زاوية سيدي إبراهيم بن تومي

منارة روحية وجسر بين السياحة والتاريخ

منارة روحية وجسر بين السياحة والتاريخ
  • 88
سميرة عوام سميرة عوام

تزدهر السياحة الدينية والثقافية في شرق الجزائر، حيث تتحول الزوايا والمواقع التاريخية إلى محطات جذب تستقطب الزوار والباحثين عن سكينة الروح، وعبق الماضي. وبين تلك المعالم البارزة تبرز زاوية سيدي إبراهيم بن تومي، ليس فقط كموقع أثريّ محاط بسحر الطبيعة، بل كفضاء حي ينبض بالإيمان، والمقاومة، والعلم، والكرامة.

على ضفاف "البجيمة" وسط الخُضرة والماء تقع الزاوية التي أصبحت مَعلما روحيا وسياحيا يقصده الزائرون، لا ليتأملوا في عراقة معمارها فقط، بل ليستحضروا تاريخا طويلًا من الجهاد والمواقف المشرفة التي سجّلها هذا العالم الربّاني. لقد صارت الزاوية اليوم مقصِداً للمهتمين بالسياحة الروحية، الباحثين عن التجارب العميقة التي تجمع بين صفاء المكان، وقدسية الرسالة.

ويمثل سيدي إبراهيم بن تومي نموذجا فريدا للعالِم الذي جمع بين الزهد والمعرفة، وبين المقاومة الروحية والميدانية؛ فقد كان حامي مدينة بونة من هجمات الإسبان، وملاذا آمنا للمجاهدين في فترات الشدة، حيث تحوّلت زاويته إلى مركز للعلاج واللجوء، ساعدت فيه "لالة خروفة" في علاج الجرحى وسط دعم من الشيوخ المرابطين، أمثال: "سيدي الشاوش القرمي"، و "سيدي الديواني" و"سيدي الفوغالي".

وتحتل هذه الزاوية مكانة خاصة في الذاكرة الشعبية، إذ لم تكن فقط مركزا للعبادة، بل كانت بمثابة قلعة تربوية وروحية، تخرّج منها رجال شاركوا في قيادة الناس روحيا وميدانيا ضد المستعمر. لقد كانت الرباطات آنذاك، مدارس متنقلة، وقلاعا دفاعية. وكان شيوخها يصدرون أوامرهم للناس للدفاع عن أنفسهم، بأسلوب يجمع بين الهدي الديني والقيادة الفعلية.

وتواصلت هذه الروح في تلامذة هذا النهج، على غرار الشيخ زغدود ابن "عين أم الرخاء" (قرعة فزارة – برحال)، أحد مشايخ الطريقة الرحمانية، الذي دعا إلى الجهاد ضد الفرنسيين في أبريل 1839. وراسل الشيخَ "الحسناوي" بسوق أهراس، لحشد الجهود. وكذلك فعل سيدي حرب، الذي ناصر بومعيزة الشابي وقائد الحلامش، في أفريل 1835.

واليوم تُعرض هذه المحطات التاريخية عبر مسارات سياحية دينية، تنظمها جمعيات محلية ومهتمون بالتراث. ويُعاد إحياء سيرة سيدي إبراهيم بن تومي في المهرجانات الثقافية والدينية، وفي الجولات الميدانية التي تعيد للزاوية دورها كمكان للسكينة، والتأمل. إن زيارة زاوية سيدي إبراهيم بن تومي ليست مجرد جولة في مكان أثري، بل هي دخول إلى عالم متكامل من الروحانية، والتاريخ، والحكمة؛ حيث تنطق الحجارة بالماضي، وتُروى الحكايات على أعتاب الجهاد، والكرامة.