غي شابويي:

أحضّر لفيلم عن ‘’ليلى شهيد’’ وفخور بـ’’الزيتونة"

أحضّر لفيلم عن ‘’ليلى شهيد’’ وفخور بـ’’الزيتونة"
  • القراءات: 1811
لطيفة داريب لطيفة داريب

أحب غي شابويي السينما منذ أن "كان رضيعا"، نعم هو من قال ذلك حينما كان يرافق والديه إلى قاعات السينما لمشاهدة الأفلام، ونتج عن هذا العشق، إخراج العديد من الأفلام من بينها فيلم "الزيتونة" عن فلسطين، وتأسيس أول مدرسة عمومية لتعليم أبجديات الفن السابع في جامعة تولوز.. "المساء" التقت به خلال مشاركته مؤخرا في مهرجان الفيلم الملتزم وأجرت معه هذا الحوار.

❊❊ أين وصلت اتفاقية تأسيس مدرسة لتعليم أبجديات الفن السابع بالتعاون مع الجامعة الجزائرية؟

— ليس بعد، لكن من المقرر إبرام اتفاقية بين المدرسة العليا للسمعي البصري بتولوز وجامعة الجزائر، وستؤسّس بعد تنظيم ملتقى دولي حول استعجال تدريس السينما في الجامعة، في أفريل المقبل حسب اعتقادي، وفي هذا السياق، سيحضر زملائي، الذين عملوا معي وقاموا بتأسيس نفس المدرسة من تونس ولبنان، وأرجو أن يتحقق هذا المشروع في الجزائر، وأنا على أتم الاستعداد للوقوف مع الجزائريين في هذه المهمة.

❊❊ تطالب بتدريس الفن السابع في الجامعة، ماذا عن تدريس بعض أسسه ابتداء من الطور الابتدائي؟

— سأتحدث عن مسألة تدريس السينما في فرنسا، فقد تم استحداث قرار تحبيب الطفل السينما من خلال تنظيم زيارات إلى قاعات السينما لتلاميذ الأطوار التعليمية الثلاث، على الأقل مرة في الأسبوع، وهكذا سيكتشف هذا الطفل عالم السينما من خلال مشاهدته للأفلام ومشاركته في النقاش الدائر حول هذا الفن فيخرج بأفكار جديدة ونفسية جديدة، فارتياد قاعات السينما، فعل ديمقراطي، صحيح أنه من المهم تأسيس مدرسة في الجامعة لتلقين أسس الفن السابع، وكم هو مهم أن ينمو هذا الحب منذ الصغر. في المقابل، أقول بأن الفيلم جملة من العمليات يقوم بها أشخاص مختلفون، لكن كل هذا لن تكون له أية فائدة في حال غياب المتفرج، أي الجمهور، لهذا يجب الاهتمام بالدرجة الأولى بهذا الجمهور. 

❊❊ تغير واقع السينما بانتقاله إلى الرقمي، ومع ذلك لازلتم تعتمدون في مدرستكم أيضا على صنع الأفلام بطريقة 16 ملم و35 ملم، هل هو الحنين أم ضرورة تعلم أسس صنع الأفلام التقليدية؟

— ليست قضية «نوستالجيا»، لكنني أريد أن أعلّم الطلبة أن التقاليد ليس لها جانب سلبي وحسب، بل تحمل أيضا أمورا إيجابية، لهذا يجب على الجيل الجديد أن يضم كل ما هو مفيد من القديم والحديث معا، كما أن العمل بتقنيتيّ 16ملم و35ملم، تكشف للطالب عن كل الحركات التي كان يقوم بها القدامى الذين صنعوا هذا العالم وأبدعوا فيه، وما يقوم به الطالب حاليا حتى ولو كان خاصا بتقنية الرقمي، ما هو إلا امتداد لما كان يقوم به القدامى، ولا يمكن أن نصل إلى ما نريده بدون أساس نتكئ عليه، وحتى البرمجية يجب أن نتحاور معها، ولا ندعها تتحكم فينا، وعلى هذا الأساس قمت في أكثر من مرة بوضع شريط سينمائي في فمي حينما كنت أستاذا في المدرسة، وكان الطلبة يتعجبون لأمري، لكنني كنت أريد أن أعرّفهم برائحة وطعم هذه المادة التي هي أساس صنع الفيلم، فكل فيلم جزء من التراث الكبير للسينما، لهذا أرى أنه من الضروري وجود قاعات السينيماتيك (متحف السينما) في العالم، فالسينما هي قبل كل شيء فكر، وهناك أناس قبلنا فكروا وأنجزوا أفلاما، واليوم نكمل مسيرتهم في هذا العالم الساحر، كما أن الطالب في المدرسة يتعلم كل ما له علاقة بالفن السابع وهكذا يمكن له حينما يصبح مخرجا سينمائيا، أن يتحكم في كل الأمور ويتحاور مع التقنيين بكل معرفة.

- هل سبق لك أن منعت طالبا من إنتاج فيلم موضوعه إباحي أو عنصري؟

— أبدا لم أمنع ذلك، لأننا نؤمن بالفعل الديمقراطي، لكنني أقول بأن الطالب حينما يلج المدرسة يكون مصحوبا بنظرة خاصة للسينما، فهو يحب هذا العالم وإلا لما تخصص في دراسته، كما يستفيد من مرافقة أستاذ حينما يستعد لإعداد مذكرة تخرجه وتخص إخراج فيلم، إلا أنه إذا اختار الطالب فيلما بموضوع إباحي أو عنصري وأصر على خياره هذا، رغم نصيحة أستاذه فإنه لن يتعرض لمقص الرقابة، إلا أنه سيكون تحت طائلة النقد أثناء عرضه للفيلم الذي سيكون أمام الطلبة، بل يمكن أن لا يحصل على المعدل وتضيع منه الشهادة.

❊❊ هل تؤثر الأزمة الاقتصادية التي لاتزال تعصف بالعالم على إنتاج الأفلام في فرنسا؟

— في الحديث عن الأزمة الاقتصادية شجون، لأنها لا تمس إلا الطبقات الكادحة، ومن بينها سكان القرى والأرياف الذين أدافع عنهم بشراسة، فهم الذين "يخلقون" الثورة وفي نفس الوقت هم الذين يعانون، المهم، حاليا هناك إنتاج كبير للأفلام في السينما، وتتلقى أفلام كثيرة الدعم من طرف الحكومة عن طريق المركز الوطني للسينما والصورة المتحركة، خاصة الأفلام الأولى للمخرجين وكذا تلك التي يطلق عليها اسم «أفلام الكُتاب»، غير أنني أعيب عليها دعم أفلام لمخرجين معروفين بفعل خضوعها للوبيات، وهناك صناديق دعم تابعة لمختلف المناطق الفرنسية، مثل تلك التي أنتمي إليها وهي "صندوق دعم الأبداع البصري، ميدي بيريني"، التي ندعم بها الأفلام والكتابة والتنمية.

❊❊ نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في تأسيس صناعة سينمائية ضخمة، ما هي أسرارها؟ ولماذا عموما الفيلم الأمريكي هو الأكثر انتشارا في العالم؟

— استطاعت أمريكا أن تحوّل السينما إلى صناعة كبيرة مستعينة في ذلك بكتاب كبار من داخل وخارج البلد، كما اهتمت بتجسيد قصص تراثية إنسانية في الأفلام لكي تمس أكبر عدد من الجمهور في العالم كله، علاوة على استخدامها مبالغ طائلة ودعاية إعلامية ضخمة من أجل بيع أفلامها حتى فرضت فنها السابع، بل فرضت أفكارها في العالم، تصوري أنها تقوم بدعاية عظيمة للفيلم قبل أن يخرج إلى النور؛ من إعلان للفيلم ولموسيقاه وبعض مشاهده، إضافة إلى صنع لعب لشخصيات العمل وغيرها، وتضع أسماء كبار الممثلين بهدف جذب الجمهور أو ما يسمى بـ«البانكبول"، وتدفع لهم الكثير من المال وهو ما لا يمكن حدوثه في فرنسا، حيث يتكرر استعمال اسم ممثل معروف في عدة أفلام حتى يصبح الأمر مملا، كما أنه يتطلب ذلك دفع مال وفير له وهو ما يُضعف من الاستعانة بالأسماء الثانوية، وهو ما لا يحدث في أمريكا التي يمكن لها تدعيم الفيلم بعدة أسماء معروفة، لأنها تملك إمكانيات مالية ضخمة، دون أن أنسى عدد القاعات الرهيب الذي تملكه، ففيلم جايمس بوند الأخير نزل في أكثر من 900 قاعة في نفس اليوم، حتى أنه ينافس الأفلام المحلية في فرنسا، ففيلمي الأخير لم أستطع عرضه في أية قاعة باريسية إلى حد الآن، رغم أنه يبث في قاعات أخرى في البلد.

❊❊ شاركت في إخراج فيلم "الزيتونة" عن القضية الفلسطينية، هل لك أن تحدثنا عن أصل هذه التجربة؟ وهل يمكن لك حاليا أن تقوم بعمل مثيل له؟

— سؤال جميل جدا، وفي نفس الوقت صعب للغاية، هو عمل جماعي من توقيع ستة أسماء؛ امرأتين، يهودي من "الأقدام السوداء"، فرنسيين؛ واحد من باريس والثاني من تولوز وجزائري (علي عقيقة، جي شابويي، دانيال ديبرو، سارج لوبيرون، جون ناربوني ودومينيك فيلان)، لم نكن على اتفاق في جميع النقاط، لكن كنا نؤمن بالقضية الفلسطينية وبضرورة استعادتها لأرضها، كما أن هذه القضية لم تسقط من السماء فجأة، بل هي مسألة أولوية ومطلب لتحقيق العدالة، وأذكر أنني تعرفت عليها بعد مشاهدتي لفيلم "المغفلون" لتوفيق صالح، حيث يبرز ضيم الاحتلال الإسرائيلي وخنوع الدول العربية، فأردت إيصال صرخة الفلسطينيين إلى العالم، خاصة أنني من دعاة عودة الأرض إلى أصحابها وهو ما أقوم به تجاه الريفيين الذين فقدوا أرضهم، وتم الاتصال مع الزملاء لتجسيد هذه الافكار في فيلم وكان القرار؛ تصوير المشاهد في قلب الحدث، أي في لبنان والأردن وسوريا والأراضي المحتلة، كما أردنا أن نعطي ملامح للفلسطينيين الذين أصبحوا بالنسبة للعالم وبعد أحداث ميونييخ (الألعاب الأولمبية 1972) يلقبون بالارهابيين بدون ملامح، فقمنا بوضع عنوان صغير تحت كلمة الزيتونة وهو «من هم الفلسطينيون؟» واستعنا بشهادات الكثير من الشخصيات ومن بينها روني رايدور، يهودي ناج من محرقة أوشويدتس وكان أول يهودي يصافح الرئيس ياسر عرفات، وكذا برنار لومار صاحب شعار الأرض للريفيين، كما قمت رفقة زميلي سارج لوبيرون بالتصوير في الضفة الغربي، حيث أطلق علينا الرصاص، لكنني تمكنت من تصوير بعض المشاهد التي وضعتها في الفيلم، لقد قمنا بعمل جماعي لمدة ثلاث سنوات، ولا أعتقد أنه يمكنني أن أقوم بنفس الفيلم حاليا، رغم أنني فخور جدا بفيلم "الزيتونة".

❊❊ حدثنا عن المساعدة التي تلقيتها من المخرج السويسري فرانسيس روسار صاحب فيلم "بلادي، الثورة"؟   

— نعم منحني المخرج السويسري فرانسيس روسار، "روش" أشياء متعلقة بفيلمه، أي كل وثائق وأسطوانات الصوت والصورة المرتبطة بالفيلم، غير أنني منعت من طرف جمارك سويسرا من إخراج فيلم "بيلادي، ثورة" الذي يحكي عن القضية الفلسطينية ولم أتمكن من الخلاص إلا بعد اتصالي بمنظمة الصداقة الفرنسية العربية، كما طلبت معونة المخرج غودار الذي قام بتصوير فلسطينيين في الأردن إلا أنه رفض بعد أن قتل معظمهم في أحداث سبتمبر 1970، وبعدها قام بإخراج فيلمه.

في المقابل، قمت رفقة سارج بتصوير فيلم عن عز الدين قلق، أول سفير فلسطيني بباريس، الذي قتل في مكتبه وقمنا بعرض الفيلم في أربعينته، كما زرنا عائلته في لبنان وتحصلنا على تسجيل من "جماعة السيناريست الفلسطينيين" التي كانت تسجل شهادات كل المسؤوليين الذين يعملون في الخارج وقمنا بوضعه في آخر الفيلم، حقا كان عز الدين نعم الصديق، وخير المثقف ومحبا للحياة، في المقابل، سأنجز فيلما وثائقيا عن ليلى شهيد الممثلة السابقة لفلسطين في فرنسا والحالية في الاتحاد الأوروبي، يتناول حياتها من طفولتها إلى اللحظة.

❊❊ ماذا تعرف عن السينما الجزائرية؟

— سؤال يطعنني، لأنني لا أعرف إلا القليل عن السينما الجزائرية ولا يدفعني ذلك إلى الحديث عنها لأنني لم أقم بأية دراسة عنها، ومع ذلك قدمت إلى الجزائر سنة 1976 بدعوة من "الفيدرالية الجزائرية سيني كلوب" واكتشفت أن للجزائر أفلاما كثيرة عن الثورة، وتبرز الدور البطولي للمرأة وأذكر من بينها «وقائع سنين الجمر»، وهي بذلك تملك من صفات الذكاء والحيوية التي تغذي كل سينمائي، ولكن أرى أنه من اللازم الانتقال إلى صنع أفلام بمواضيع أخرى من دون إقصاء للمواضيع المتعلقة بالثورة.

في المقابل، أرى أن فيلم "أدال" للمخرج فرانك تونسي، والذي حقق نجاحا كبيرا لم يعجبني البتة، حتى أنني كتبت عنه بأنه من أتفه الأفلام التي شاهدتها رغم أن فيلم المخرج الأول كان ناجحا والحقيقة أنني لم أشاهد فيلما جزائريا يحاول مخرجه التنصل من هويته والاندماج في البرجوازية الباريسية. 

❊❊ حدثنا عن فيلمك الجديد "لازيغادو"؟

— "لازيغاردو" كلمة معقدة تنتمي إلى لغة أوكسيتال لافيروند، ويحكي الفيلم المسار المشترك بين الحيوان والإنسان ويوضح العلاقة بينهما، فالحيوان يمكن له أن يعيش من دون الإنسان، لكنه يجد نفسه يسيّر فضاءه بطريقة مختلفة حينما يجد نفسه مرتبطا بالإنسان والفيلم، هو أيضا جولة للمخرج والمربي الذي يهتم بتربية الحيوان وسينزل إلى قاعات السينما الجزائرية في السنة المقبلة.