سجلات الشكاوى بالإدارات العمومية

من دفاتر لطرح الانشغالات إلى أداة للسب والانحرافات

من دفاتر لطرح الانشغالات إلى أداة للسب والانحرافات
  • القراءات: 1286
رشيد كعبوب رشيد كعبوب

يلجأ العديد من المواطنين إلى تدوين شكاويهم واقتراحاتهم على صفحات السجلات الخاصة بمختلف الهيئات والمؤسسات العمومية، لكن هذه الصفحات صارت تحمل عبارات لا أخلاقية وتحاملا على الأشخاص والمؤسسات في آن واحد، مما جعل بعض الإدارات تسحب هذه السجلات وتضعها جانبا، ولا تقدمها إلا لمن يطلب ذلك، خلافا لمؤسسات أخرى، تضع هذه الوسيلة التواصلية في متناول المواطن، حسب ما لاحظته المساء في هذا الروبورتاج، الذي تحدثنا فيه إلى العديد من المسؤولين عن مصير شكاوى المواطنين، وتفاعل الإدارة مع مختلف الانشغالات والمطالب المدونة، تطبيقا لتعليمات السلطات العليا التي أوصت خيرا بالمواطن، والاستماع إلى مطالبه واقتراحاته.

اخترنا في هذا الروبورتاج عينات من إدارات بعض المرافق العمومية، التي يؤمها الكثير من المواطنين، لاسيما البلديات ومقرات الدوائر، البريد وغيرها، التي استجابت لتعليمات الوزير الأول عبد العزيز جراد، التي أسداها في سبتمبر الماضي لوزير الداخلية والجماعات المحلية، حيث كلفه فيها بالإيعاز إلى الولاة، قصد حملهم على فتح سجل للشكاوى على مستوى كل ولاية، وكل ولاية منتدبة، وعلى مستوى كافة الإدارات المحلية الملحقة به، على أن يكون هذا السجل مرقما وموقعا بالأحرف الأولى من قبل المسؤول الأول للإدارة المعنية، أو من قبل مفوض عنه، وتؤكد التعليمة أنه يجب إرسال نسخة منه إلى رئاسة الجمهورية مرتين في الشهر من أجل استغلاله. اطلعنا ببعض المؤسسات العمومية في ولاية الجزائر، على بعض الكتابات التي تباين محتواها، وأكثرها شكاوى مواطنين ومطالب تتعلق بتسوية وضعياتهم الخاصة، بعد أن استحال حلها مباشرة من طرف المسؤولين، أو أن وضعيتهم تتعلق بهيئات أعلى، حسب ما أكده لنا بعض الأميار ومسؤولي مؤسسات عمومية، لكن الغريب في الأمر، أن يستغل بعض المواطنين هذه الوسيلة لأغراض دنيئة، لا تمت بصلة لأخلاقيات التواصل والمطالبة بالحقوق.

أغلب الشكاوى لا تدون في السجلات

يؤكد من سألتهم المساء عن السجلات بعدة مرافق عمومية، أن أغلبية الشكاوى لا تدوَّن، ويقوم المسؤولون في الإدارات بالنظر فيها ومعالجتها، أما تلك المشاكل والمطالب التي يُستعصى تلبيتها، فإن المواطنين يلجأون إلى تحريرها على صفحات السجل، الذي يبقى في متناول المواطنين، مثلما أكده العديد من الأميار، مفيدين أن معظم الشكاوى لا تحرر بهذه السجلات، لأنها تحل من طرف المصالح، لكن في نفس الوقت، يتم نسخها وإرسالها لمصالح الولاية.

كما يؤكد مسؤولو مرافق أخرى، أن الأمر نفسه في مؤسساتهم، مثل فرع البنك الوطني الجزائري ببلدية الحراش، الذي دخلناه، فوجدنا السجل موضوعا في زاوية الشباك، وطلبنا من أحد المستخدمين الاطلاع عليه، فأكد رئيس مصلحة بالبنك أن هذا السجل موضوع في متناول الزبائن، ولا يمكن إخفاؤه، مثلما ترون، ها هو في مكانه، وهذا حق المواطن.

لكن محدثنا ذكر لـ”المساء، أن أغلبية المواطنين يفضلون طرح انشغالاتهم شفاهيا ومباشرة على المسؤولين، مشيرا إلى أن بعض الشكاوى التي لا يتم معالجتها أو تسوية وضعية أصحابها، يمكن للزبائن تدوينها على صفحات السجل، الذي يطلع عليه مفتشو البنك والقطاع، عند مرورهم بالبنك في الحراش، كما أفاد المصدر أنه يتم في كل اجتماعات مسؤولي البنك العادية، أو مع المديرية العامة أو الجهوية، التطرق إلى تلك الملاحظات التي دونها الزبائن، ومعالجة تلك المتكررة، حيث يتم رفعها إلى المديرية العامة وغيرها، وكذلك الأمر بالنسبة لفرع مؤسسة سيال ببئر مراد رايس، التي تصفحنا بها سجل الشكاوى، الذي حمل العديد من الشكاوى والمطالب والاقتراحات التي تصب كلها في تسهيل عملية التكفل الجيد بالزبائن، ومنها تمكينهم من إجراء عملية التخليص عن طريق البريد، كما يقدم بعضهم شكرهم للمستخدمين، نظير الاستقبال اللائق، وغيرها من الملاحظات، وهو ما وجدناه في إدارات أخرى.

سجلات تتحول إلى صفحات للسب وخدش الحياء

من غرائب الأمور أن تتحول صفحات سجلات الشكاوى، بالإدارات العمومية، إلى حلبات للسب والقدح، ومساحات للانحراف وخدش الحياء، من طرف بعض الأشخاص الذين يفرغون شحناتهم السلبية ـ بحق أو بغير حق- على صفحات الشكاوى، ولا يعرفون كيف يعبرون عن انشغالاتهم بطريقة حضارية.

في هذا السياق، ذكر بعض الأميار لـ”المساء، أن هذه السجلات الموضوعة في متناول المواطنين، لم تعد فضاء لطرح المشاكل الإدارية والاجتماعية، وتقديم الاقتراحات المتعلقة بتحسين الإطار المعيشي فحسب، بل صارت صفحات لتدوين عبارات نابية وكلام بذيء يخدش الحياء، ويمس بسمعة الأشخاص، ولا يعكس وظيفة هذا الفضاء، الذي وضع لاستقبال رسائل المواطنين، قصد تسوية وضعياتهم في مختلف المجالات. حسب رئيس مصلحة الحالة المدنية ببلدية الحراش، فإن سجل الشكاوى بهذه الجماعة المحلية تعدى الحدود المعقولة، ولم يحترم فيه بعض المواطنين أخلاقيات الاتصال والمطالبة بالحقوق وطرح الانشغالات والمشاكل، حيث أن من بين المواطنين لم يكتف بالسب والقدح، بل وتجرأ على رسم صور ولقطات جنسية مخلة بالحياء، مما جعل مصالح البلدية تسحب هذا السجل من مكتب الاستقبال، وهو ما وقفنا عليه، حيث طلبنا من عون الاستقبال تمكيننا من الكتابة في السجل، فأخبرنا أنه لم يظهر منذ أسابيع، وأنه لا يعرف السبب، لكن رئيس مصلحة الحالة المدنية، أفصح قائلا؛ إن بلدية الحراش صارت تواجه تصرفات لاأخلاقية من طرف بعض المواطنين، رغم الخدمات الكبيرة التي تقدمها مختلف المصالح، لاسيما مصلحة الحالة المدنية، التي تستقبل يوميا عددا هائلا من الوافدين حتى من بلديات مجاورة، باعتبار الحراش مركزا للتسوق ويحتوي على عدة مرافق عمومية، كالمحكمة وغيرها.

من جهته، ذكر لنا رئيس بلدية برج الكيفان، قدور حداد، أن سجل الشكاوى لا يخلو من الكلام الفاحش والعبارات الساقطة، التي لا علاقة لها بالشكاوى، وأن مصالح البلدية تقوم يوميا بالاطلاع على محتوى السجل والنظر أولا في الشكاوى التي بإمكان البلدية حلها، وترك الأخرى لمصالح المقاطعة الإدارية، حيث يتم أسبوعيا نسخ صفحات السجل وإرسالها لمصالح الوالي المنتدب للدار البيضاء، من أجل التكفل بانشغالات أصحابها.

الرسائل المختومة بدل السجل

ذكر لنا بعض المواطنين، الذين سألناهم عن جدوى سجلات الشكاوى، أنها تعد نقطة إيجابية من أجل التقرب من المواطنين والاستماع إلى انشغالاتهم ونداءاتهم، لكن هناك من يعتقد أن هذه الشكاوى، رغم تعليمات السلطات العليا، لا تعالج بالشكل المطلوب، ولا يتم التكفل بها من طرف المسؤولين، لأن أغلب المواطنين يطرحون مشاكلهم ويعبرون عن انشغالاتهم مباشرة، عن طريق لقاء المسؤولين، ولا يفضلون الإفصاح عن مشاكلهم وخصوصيات انشغالاتهم في سجل موضوع في متناول المواطنين، الذين يمكنهم الاطلاع على محتواه، مثلما أكده لنا عبد الحميد الذي وجدناه ببلدية حسين داي، مفيدا أن العديد من المواطنين يعتقدون أن تسليم الشكاوى في رسائل مختومة أفضل من كتابتها على صفحات السجل، ويستدرك محدثنا قائلا بالنسبة لي، أرى أن الرسائل المختومة الموجهة لا يمكن أن تطلع عليها السلطات العليا، كتلك الموجودة في السجل، حيث لا يمكن إخفاؤها، أو تضييعها، مثلما قد يقع ببعض الإدارات، جراء الإهمال، أو تختفي عمدا، يضيف محدثنا.