وجهة حالمة مليئة بالكنوز

كاف عمر.. جزيرة تخفي أسرار البحر

كاف عمر.. جزيرة تخفي أسرار البحر
  • 206
سميرة عوام سميرة عوام

جزيرة كاف عمر، أو كما يسميها البعض؛ جزيرة الأحلام، هي قطعة من الجمال الخالص تطفو بهدوء قبالة شطايبي في ولاية عنابة، وتُعد من الكنوز الطبيعية التي ما تزال تحتفظ بسحرها، بعيدا عن ضجيج المدينة وعبث العمران. إنها جوهرة حقيقية من جواهر البحر الأبيض المتوسط، تقف شامخة وسط الأمواج، ببهاء يروي قصة الطبيعة، حين تمنح كل ما عندها.

تتموضع الجزيرة على بُعد كيلومتر واحد فقط من شاطئ الرمال الذهبية، وتبلغ مساحتها حوالي 20 هكتارا، بطول يصل إلى 340 متر، وعرض يناهز 130 متر. وعلى الرغم من صغرها النسبي، إلا أن تنوعها الطبيعي، يجعل منها عالما قائما بذاته... مياه شفافة تلامس زرقة السماء، غابات كثيفة تكسوها الأشجار المتوسطية، وصخور شاهقة تحيط بها كحصن طبيعي يحتضن الزوار في حضن البحر.

ملاذ طبيعي بعيدا عن الضوضاء

تتميز كاف عمر بطابعها البري البكر، فلا فنادق ولا مطاعم ولا مبان اسمنتية... فقط الطبيعة الخالصة. وهذا ما يجعل منها وجهة مثالية لهواة المغامرة، ومحبي الاستجمام الهادئ، والمصورين الذين يطاردون لحظة الضوء الذهبية، بين ظلال الأشجار ووميض البحر.

يتم الوصول إلى الجزيرة عبر قوارب صغيرة، يستأجرها الزوار من شاطئ الرمال الذهبية، وتتحول الرحلة القصيرة فوق الماء إلى تجربة شعرية، خاصة حين يعانق النسيم المالح الوجوه، وتبدو الجزيرة تقترب شيئا فشيئا في الأفق، مثل حلم آتٍ من الأزرق.

وعلى صخورها الغربية، يكتشف الزائر مسبحا طبيعيا، من النادر أن يوجد مثيله، حيث شكلت الطبيعة حوضا مائيا معزولا عن الأمواج، يسبح فيه الزوار في أمان، كأنهم في فسيفساء سماوية تحيط بها الصخور والنوارس.

تسميات عديدة ودلالة واحدة للسحر

عرفت الجزيرة تسميات مختلفة عبر العصور، وكل اسم يحمل قصة أو إحساسًا. فـ«جزيرة النورس" تعود لتواجد أسراب كبيرة من هذه الطيور، التي تتخذ من صخورها ملاذا دائما، بينما "جزيرة الأحلام" هو اسم شاع بين الزوار الذين أبهرتهم بتفاصيلها الهادئة وسحرها الخالص. أما خلال الحقبة الاستعمارية، فقد أُطلق عليها اسم "سانت بياتير"، لكنها استعادت اليوم اسمها المحلي المتجذر في الذاكرة الجماعية لسكان المنطقة.

فضاء بيئي يحتاج إلى حماية

ورغم ما تمنحه الجزيرة من متعة بصرية وروحية، إلا أن خبراء البيئة يحذرون من خطر تزايد الإقبال غير المنظم، وهو ما قد يؤدي إلى تدهور الغطاء النباتي، وتهديد التنوع البيولوجي الذي تحتضنه الجزيرة. لذلك، فإن الترويج السياحي المسؤول أصبح ضرورة، مع الدعوة إلى تنظيم زيارات تحترم الطبيعة، وتشجع على السياحة البيئية، بدل السياحة الاستهلاكية التي لا تترك سوى النفايات خلفها.

من وحي التجربة حين يتكلم الزوار

في ملامح الزائرين العائدين من الجزيرة، شيء يشبه الخروج من حلم. لا كلمات تُقال بسهولة، فقط نظرات تحمل أثر الدهشة والسكينة. إحدى السيدات، وهي تهم بمغادرة القارب، قالت بنبرة خافتة، كمن يهمس بسر قديم، كنت أظن أنني أعرف البحر، لكن هنا رأيته يتكلم."

فنان فوتوغرافي، جلس على حافة صخرة، بعد السباحة، ظل طويلًا يحدق في المدى، ثم قال دون أن يلتفت: "كأن هذه الجزيرة توقظ شيئا نسيته في داخلي منذ زمن". أما الطفل الصغير أسامة، فكان يلوح للنوارس بيديه، وبادر قائلا بفرح بريء؛ "هل يمكن أن ننام هنا؟ لا أريد أن أعود."

تلك ليست شهادات تقليدية، بل لحظات مكثفة تنطق بها الأرواح قبل الألسنة، وتؤكد أن جزيرة "كاف عمر" ليست مكانًا فحسب، بل تجربة حسية وروحية تترك في الزائر أثرا قد لا يزول.

دعوة صيفية مفتوحة

في عز موسم الاصطياف، حين تشتد الحرارة وتضيق المدن بأنفاسها، تبقى جزيرة "كاف عمر" نداء مفتوحا لكل من يبحث عن نقاء الطبيعة، وجمال البحر، ومتعة الاكتشاف. هي ليست مجرد وجهة، بل حالة عيش، واستراحة روح، وأحد أجمل أسرار عنابة البحرية، التي تستحق أن تُكتشف، وتُحترم وتُحكى.