من 50 عملا أدبيا في الجزائر تناول الحراك المبارك.

تحدثتم خلال أشغال ملتقى "رضا حوحو" عن مصطلح المثقف الحقيقي، هل هذا يعني أن هناك فئة من المثقفين لا تعترفون بها؟

❊❊ هناك مثقفون مزيفون، ينتحلون صفة المثقف ولا يجب الحديث عنهم، والمثقف الحقيقي هو من يقوم بالعمل الميداني، وليس المنظر الذي يركب الزعامات، وأظن أن المثقف الحقيقي هو الذي ينتج من موضعه ويربي، وليس كل من كتب يعتبر مثقفا، بل الذي يحمل مشروعا هو المثقف. وأرى أن هناك أشباه مثقفين أو ما يعرف بالمثقفين المزيفين، وهي فئة آثرت على نفسها خوض حروب فكرية من وراء منصات التواصل الاجتماعي، على غرار الفايسبوك، خدمة لأجندات معينة من جهة، ومن جهة أخرى، هناك قضية أريد الإشارة إليها، وهي علاقة المثقف بالسلطة.

أظن أن المسؤولية تقتل روح الإبداع في المثقف، وقد أثبتت التجارب أن أي مثقف يعطى مسؤولية يفشل فيها فشلا ذريعا، ومن منظوري، فالمثقف لا يلهث وراء المسؤولية ولا وراء الزعامات.

دور المثقف مهم في البناء وهو لا يصلح للسلطة

إذن، أنتم ترون أنه لا يجب على المثقف أن يتقلد مسؤوليات في الدولة؟

❊❊ المثقف من وجهة نظري، لا يصلح للسلطة، يصلح للبناء، يكون في خلية إنتاج أو يكون مستشارا ربما، لكن إذا وصل إلى السلطة، سيفسد أكثر مما يصلح، وسيصبح شخصا سلبيا أكثر من إيجابي، فتكوين المثقف وطبيعته الإبداعية، فيها نوع من النرجسية، وعندما يجلس في كرسي مسؤولية يبدأ بالتكسير، حيث لا يسمح للغير بالوصول إلى منصات النجاح، من منطلق أنه يرى نفسه دائما الأحسن، وهناك أمثلة كثيرة يمكن ذكرها في هذا المجال، فهناك من أصدقائي، ولا أكن لهم أي ضغينة، من استوزر وهناك من ترأس لجانا بوزارة الثقافة، ولم يقدموا أي إضافة للثقافة، بل حاربوا مبدعين شباب أثبتوا نجاحهم خارج حدود الوطن.

تحدثتم في مداخلتكم عن دور المثقف أو الكاتب في تعزيز اللحمة، فكيف له ذلك وهو يرى نفسه مهمشا؟

❊❊ أولا هذه مسؤولية وليس اختيارا، وعليه أن يبذل كل ما في جهده ويبادر ولا ينتظر الآخرين، وأظن أنه إذا أردنا أن نعزز اللحمة، من الجانب الثقافي، وأنا لا أتحدث عن السياسة لأنها لا تعنيني، يكون أولا ببناء مرتكزات أساسها الأرض، وأنا هنا أقصد الجذور، فلا يمكن إطلاقا لأي مجتمع أن ينمو ويتطور ويزدهر خارج جذوره الأصلية، يجب أن ننطلق مما ووضعه أجدادنا ونحاول أن نضع تحديثا وتحيينا، حتى نتطور ولا نبقى حبيسي الماضي من جهة، ومن جهة أخرى، حتى لا ننساق وراء ما يمليه علينا الغرب، يجب أن نبني بيتنا بأيدينا ضمن قيم موروثة متطورة حديثة، وهنا دور المثقف في أن يكون همزة وصل، في أن يحافظ على هذا الخيط الرفيع ولا يجعله ينقطع، وأن يدرك كيف يعطي للثقافة القديمة منظورها الجديد، لتبقى دائما اللحمة التي تربط جيلا بعد جيل، وهنا يمكن أن نصل إلى المجتمع المنشود، ويمكن أن أزيد...

إن فكرة تكسير أي مجتمع تنطلق من تكسير ثقافته، وخير دليل على ذلك، فرنسا عندما دخلت الجزائر في حملتها الاستعمارية، أول ما بدأت به، هو محاولة طمس الهوية الجزائرية، وبدأت من خلال محاربة الزوايا التي كانت تضم مؤلفات تعد كنوزا لعلماء جزائريين يجهلهم الكثير، وكانت أيضا من أبرز منابر العلم وتحفيظ القرآن وقتها، حيث عمدت إلى إخراج هذه الأماكن المقدسة من طابعها التعليمي إلى طابع خرافي، ينشر الشعوذة والسحر وكذا الجهل والظلام، يحث الناس على الإيمان بفكرة أن الاستعمار هو قضاء وقدر.

إذن تنمية الفرد وإشباعه بالثقافة المنبثقة من هويته أمر مهم في تطوير المجتمع؟

❊❊ حقيقة، فإشكالية الجزائر بعد الاستقلال، أنها اهتمت بالآلة على حساب بناء الإنسان، فخرج جيل أجوف يفكر في الاستهلاك على ما يسد به فراغ عقله، لكن في السنوات الأخيرة، ومع التفتح، تمكن الجزائري من الاطلاع على تجارب الآخرين، فكان بداية تلمس الطريق لبناء ثقافة جديدة في ظل ظهور سؤال جوهري وهو؛ من نحن؟ ومنه ظهرت الاختلافات الإيديولوجية بين الأخوة في قضية المواطنة والهوية، وكان من المفروض أن يُفصل في هذه القضية بعد الاستقلال. التنمية البشرية جد مهمة في تطور أي مجتمع، مع الحفاظ على التقاليد، ولنا في الصين خير دليل.

 بعض دور النشر جشعة وأصبحت وكأنها تبيع البطاطا والطماطم

كيف تساهمون، من منطلق منصبكم في اتحاد الكتاب الجزائريين، في دعم المبدعين الشباب؟

❊❊ هذه المؤسسة لها قوانينها التي تنظمها وتحكمها، ولا نستطيع الخروج عنها، نحن في اتحاد الكتاب الذي يعد مؤسسة مسيرة وفقا لقوانين الجمهورية المنظمة لعمل الجمعيات الوطنية، لديه مساحة وحيز محددان، نحن لا نصنع كتابا، ومن ينضم إلى هذا الهيكل، بالضرورة يحمل صفة كاتب، هذه المؤسسة تمنح للكاتب فرصة تطوير نفسه والاحتكاك بالخارج، كما يفتح الأبواب ويساعد ويرافق الكتاب المنخرطين على نشر كتبهم، من منطلق الاتفاقيات المبرمة مع العديد من دور النشر، وحمايتهم أيضا من السرقة ومن جشع بعض دور النشر التي تحولت إلى تجارة على حساب قيمة العمل.

كيف واكب الكتاب الجزائريون الحراك الوطني، وكيف ساهم الكتاب في تجسيد مفهوم اللحمة؟

❊❊ أولا من أجل الحكم على أي مشروع، يجب أن نمنح الوقت، فالمشروع لا ينضج في سنة أو سنتين، لكن يمكن أن نلاحظ بعض الملامح، المثقف يبعث بالقيم سواء من خلال الكتابة أو الأغاني أو الشعر أو الموسيقى، ونحن من خلال متابعة أعمال الكتاب المنخرطين ضمن مؤسسة اتحاد الكتاب الجزائريين، وخلال السنتين الفارطتين، أي منذ عام 2019 التي ميزت فترة الحراك، ويجب أن نكون موضوعيين، في بداية الحراك كان هناك ضغط من جميع النواحي، ولد انفجارا، كان مبنيا على ثقافة وطنية حقيقية، بهدف بناء جزائر متحررة تتلاقح فيها الأفكار وتتجاذبها التيارات وتتعايش فيما بينها، وكان هناك تلاحم بين الشعب وجيشه، لكن عندما بدأت ملامح نجاح الحراك تتجسد، هناك جماعة لم يعجبها الأمر، ودخلت لركب الحراك للوصول إلى النتائج التي خططت لها، لكن الجزائر انتصرت عندما اختارت رئيسها، الذي يحاول جاهدا تطبيق ما التزم به، رغم المطبات والعثرات.

هنا نطرح السؤال؛ "أين محل المثقف من الإعراب؟"، وأرى أن رموز الحراك من النخبة التي كان لها هدف وطني لبناء جزائر حقيقية، كانت كلها من المثقفين، رغم اختلاف الإيديولوجيات، وهناك من انسحب من الحراك لسبب أو لآخر، خاصة في ظل اختراق هذا الحراك، لكنهم واصلوا دعم هذا المسار من خلال الأفكار وكتاباتهم، سواء عبر منصات التواصل أو من خلال مؤلفات، وهنا نسجل العديد من الأعمال التي طبعت أو التي في طور الطبع، أو التي تنتظر، وأعتقد أن هناك أكثر من 50 مؤلفا في هذا الصدد، سواء في الشعر أو في النثر.

هناك بعض الكتاب ممن أرادوا ركوب الشهرة، من خلال تبني بعض الأفكار الغريبة عن المجتمع، بحجة كسر الطابوهات، كيف تعلقون على هذه الظاهرة؟

❊❊ أظن أن الكتابة تجسد شخصية الكاتب، مهما حاول إخفاءها، ومن خلال الكتابات نستطيع الوقوف على سر الشخصيات، ومن هنا يمكن، ومن خلال قراءة مؤلف أي كاتب، معرفة ما إذا كانت شخصيته عنيفة أو مقموعة، كما أن هناك شخصيات عاشت ظروفا صعبة، وشخصيات ذكورية عاشت في محيط نسوي وتأثرت بهذا الوسط، وأظن أن الأمر الخاص بكتابة أشياء غريبة عن المجتمع ولا تخدم المواطن الجزائري، فيه تدخل من جهات أجنبية، حيث أن هناك دور نشر في الغرب سيطرت عليها اللوبيات اليهودية، وتشترط على الكاتب الذهاب في اتجاه معين من أجل تشجيعه ومنحه الجوائز، بعيدا عن هويته الجزائرية، وللأسف، هناك بعض الكتاب من أصبح يدعو إلى أمور غير منبثقة عن ثقافته وعن أصوله، فيقع له ما وقع للغراب الذي حاول تقليد مشية الحمام.

كيف تقيمون الوضع بعد 22 فيفري 2019، وماذا تغير من ناحية الحريات؟

❊❊ أظن أن لكل كاتب قناعات ومسؤولية، ويكون الكاتب حرا في ذهنه بعيدا عن إملاءات النظام، وهناك اختلاف بين جيل وجيل، وهنا أتكلم عن نفسي، أنا لم أجد أي حواجز من جانب الحريات، حتى في عهد الحزب الواحد، رغم انتقاداتي اللاذعة لحزب الأفلان وقتها، لم أتعرض للمضايقات أو الضغط، وربما يبقى الأمر شخصيا يختلف من شخص إلى آخر.

الأبواب مفتوحة للجميع ولا أجامل في مصلحة الاتحاد أي أحد ولو كان صديقا

هناك بعض الكتاب الذين يتهمونكم بالتهميش والإقصاء، ما ردكم؟

❊❊ قلتها مرارا؛ إن الباب مفتوح للجميع، من يريد العمل فمرحبا به، ومن يريد أخذ الصور أمر آخر، أظن أن الظروف التي مر بها الاتحاد لم تكن سهلة، منذ 2003 والخلاف بين الأستاذ عز الدين ميهوبي كرئيس الاتحاد مع مجلسه التنفيذي بقيادة الأستاذ العربي زبيري، أثرى كثيرا على سير الاتحاد، أنا لم أبحث عن المسؤولية، وقد ورثت تركة مسمومة، فقد كان صراعا داخليا مريرا بين إخوة، وصل إلى أروقة العدالة وتسبب في تشميع مقر الاتحاد، تجميد عضويته من الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، تجميد كل الإعانات والمساعدات، عدم التعامل مع الاتحاد إداريا، وكان مهددا حتى بالحل بعد انسحاب العديد من الكتاب وحل العديد من المكاتب الولائية، حاولنا إصلاح ما يمكن إصلاحه، واقترحنا على عز الدين ميهوبي الانسحاب، كما اقترحنا تعويضه بالسيد عبد العزيز غرمول، من منطق موقعه بالعاصمة، لكن هذا الأخير لم يتمكن من مسايرة النشاطات، وتعطلت العديد من أمور الاتحاد، إلى غاية اختياري كرئيس لهذه الهيئة، حيث عملنا على إعادة تجديد عضوية 30 مكتبا ولائيا في جولة مراطونية دامت شهرا كاملا دون توقف، كما عملنا على تسديد ديون الاتحاد وترميم المقر الذي كان في حالة كارثية، مع إعادة العضوية في الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب، أظن أن الأمور لم تكن سهلة، ومن يريد العمل فالأبواب مفتوحة، أكررها، احترمنا الاختلاف داخل الاتحاد وأنشأنا رابطات على شكل رابطة كتاب اللغة الأجنبية والترجمة، رابطة الأدب الأمازيغي، رابطة الأدب الشعبي في خطوة لرص الصفوف ومواجهة التحديات

هل ترأسكم للاتحاد خلق لكم مشاكل؟

❊❊ ربما.. لكن صدرنا يبقى واسعا ورحبا، وصراحة، أن لا أجمال أي أحد إذا تعلق الأمر بمصلحة الاتحاد، فيمكن أن يكون الصدام أمرا عاديا، وقد كانت لي ملاسنات مع وزير الثقافة الأسبق عز الدين ميهوبي، حول بعض الأمور التي تخص الاتحاد، لكن ذلك لا يمنع بأنه يبقى صديقا ولا يفسد للود قضية.

البعض من محيط وزراء الثقافة كان يريد فرض علينا أمور مقابل الدعم المالي

كيف هي علاقتكم بوزارة الثقافة؟

❊❊ هي علاقة طيبة كما كانت، ونحن لم يكن اختلافنا مع الوزارة بقدر ما كان اختلافا مع الأشخاص، خاصة من محيط الوزير، بعض الأشخاص كانوا يريدون فرض أمور على الاتحاد، مقابل منح الإعانة المالية، وهذا أمر غير مقبول ونرفضه تماما، لأن الأموال الممنوحة ملك للدولة، وليست لهؤلاء الأشخاص، الذين يبقون، حسب نظري، مجرد مسيرين للمال العام فقط.

جيل الشباب متفوق جدا ولديه ثقافة عالية

ما هي رسالتكم للجيل الجديد من المبدعين في مجال الكتابة والأدب؟ 

❊❊ هناك بوادر مشجعة في ظهور جيل جديد متخرج من مراكز التكوين والمعاهد والجامعات، هذا الجيل بات يتشبع بثقافة واسعة من خلال مطالعته للثقافات القادمة من المشرق والغرب، كما بات يتحكم في اللغات سواء الفرنسية أو الإنجليزية، ومؤخرا الصينية، هو جيل متفوق جدا ولديه ثقافة عالية، يحتاج إلى المرافقة الناعمة، ولا يجب أن ندعه يحس بالرقابة الأبوية.

بما نختم..؟

❊❊ نشكركم ونوجه تحية لقرائكم الكرام، وفي الأخير نتمنى من القيادة الحالية أن تحقق طموحاتها في بناء الوطن الجديد، مع التركيز على الاهتمام بالثقافة الوطنية الأصيلة، حتى تستجيب لتطلعات المواطن، ولا تكون مسرحية كبيرة كما يريد البعض الترويج لها.