الفنان سليم الفرقاني يفتح قلبه لـ"المساء":

أتحمل مسؤولية رفع راية المالوف بكل فخر

أتحمل مسؤولية رفع راية المالوف بكل فخر
الفنان سليم الفرقاني
  • القراءات: 1763
حاوره: زبير زهاني حاوره: زبير زهاني

فتح شيخ المالوف سليم الفرقاني قلبه لـ"المساء"، خلال توجده بقصر الثقافة "مالك حداد" بقسنطينة، على هامش أحد التظاهرات الفنية، وتحدث عن مسؤولية رفع راية هذا التراث الفني الأصيل، بعد رحيل شيخ المالوف، والده الحاج محمد الطاهر الفرقاني، حيث عرج على هذه الذكرى الأليمة التي تبقى راسخة في قلبه وذهنه ولدى كل محبي هذا الفن، وتحدث أيضا عن العلاقة الوثيقة التي كانت تربطه بالحاج وعن قضية المشيخة، كما قدم بعض التوضيحات بشأن الإشاعات التي انتشرت حول الخلاف بينه وبين الفنان الصاعد عدلان الفرقاني، خاصة ما تعلق بخلافة الحاج محمد الطاهر الفرقاني، معتبرا أن الفن رسالة سامية وأخلاق وتربية قبل أن يكون أداء وتمكنا.

أحيت قسنطينة منذ أسابيع، الذكرى الخامسة لرحيل عميد المالوف الحاج محمد الطاهر الفرقاني، كيف مرت عليكم المناسبة؟

❊❊ خلال هذه المناسبة المصادفة للسابع ديسمبر من كل سنة، عادت بي الذاكرة إلى الأيام الأخيرة التي قضيتها مع الحاج محمد الطاهر الفرقاني، وهو على فراش المرض، بأحد المستشفيات في العاصمة الفرنسية باريس، حيث لازمته مدة 5 أشهر كاملة، وكنا نتبادل الحديث في مختلف المجالات، كنت قريبا منه كثيرا، فكان بمثابة الأب والأخ والصديق والأستاذ، وحقيقة هي مناسبة مؤلمة وعزيزة على قلوبنا، وهنا تخوننا الكلمات للتعبير عن الأحاسيس، ونتمنى أن تبقى هذه الذكرى خالدة في ذاكرة الثقافة الجزائرية على مر السنوات المقبلة، ونشكر محبي الفن الذين لم ينسوا الشيخ بعد وفاته، والذي رحمه الله، غادر هذه الحياة ويبقى يعيش في قلوب محبيه من خلال تركه لتراث فني كبير، وأظن أن الذي ترك هذه البصمة وهذا التراث الفني لا يموت برحيل الروح عن الجسد، فقد ترك رصيدا فنيا زاخرا، وترك أبناء حملوا على عاتقهم هذا الفن، وترك أيضا خليفة له يمكنه تشريف العائلة وتشريف الراية.

ما هي أهم الذكريات التي لا يزال سليم يحتفظ بها عن والده؟

❊❊ هي ذكريات في مجملها جميلة، ولا أستطيع حصرها في سطور، كانت تربطنا علاقة جد وطيدة وكنا بمثابة الأصدقاء، الحاج ورثني بالحياة هذه الأمانة، خاصة أنني رافقته في مسيرة فنية امتدت على مدار 48 سنة، ونشطنا عديد الحفلات عبر ربوع العالم، وكانت لنا ذكريات خالدة مع العديد من الزعماء، سواء بالجزائر على غرار الراحلين هواري بومدين وعبد العزيز بوتفليقة، رحمهما الله، أو على المستوى الدولي، حيث نشطنا حفلات بحضور رؤساء دول، على غرار رئيس كوبا الراحل فيدال كاسترو، الماريشال تيتو من يوغسلافيا، بورقيبة من تونس، موغابي من الموزنبيق، ولد الدادة من موريتانيا والأسماء كثيرة وعديدة.

رافقت والدي لحوالي نصف قرن وأتحمل مسؤولية رفع راية المالوف بكل فخر

كيف كان دخولكم مجال الفن؟

❊❊ دخلت هذا الميدان سنة 1968، وبفضل الله، ثم بفضل والدي، أصبحت معروفا في فن المالوف، كما لا أنكر مساهمة عديد الشيوخ في ذلك، بعدما تمكنت من الانضمام إلى الأوركسترا الفنية النموذجية سنة 1969، ولا أخفي أنني حظيت بفرصة كبيرة ووالدي هو الشيخ محمد الطاهر الفرقاني، الذي استفدت منه كثيرا، خاصة أن مسيرته الفنية كانت طويلة، وامتدت لـ70 سنة من العطاء، ودون افتخار، الحاج من الفنانين القلائل الذين منحوا من حياتهم 7 عقود كاملة، لم يغادر فيها هذا الميدان، فكان الفن مهنته وحياته وسار على الدرب أبناؤه، فهو الفنان الذي برع في عديد الطبوع، انطلاقا من العصري إلى الشرقي، وأكمل مسيرته ومشواره بالمالوف، وكان لي الشرف أن منحني قبل وفاته لقب "الشيخ"، الحمد لله أننا تمكنا من تحقيق الحلم ورفع مشعل هذا الفن، ولم نتركه يضيع وتمكنا من إيصاله إلى أبعد الحدود، وأصبح ضمن التراث المعترف به حتى في الأمم المتحدة، وهذا شرف لنا وشرف للجزائر.

محمد الطاهر الفرقاني كان يحمل راية المالوف، وبعد رحيله، نظن أن المسؤولية ستكون ثقيلة على سليم، بأي عين تنظرون إلى هذا التحدي؟

❊❊ حقيقة هي مسؤولية كبيرة وأنا أتحملها بكل ما فيها، الخبرة التي اكتسبتها من الشيخ محمد الطاهر الفرقاني، تجعلني أتحمل هذه المسؤولية دون صعوبات، خاصة أن الموهبة متوفرة والذاكرة لا تزال تعمل، كما أن التحكم في الآلة موجود والحمد لله، أنا مولع ومغرم بهذا الفن، شأني شأن كل أفراد هذه العائلة الفنية التي لها مسيرة من العطاء تقارب القرن والعشرين سنة، كان جدي فنانا منذ 1906، وورث هذا التراث وسرى الفن الأصيل والراقي في عروقنا وفي دمائنا، وكانت كل العائلة تحب هذا الفن، حاولنا اختيار كل ما هو راق والابتعاد عن كل ما يخدش الحياء، ويكون ضد الأخلاق الحميدة.

بحثت واكتشفت العديد من القصائد المفقودة في المالوف

هل توجد أعمال لم يكملها الحاج محمد الطاهر الفرقاني وأخذ سليم على عاتقه إكمالها؟

❊❊ رافقت الحاج في مسيرته وحفظت كل رصيده، بشهادته عندما كان على قيد الحياة، حتى أنه كان يكلفني بالبحث في هذا التراث واكتشاف المفقود منه، وكانت هذه المهمة تسعدني كثيرا، أفتخر بالعمل مع الشيخ تومي الذي كان شيخي وشيخ والدي، كان والدي يوصني دائما بالتوجه إلى هذا الشيخ، الذي اعتبره موسوعة فنية، من أجل الحصول على الأشياء التي كنا لا نعرفها في هذا الفن، بغرض إضافتها في رصيد الفرقاني، والحمد لله، الشيخ التومي لم يكن يبخل علي وقدم لي الكثير في الحوزي والمالوف، وخاصة المحجوز الذي كان من الأمور المفقودة والهامة في هذا الفن، أشكر كل الشيوخ الذين لم يبخلوا علي وسمحوا لي بالانضمام إليهم وأنا صغير السن.

شرف لنا أن يحظى المالوف باهتمام مؤسسات دولية كالأمم المتحدة

برزت في الآونة الأخيرة، بعض الإشاعات التي تتحدث عن خلاف بينك وبين الفنان الصاعد عدلان الفرقاني، حول قضية خليفة الشيخ، ما ردكم عليها؟

❊❊ ربما يوجد اختلاف بيننا في المجال الفني، فكل واحد وطريقة عمله، لكن لا وجود لخلاف وعدلان ابن أخي، أعده ابنا لي، ولا يزال في بداية العطاء، ولا يمكن مقارنته بمسيرتي الشخصية التي فاقت مدة 53 سنة من العطاء والبحث في بعض الأمور المفقودة، والتي تركتني أخرج باستنتاج أن الإنسان يتعلم في كل مراحل حياته.. عدلان فنان صاعد، وأظن أنه فنان في بداية طريقه، ومشواره طويل، وعليه أن يسير بتأن، كما سار أسلافه، ويقول المثل "امشي يا موافقة وإذا عييت ارتاح.. ما تدي غير اللي كتبلك ولو بالجناح"، هذا الفن لا يأتي في وقت قصير، يجب أن تصقله التجربة والخبرة، وخير دليل على العلاقة الطيبة الموجودة بيننا، هي تنشيطنا لحفل مشترك خلال الذكرى الخامسة لوفاة الحاج محمد الطاهر الفرقاني، منذ أسابيع.

الفن أخلاق وتربية قبل أي شيء آخر

بالحديث عن عدلان، ما هي رسالة سليم الفرقاني للجيل الجديد من الشباب، الذين يريدون الغوص في بحر المالوف؟

❊❊ عليهم تحمل المسؤولية حتى يكونوا في مستوى التطلعات، ونتمنى لهذه الشبيبة أن تعمل أكثر منا، أن يكونوا مؤدبين، فالثقافة دون تربية لا تساوي شيئا، وعلينا الاقتداء بشيخنا الشيخ عبد الحميد ابن باديس الذي كان يحث دوما على التربية والتعليم، صحيح أن الفترات الزمنية ليست نفسها، نحن عشنا فترة من الزمن وهؤلاء الشباب يعيشون فترة أخرى، اليوم هناك أمور تحدث، لم تكن في وقتنا وفي زماننا، ولم نكن نتصور بتاتا أن نراها.. نتمنى أن يكون شبابنا واعيا ومتمكنا من أجل رفع المشعل وعدم تضييع هذه الأمانة.

شكرا للشيخ سليم الفرقاني على هذه الفسحة الفنية التي فتحت فيها قلبك لنا، ونتمنى لك التوفيق في حياتك الفنية والعملية

❊❊ كل الشكر لكم، إذ فتحتم لي هذه النافذة من أجل المساهمة في تنوير الرأي العام الجزائري، وكل محبي ومتابعي فن المالوف أينما كانوا.