"المساء" تزور قرية واضح ببوطالب ولاية سطيف

من جحيم الإرهاب وسنوات التهميش.. إلى عودة الأمل

من جحيم الإرهاب وسنوات التهميش.. إلى عودة الأمل
  • القراءات: 4175
منصور حليتيم منصور حليتيم

تعد قرية واضح التابعة لبلدية بوطالب الواقعة بأقصى الجهة الجنوبية لولاية سطيف، من القرى التي لم تنل حقها من المشاريع والبرامج التنموية، ما جعلها تصنف ضمن المناطق المحرومة، أنهكها الإرهاب خلال سنوات العشرية السوداء، وأسقطها المسؤولون من أجندتهم خلال سنوات البحبوحة المالية، ذنبها الوحيد موقعها الجغرافي وسط سلسلة جبلية على حدود ولاية سطيف مع المسيلة، ليبقى سكانها على مرِّ السنين يصارعون قساوة الطبيعة، وما زاد من معاناتهم غياب أبسط ضروريات الحياة ما دفع بعدد كبير ممن تسمح لهم ظروفهم المادية إلى الرحيل باتجاه القرى المجاورة بحثا عن حياة أفضل قبل العودة مجددا.

قد تكون قرية واضح، من القرى التي عاث فيها الإرهاب فسادا سنوات التسعينيات أجبرت غالبية سكانها على الهجرة نحوى المدن المجاورة سيما بلدية مقرة التابعة لولاية المسيلة بحثا عن الأمن والعيش الكريم، لكن بعد استتباب الأمن عاد سكانها إلى أراضيهم وكلهم آمل في حياة جديدة، لكنهم لا يدرون ماذا تخبئه لهم الأيام ليجدون أنفسهم أمام أيام أحلك بكثير، ضربت بها سياسة التهميش إلى النسيان، لتبقى تقبع ضمن الملفات المكدسة داخل أدراج المسؤولين، تنتظر من ينفض عنها الغبار لتنال حقها من المشاريع والبرامج التنموية.

الزائر لقرية واضح يلاحظ أن مواطنيها لم ينعموا بأبسط حقوقهم المعيشية، لا لشيء سوى لأنهم ضحية الموقع الجغرافي لقريتهم المتواجدة على الحدود الجنوبية لولاية سطيف مع ولاية المسيلة سقوطها من أجندت المسؤولين جعلها تحرم من أي برامج تنموية سواء عن قصد أو دون ذلك، وباتت الحياة بها أمر ليس بالسهل لانعدام أبسط الضروريات، لا يقدر على العيش بها إلا أبناءها الذين ليس لهم بديل أو خيار ثان وبالتالي الرضوخ للأمر الواقع.

الإرهاب أجبر السكان على الهجرة

وسط تضاريس جد صعبة، بأقصى المنطقة الجنوبية الحدودية لولاية سطيف، تقع قرية واضح التابعة إداريا لبلدية بوطالب، على بعد 18 كلم عن مقر البلدية، يقطنها قرابة 550 نسمة أكبر نسبة منهم يعتمدون على تربية المواشي كمصدر للرزق خلال منتصف تسعينيات القرن الماضي، كانت قرية واضح من المناطق المحرمة بفعل الإرهاب الذي جعل منها عُشَّا مغتنما تضاريس المنطقة الجبلية وغاباتها، حيث كان الدمويون ينفذون جرائمهم بالمناطق المجاورة وعلى الطريق الوطني رقم 28، وزرع الرعب وسط سكان القرية الذين أجبر غالبيتهم على الهجرة باتجاه المدن الكبرى لولايتي سطيف والمسيلة بحثا عن الأمن والطمأنينة، تاركين وراءهم كل ما يملكون من منازل وأراض فلاحية وبقيت على نفس الحال إلى غاية مطلع الألفية الجديدة بعد عودة الأمن والاستقرار، فاسحة المجال لأبنائها بالعودة تدريجيا إلى ممتلكاتهم وأراضيهم الفلاحية وكلهم آمل في حياة جديدة، إلا أن خيبة أملهم كانت أكبر مع مرور السنين أمام تناسيها من قبل المسؤولين، وسط ظروف معيشية حالكة، لانعدام ضروريات الحياة في جميع المرافق منطقة يطبعها التريف وما زاد من معانتهم موقعها المقسم إلى شطرين جزء يقع بإقليم تراب ولاية سطيف والجزء الآخر تابع لولاية المسيلة، هذه العوامل وأخرى جعلتها منطقة منسية بامتياز، تحسب على المسؤولين والمنتخبين الذين مرّوا على تسيير بلدية بوطالب.

البنات محرومات من التعلّم لانعدام المدارس

الحديث عن التعليم بقرية واضح شبيه بالسنوات الأولى للاستقلال، لافتقار المنطقة لمدرسة ابتدائية، حيث يجبر أبناء القرية من التلاميذ على قطع مسافات طويلة للالتحاق بمقاعد الدراسة بمدرسة تتواجد بإقليم تراب بلدية مقرة ولاية المسيلة، لمسافة تزيد عن الخمس كيلومترات سيرا على الأقدام وسط ظروف صعبة، نفس الأمر بالنسبة لتلاميذ الطور المتوسط والثانوي الذين يدرسون خارج إقليم ولاية سطيف وما زاد من حدة معاناة هؤلاء التلاميذ غياب النقل المدرسي هذه الظروف وأخرى دفعت بالكثير من الأولياء إلى توقيف أبنائهم عن الدراسة في سن مبكر، سيما بالنسبة للبنات الذين نسبة كبيرة منهنّ تتوقفن عن الدراسة في الطور الابتدائي، ومواصلة المشوار الدراسي يقتصر إلا على فئة قليلة ممن تسمح لعائلاتهم أوضاعهم المادية في تعليم بناتهم من خلال ضمان وسائل النقل.

توصيلات عشوائية للتزود بالكهرباء

معاناة سكان قرية واضح، لم تتوقف عند حد التعليم فحسب، فإلى يومنا لا تزال أكبر نسبة منهم تنعم بها الطاقة الكهربائية، أغلبية السكنات غير موصولة بالشبكة ويعتمدون على التوصيلات العشوائية للأسلاك الكهربائية عبر كوابل تمر على حافة الطريق، مشكِّلة خطرا كبيرا خاصة على أبنائهم الصغار، فيما لا تزال نسبة أخرى تعتمد على المولدات الكهربائية، وما ينجم عنها من مصاريف وأتعاب سيما خلال فصل الشتاء أين تنحصر يومياتهم في رحلة البحث عن التزود بمادة المازوت التي تعد أساسية لتشغيل المولدات الكهربائية والتدفئة.

الحفر والخنادق لصرف المياه

وبخصوص قنوات الصرف الصحي فإنها منعدمة تماما بالقرية التي تفتقر إلى شبكة خاصة، حيث لا يزال سكانها يعتمدون على الطرق التقليدية لصرف فضلاتهم كحفر الخنادق أمام المنازل، في مشاهد كارثية تهدد بكارثة صحية، خنادق ومستنقعات ساهمت في انتشار الروائح الكريهة على طول أيام السنة، وانتشار الأوساخ المتراكمة الناجمة عن تراكم مياه الصرف أمام البنايات، في ظل انعدام مسالك القنوات الخاصة.

الغاز الطبيعي آخر اهتمامات السكان

مشروع الغاز الطبيعي بالنسبة لسكان قرية واضح يعد حلما بعيد المنال، وآخر اهتمامات السكان في ظل تركيزهم على بعض الأولويات كالتعليم والمياه الشروب وشبكة الطرقات، فإلى غاية يومنا لايزال السكان يعتمدون على مادة المازوت للتدفئة وقارورات غاز البوتان للطهي، أمر أثقل كاهلهم خصوصا في اقتنائها من مناطق بعيدة عن مقر سكناتهم وسط ظروف صعبة، كون المنطقة معروفة بتضاريسها الجبلية الوعرة ومناخها البارد خلال فصل الشتاء.