التدهور المستمر لطرق العاصمة لم يجد الحل

غش المقاولين وعجز المنتخبين وراء المشكل

غش المقاولين وعجز المنتخبين وراء المشكل
  • القراءات: 3150
روبورتاج/ م. أجاوت روبورتاج/ م. أجاوت
في الوقت الذي يتساءل فيه المواطنون وأصحاب المركبات عن الأسباب الرئيسية التي تتسبب في اهتراء الطرق السريعة على مستوى الجزائر العاصمة وضواحيها، وعدم صمودها بالشكل المطلوب لأطول مدة ممكنة، وما انجر عن ذلك من انعكاسات سلبية على الحياة العامة، يؤكد التقنيون والمختصون العارفون بالقطاع أن هذه الظاهرة السلبية التي أضحت الحالة الغالبة على الطرق تتسبب فيها عدة عوامل، بدءا بإهمال دور الرقابة التقنية على المشاريع ومتابعتها، وعدم الاهتمام بالدراسات التقنية المطلوبة، إلى جانب تعمد بعض المقاولات أساليب التحايل والغش في أشغال الإنجاز، ما يكلف الخزينة العمومية مزيدا من الأعباء المالية.

وتعد ظاهرة اهتراء الطرق في الجزائر العاصمة، ميزة غالبية البلديات، رغم الأموال التي تخصصها الدولة للحفاظ عليها وإزالة النقاط السوداء، مما يطرح علامات استفهام عديدة لدى المواطنين عن الأسباب الرئيسية المتسببة في هذه الظاهرة، ووقفنا على هذه الظاهرة في العديد من بلديات العاصمة، مثلما لاحظناه ببعض البلديات التي زرناها، كالكاليتوس، الحراش، جسر قسنطينة، حسين داي، براقي، العاشور، سيدي امحمد والجزائر الوسطى، هذه الأخيرة التي لم يسلم بها الطريق الرئيسي من الاهتراء (شارع العربي بن مهيدي) الذي تم تعبيده مؤخرا، وتهشمت أجزاء به، ما جعل السلطات المحلية تسارع إلى ترقيعه، وردم الحفرة التي تشكلت، مثلا، قبالة العمارة رقم 53 في الشارع المذكور، رغم مرور أسابيع قليلة على تزفيت الطريق. وهي وضعية انتقدها كثيرا المواطنون وأصحاب المحلات المجاورة للشارع، الذين كانوا يجدون صعوبة في ركن مركباتهم بمحاذات الطريق بسبب اهترائها.
كما تشهد طرق بلدية الكاليتوس هي الأخرى تدهورا كبيرا، لاسيما في شارع رقم 06 بحي القصر الأحمر، حيث وقفنا على الوضعية غير اللائقة للمسالك داخل الحي، حيث ميزها تآكل طبقات الزفت وتفتته، إضافة إلى تسجيل تصدعات في حواف الطرق التي تغطيها طبقة رقيقة جدا من هذه المادة، رغم مشاريع التعبيد التي استفادت منها هذه المنطقة منذ مدة قصيرة، حسب شهادة سكان الحي وأصحاب المحلات التجارية المنتشرة على طول الطريق.
وانتقد بعض السكان الذين التقيناهم ممارسات الغش و"البريكولاج" التي تعتمدها بعض الشركات التي أوكلت لها مهام تزفيت الطرق بالبلدية، وعدم التزامها بالجدية والإتقان في الأشغال، الأمر الذي يدفع بالسلطات البلدية إلى إعادة برمجة مشاريع جديدة للتزفيت دون جدوى بسبب التآكل السريع للطرق.
نفس الوضعية تعرفها بعض الطرق ببلدية الحراش في العاصمة، كشارع موساوي، الذي لا تكاد تخلو طرقه من الحفر والبرك المائية جراء تآكل أجزاء كبيرة منها وتفتت زفتها، وهي الحالة التي أثرت بشكل سلبي على حياة سكان الحي ومركباتهم التي لم تستطع التخلص من الأعطاب التقنية التي تتسبب فيها هذه الحفر.
كما عبر بعض قاطني الحي المذكور، عن انتقادهم لهذه الحالة، مستغربين إعادة مشاريع التزفيت بطرق المنطقة في كل مرة، دون التمكن من التخلص من مشكل الاهتراء السريع لمادة الزفت، بسبب عدم الاعتماد على المقاييس التقنية المتعارف عليها في عمليات التعبيد، آملين في توصّل السلطات المحلية إلى إيجاد حل نهائي لهذه الظاهرة غير الصحية وتجنيب المواطنين دفع أعباء مالية إضافية لإصلاح أعطاب مركباتهم في كل مرة، حسبما قال أحد القاطنين بالحي.
إلى جانب ذلك، يتساءل العديد من المواطنين عن وضعية الطرق في سوق الجملة للمواد الغذائية بحي السمار في بلدية جسر قسنطينة وكذا المنطقة الصناعية ببلدية وادي السمار، التي من المفترض أن تكون طرقها تتلاءم مع وزن المركبات التي تمر بها على مدار الساعة، ويظهر من خلال تدهورها الدائم أنها لم تنجز وفق المقاييس المطلوبة في المناطق الصناعية، كأنها موجهة للمركبات الخفيفة، وينتقد المواطنون وأصحاب السيارات هذه الوضعية غير المريحة التي أضحت تميز الطرق التي يسلكونها داخل المنطقة الصناعية للتوجه نحو الحراش أو وسط العاصمة، مؤكدين أن هذه الحالة ألحقت أعطابا تقنية بمركباتهم، بسبب الحفر والبرك المائية المنتشرة على مستوى هذه الطرق، إلى جانب تسببها في اختناق حركة السير وتوقفها لفترات طويلة في غالب الأحيان، دون أن تحرك الجهات المسؤولة أي ساكن لتدارك الأمر.
وأوضح أحد العمال المشتغلين في شركة الهياكل المعدنية بالمنطقة الصناعية، أنه يواجه يوميا مشكل تدهور هذه الطرق المهترئة التي ألحقت أعطابا بسيارته، فضلا عن تأثيرها على حركة السير، لاسيما في فترتي الذروة، متسائلا عن حالة هذه المسالك غير المريحة، رغم إعادة إصلاحها في عدة مرات، إلا أن ذلك لم يمنعها من التدهور من جديد، بسبب عدم تهيئة قنوات المياه في الأرصفة، إضافة إلى شاحنات الوزن الثقيل التي ألحقت أضرارا كبيرة بها بسبب حمولاتها الزائدة، أملا في أن يتم وضع حد لهذا المشكل الذي شوّه صورة ومكانة هذه المنطقة الصناعية التي من المفروض أن تكون طرقها مهيأة ومعبدة بشكل جيد، كونها من الأقطاب الرائدة في الاقتصاد والتنمية المحلية.
وسعيا منا نحو إثراء هذا الموضوع الهام الذي يشغل بال غالبية المواطنين، وتسليط الضوء أكثر على العوامل والأسباب الحقيقية الكامنة وراء الاهتراء السريع للطرق وتآكلها، نقلنا رأي الخبراء والمختصين الذين أعطوا شروحات مستفيضة حول هذا الظاهرة، تطرقوا من خلالها للأسباب الرئيسية التي حالت دون التوصل إلى تحكم أفضل في مشاريع التزفيت وإنجاز طريق تدوم أطول مدة بمواصفاتها التقنية.

المقاولات ومركبات الوزن الثقيل وراء تدهور الطرق
وأفاد مدير المخابر على مستوى المخبر المركزي للأشغال العمومية، السيد فريد مزعاش لـ"المساء"، بأن إسناد مشاريع تهيئة الطرق وتزفيتها لمقاولات وشركات إنجاز حلّت في واقع الأمر ولا تزال تشتغل في الميدان، من بين الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى نتائج سلبية حتمية تنعكس على حالة هذه الطرق، مرجعا ذلك إلى عدم قدرة هذه المقاولات على القيام بدورها، كما ينبغي تحقيق هذا النوع من المشاريع لافتقارها للخبرة الطويلة والإمكانيات التقنية والمعرفية، إلى جانب العتاد الآلي، خاصة في إنتاج وتهيئة مادة الزفت وكيفية وضعه على الطريق.
وأكد السيد مزعاش، وهو مهندس دولة في الهندسة المدنية، أن أغلب هذه المقاولات التي أوكلت لها هذه المشاريع، لاسيما على مستوى الجزائر العاصمة، لم تتمكن من تجسيدها على أرض الميدان كما ينبغي، بالنظر إلى المشاكل المالية والتنظيمية التي تتخبط فيها، ما يجعلها غير قادرة على التحكم بشكل شامل في مختلف الجوانب المتعلقة بتهيئة الطرق، داعيا الجهات المسؤولة إلى ضرورة التركيز على هذه النقطة الهامة والالتزام بمنح أشغال الإنجاز لمؤسسات وطنية عريقة ذات كفاءة وخبرة طويلة في الميدان، للوصول إلى الجودة والنوعية.
وأشار محدثنا إلى مشكل مركبات الوزن الثقيل، الذي لا يزال يطرح نفسه بقوة على طرق العاصمة، دون أن تجد له الجهات المعنية حلا، علما أن شاحنات الوزن الثقيل (المقطورة ونصف المقطورة) تتسبب بشكل كبير في تدهور هذه الطرق وإتلاف طبقة الزفت بسبب حمولاتها من البضائع ومواد البناء، مشددا على وجوب التحرك العاجل لتدارك هذا المشكل، لاسيما في الطرق السريعة، وإيجاد آليات تقنية للحفاظ على سلامة الطريق واستمراريتها في الخدمة لأطول فترة زمنية ممكنة.

تغييب دور المخبر دفع إلى إعادة أشغال بعض الطرق
وفي نفس السياق، أكد محدثنا أن تغييب دور مخبره في رقابة المشاريع الطرقية المختلفة بالعاصمة على وجه التحديد، وعدم إسناده مهام الرقابة التقنية من قبل شركة مساهمات الدولة، ومنحها لمكاتب دراسات ومخابر خاصة أجنبية، دفع بالجهات المشرفة على هذه المشاريع إلى إعادة أشغالها بصفة كلية، مثلما هو الحال في الطريق السيار (شرق-غرب)، على مستوى الطريق الاجتنابي رقم 02 الرابط بين بودواو وزرالدة في جزئه بين مفتاح وحمادي على طول 05 كلم، والذي انتهت أشغال إعادة صيانته بعد إسناد مهام رقابته التقنية للمخبر الذي لم تتم استشارته في الأشغال الأولى للإنجاز.
وأضاف أن عدة طرق في العاصمة وما جاورها لم تصمد طويلا وتدهورت حالتها بسبب عدم استشارة المخبر من جهة، وتهاون وعدم جديّة الجهات التي أشرفت على تهيئتها وتزفيتها، وإغفال القيام بالدراسة التقنية اللازمة من ناحية أخرى، رغم المعاينات الميدانية التي قام بها أعوان المخبر المركزي للأشغال العمومية، والتي كانت تشير تقاريرها إلى عدم صلاحية هذه الطرق بالنظر إلى عدم مراعاتها، بسبب عوامل كثيرة، على غرار قربها من شبكات الصرف الصحي والماء الشروب، وتزامن تزفيتها مع موسم الشتاء، وهو الفصل الذي لا يتماشى مع مشاريع التزفيت، باعتبار الماء العدو الرئيسي المتسبب في تدهور الطرق.
ويدعو مسؤولو المخبر المركزي للأشغال العمومية التابع لشركة تسيير مساهمات الدولة، المنضوي تحت وصاية وزارة الأشغال العمومية، إلى وجوب قيام الشركات المقاولة بالرقابة الذاتية على أشغال مشاريعها وتحسيس كل الأطراف الشريكة معها، بضرورة التحكم أكثر في إعداد الدراسات التقنية الشاملة للأرضيات ومطابقتها مع الشروط المعمول بها في مثل هذه المشاريع.
وأبرز الرئيس المدير العام للمخبر الكائن مقره بحسين داي بالعاصمة، السيد أحمد سويلم لـ"المساء"، أهمية الرقابة التقنية قبل وبعد الشروع في إنجاز مشاريع الأشغال العمومية، لاسيما تهيئة وتعبيد الطرق وما لها من قيمة كبيرة في التحكم في كافة المراحل التي تمر بها هذه المشاريع العمومية، مؤكدا أن أغلب المقاولات الموكلة لها أشغال تهيئة الطرق لا تتقيّد بهذه الرقابة ولا تقوم بالدراسة التقنية المطلوبة ولا حتى المتابعة عند اكتمال المشروع، مما يجعل هذا الأخير بعيدا عن المقاييس المعمول بها ولا يصمد في وجه الأعراض المناخية، مما يتطلب صيانته في كل مرة.
وأوضح السيد سويلم أن إهمال هذه التقنيات والمعايير الدقيقة في تجسيد مشاريع تهيئة وتزفيت الطرق، يدفع الشركات المكلفة بالإنجاز إلى إعادة كافة أشغال المشروع، وتخصيص تكاليف مالية إضافية لتحقيق ذلك، وهي السمة التي تميّز العديد من طرق العاصمة، لاسيما البلدية منها ـ كما قال ـ معربا عن أسفه من استمرار بعض المقاولات في تكريس هذه الظاهرة دون التفكير في المصلحة العمومية للمارة والمركبات.
وأضاف المتحدث أن المخبر المركزي للأشغال العمومية يضطلع بمهمة القيام بالرقابة التقنية الشاملة على المشاريع العمومية، خاصة الطرق، وله كامل الصلاحيات في رفض كل المشاريع التي لا تتماشى مع دفتر الشروط المبرم بينها وبين المؤسسة صاحبة المشروع في حال عدم تقيّد مسؤوليها بالقوانين والتنظيمات السارية المفعول في هذا المجال بالذات، أو تحايلهم في كثير من الأحيان، خاصة فيما يتعلق بالدراسات التقنية أو سمك طبقات الزفت التي يلجأ الكثير من المقاولين إلى الإنقاص منها.

افتقار البلديات للتكوين والتأهيل
يؤزم الوضعية
من جهة أخرى، أوضح السيد سويلم أن البلديات بدورها، لاسيما مصالحها التقنية، لا تضطلع بالمسؤولية الكافية في تجسيد مشاريع الطرق البلدية، ما جعلها تقوم بمشاريع تهيئة وتزفيت بعيدا تماما عن المعايير والمقاييس المعمول بها في مثل هذه المجالات، مرجعا سبب ذلك إلى افتقار أعوان هذه المصالح إلى التكوين العلمي والتقني والتأهيل اللازم والخبرة الطويلة التي تتطلبها هذه المشاريع العمومية، داعيا إلى ضرورة التفكير في إقامة برامج تكوينية وتأهيلية دائمة ودورية على مدار السنة لفائدة الأعوان التقنيين، لتمكينهم من التحكم أكثر في مهام الرقابة ومتابعة مشاريع تهيئة الطرق، بما يضمن في الأخير إنجاز طرق تستجيب للمعايير المطلوبة وتخدم المصلحة العامة للمواطنين وأصحاب المركبات.
وذكر المصدر أن المخبر على اتصال دائم بالمصالح التقنية بالبلديات، في إطار الرقابة التقنية للنوعية ومتابعة وضعية الطرق البلدية على مستوى العاصمة، بناء على الاتفاقيات المبرمة مع مصالح مخبر الأشغال العمومية التي تمس عدة بلديات، على غرار الدار البيضاء، بئر الخادم، جسر قسنطينة، حسين داي، بوزريعة، حيدرة، عين البنيان، الشراقة، بني مسوس وغيرها، مشيرا إلى أن تكلفة الرقابة التقنية التي يقوم بها أعوان المخبر على المنشآت الفنية والجسور، على سبيل المثال، تصل إلى مبلغ 60 مليون سنتيم على الجسر الواحد، وهي تكاليف مالية مرشحة للارتفاع والتضاعف في حال إعادة أشغال المشروع من جديد، مما يفتح الباب واسعا أمام هدر المال العام دون تحقيق الأهداف المسطرة.

مشروع لضبط وتنظيم الممهلات
في الأفق...
وفي رده على سؤالنا حول ظاهرة الممهلات العشوائية وغير المدروسة التي أضحت تميّز غالبية الطرق البلدية بالعاصمة، أكد الخبير التقني أن هذه الممهلات لا توضع بشكل منظم وفي مكانها المحدد وبطريقة علمية، لتلعب دورها كما ينبغي في الإنقاص من السرعة المفرطة، منتقدا قيام بعض الأشخاص بوضع هذه الممهلات عند مداخل منازلهم بحجة حماية أولادهم من خطر حوادث المرور، بسبب إفراط بعض السائقين في سرعة مركباتهم، وهو ما يؤدي إلى حوادث أخرى وأعطاب لأصحاب السيارات بسبب عدم مطابقتها للمقاييس والشروط التقنية المعمول بها، منتقدا عدم احترام المسافات القانونية بين الممهلات، ما يؤدي إلى عرقلة حركة السير وإحداث اختناق مروري كبير، كما دعا إلى ضرورة مراعاة الجهات المشرفة على وضعها للدراسات العلمية والتقنية اللازمة، لجعلها تخدم الهدف الذي وضعت من أجله، مشيرا إلى أن وزارة الأشغال العمومية تحضّر لبرنامج خاص بتعديل الممهلات وضبطها على مستوى الطرق بشكل علمي وتقني مدروس، تشارك فيه عدة قطاعات معنية، بما فيها المخبر المركزي للأشغال العمومية وكافة الهيئات والمديريات الأخرى، قصد وضع حد لحالة الفوضى التي تميّز هذا القطاع، فيما دعا إلى ضرورة بذل المزيد من الجهود لإنجاح هذا البرنامج وتعميمه على كافة مناطق الوطن وتحسيس المواطنين بوجوب احترامه والالتزام به.