حمام ملوان بولاية البليدة
عندما تجتمع السياحة بألوان الطبيعة

- 175

تعد منطقة حمام ملوان، الواقعة شمال شرق عاصمة المتيجة البليدة، من أهم مناطق الجذب السياحية بولاية البليدة، يمكن أن يمارس فيها الزائر عددا من الأنشطة السياحية في وقت واحد، حيث تجمع بين السياحة الحموية والجبلية العائلية الاستكشافية، والسياحة الغذائية للباحثين على المنتجات الطبيعية الخالية من المبيدات، والسياحة الريفية أو البيئة، والسياحة العلمية، لما تعرفه من تنوع بيولوجي، كل هذا جعلها قبلة محببة للكثير من الزوار من داخل ولاية البليدة وخارجها، خاصة بعدما روج لها رواد مواقع التواصل الاجتماعي والمؤثرون، وفي المقابل تحاول السلطات المحلية كل سنة، القيام بعض المشاريع لتهيئتها، كإنشاء فضاءات جديدة للراحة ونصب الكراسي والطاولات والحاويات الخاصة بالنفايات، وحتى فضاءات صديقة للبيئة، للعب الأطفال، كل هذا من أجل أن يستمتع الوافد إليها بزيارته، وتحفظ ذاكرته جمالية المكان، للعودة إليها مرة أخرى.
لا يشعر من يختار زيارة حمام ملوان بالملل، عندما يشد الرحال إليها، بالنظر إلى جمال المسلك المؤدي إليه، الذي تحيط به الأشجار والمناظر الطبيعية وباعة الفواكه الموسمية المنتشرون على حافتي الطريق، وأكثر من هذا، تصادف في الطريق عددا من الباعة الذين اختصوا في تحضير مشتقات الألبان والأجبان، فإن كنت من محبي هذا النوع من الأغذية، ما عليك إلا التوقف واقتناء ما تريد من ألبان وأجبان لذيذة وطبيعية، أبدع صانعها في تقديمها بأذواق مختلفة، لعل أكثر ما تجتمع فيه هذه المنتجات الطبيعية، كونها طبيعية مائة بالمائة، حيث تستخرج من حليب الأبقار والماعز، التي يربيها فلاحو المنطقة، وتنكه ببعض أنواع الأعشاب العطرية التي يتم جلبها من طبيعة حمام ملوان العذراء.
توقفت "المساء" بمحل "عمي مسعود. س« الذي برع في تجميل محله ببعض الصناعات التقليدية، ليشد إليه الزوار، وبمدخل المحل، نجد وعاءين كبيرين في شكل قدر كبير من مادة الألمنيوم، يدور طيلة اليوم، لتحضير اللبن، وأكد صاحب المحل في معرض حديثه "أن الطلب كبير عليه في الصيف، لتناول الكسكسى مرفقا بـ«الدلاع"، خاصة وأن سكان ولاية البليدة معروف عنهم حبهم لتناول المسفوف باللبن المحضر من حليب البقر"، أما بالنسبة لأنواع الأجبان، فأكد المتحدث أنه يصنعها من مواد طبيعية، وفي السنوات الأخيرة، أصبح يميل إلى تنكيهها بالزعتر والثوم والزعيترة والنعناع والزيتون وزيت الزيتون، وغيرها من المواد الأخرى الطبيعية، لتلبية كل الأذواق، فضلا عن بيع كل ما يتعلق بمشتقات القمح والشعير، ممثلة في خبز "الطاجين" والكسكسي بكل الأنواع، وحسبه، فإن أغلب الزوار يتوقفون عند باعة الأجبان، الذين زاد عددهم في السنوات الأخيرة بمدخل حمام ملوان، لشراء ما يحتاجون إليه، قبل الدخول إلى هذه المنطقة السياحية وبعد الخروج منها.
حركية كبيرة منذ الساعات الأولى
أكثر ما يشد انتباهك وأنت تدخل إلى منطقة حمام ملوان الحركية الكبيرة التي تعرفها، حيث تفتح المحلات، حسب ما أكده بعض التجار لـ«المساء"، في الساعات الأولى من الصباح، وبعضهم بعد صلاة الفجر مباشرة، من أجل تهيئة محلاتهم لاستقبال الزوار، وتنافس محلات بيع الطعام، خاصة من اختص في تحضير الدجاج على الجمر، لاستقطاب أكبر عدد من الزوار، بينما يسارع الحرفيون المختصون في الصناعات التقليدية إلى إخراج كل ما لديهم من الأواني، لعرضها في واجهات محلاتهم، بهدف الترويج لها وحمل الزوار على الوقوف أمامها للفرجة، ومنها الشراء.
وحسب بعض الباعة، فإن أكثر ما يتم بيعه، هي الأواني الفخارية، وتحديدا من المصابين ببعض الأمراض الذين يميلون إلى الأكل في الأواني المصنوعة من الطين، كونها صحية أكثر من غيرها، وقنينات الماء والطواجين، وحتى بعض المشغولات الموجهة للزينة، مثل "الطبل" أو "الحصالة"، مشيرين إلى أن موسم الصيف، يعد من أكثر المواسم التي تنتعش فيها الصناعة التقليدية في المنطقة، من أجل هذا، يحاولون قدر الإمكان، استمالة الزوار لبيع ما أمكن من سلعهم.
وإذا كان التجار والحرفيون يحاولون شد الزوار والسياح بما يعرضونه من سلع، فلدى الأطفال الصغار من أبناء المنطقة أيضا، نصيبهم من العملية التجارية، ولعل هذه ميزة أخرى تنفرد بها المنطقة، إذ يبدو أن أغلب الأطفال بالمنطقة خلال موسم العطلة الصيفية يمارسون مختلف الأنشطة التجارية، حيث يبيع بعضهم (أقل من عشر سنوات) الأعشاب العطرية والطبية التي يتم جمعها من غابات ومرتفعات مقطع الأزرق، والملفت للانتباه، أنهم يعرفون أسماءها واستخدامات كل واحدة منها، وآخرون يبيعون "المطلوع"، حيث نجدهم يتجولون بين المارة تحت أشعة الشمس الحارقة، محاولين استعطافهم ليصرفوا ما لديهم من سلعة، وجلب أخرى، ومنه تحصيل أكبر قدر من المال، ورغم أن المبلغ رمزي، حيث لا يتجاوز 50 دينارا للرغيف الواحد، إلا أنه يعتبر، حسبهم، كافيا، بينما يبيع آخرون معدات السباحة الموجهة للأطفال، يقوم البعض الآخر ببيع الأجبان، التي تحضرها أمهاتهم في المنزل بالطريقة التقليدية، على أوراق التين، لجلب انتباه الزوار وحثهم على الشراء، ورغم بساطتها، إلا أن ذوقها يظل مميزا ولذيذا.
الاستجمام والمتعة.. غاية الجميع
إذا كنت تريد التواجد على ضفاف الوادي، ما عليك إلا ركن السيارة بالمواقف المخصصة لها، والوقوف بالوادي ليأتيك العمال الموسميون الذين يستأجرون الوادي كل سنة، ويقسمونه بينهم من أجل الاسترزاق، حيث تجدهم يسارعون إليك، كل يجذبك إليه ليختار لك مكانا مناسبا بالجهة التي استأجرها، ويحاول إظهار نوعية "الخدمات الراقية"، التي يقدمها لك في خيمته، كأن تكون مثلا، قريبة من الوادي ومهيأة بالطاولات أو الكراسي، أو حتى بالزرابي، لمن لا يرغب في استعمال الكراسي، وعلى العموم، فإن كراء الخيمة يتباين بين 700 و800 دينار، حسب ما تتوفر عليه الخيمة من معدات، ولعل أكثر ما يشد الانتباه، حرص العمال على نظافة المكان وراحة الزائر.
وحسب ما وقفت عليه "المساء"، فإن فئة كبيرة من زوار حمام ملوان، من العائلات التي لديها أبناء صغار، حيث يقصدون المنطقة ليتمكن أبناؤهم من السباحة فيها بكل حرية ودون الخوف عليهم من الغرق، فلا حاجة إلى حراستهم، بينما تجلس النسوة على ضفاف الوادي في تجمعات للدردشة، وبعضهن يقمن بدهن وجوههن بالطين الموجود على الضفاف، تبعا للاعتقاد الرائج بينهن بأنه يساعد على تنظيف البشرة ويعطيها نضارة وجمالا، خاصة وأنه من المواد الطبيعية التي لا تؤذي البشرة، بينما تختار كبيرات السن الجلوس في مياه الوادي، والاستمتاع بجريان وبرودة مياهه الصافية.
الملاحظ لمن يزور منطقة حمام ملوان، أن الفترة الصباحية تعرف حركية وحيوية كبيرة، حيث تتعالى أصوات الأطفال للعب والقفز في الوادي، أما في الفترة المسائية، فيميل الأغلبية إلى التواجد داخل الخيم، وأخذ قيلولة وسط الطبيعة الساحرة، أما بالنسبة لبعض العائلات التي لا تحب التواجد في الخيمة، فإنها تختار الجلوس في الغابات المقابلة للوادي، لتناول وجبة الغذاء والاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة للمنطقة.
الأسعار تنافسية والمتعة مضمونة
لعل أهم ما يميز منطقة حمام ملوان، أنها ـ كما يقال ـ "منطقة اجتماعية"، حيث توفر للمقتدر، نوعية خدمات تلبي احتياجاته، وتوفر للمتوسط وحتى الفقير، نوعية خدمات تتناسب أيضا مع إمكانياته، ما يعني أن المتعة مضمونة للجميع، والأكيد في نهاية المطاف، أن كل الزوار يغادرون المنطقة وهم يشعرون بالرضا، فإن كان زائر المنطقة يريد كراء غرفة في فندق، فإن الأسعار متباينة بين 4 آلاف و9 آلاف دينار، فإن كانت لشخص واحد؛ 4 آلاف دينار، أما لشخصين؛ 7 آلاف دينار، بينما لثلاثة أشخاص تصل إلى حدود 10 آلاف دينار، أما إن كان الزائر يريد التواجد في الخيمة، فسعر الكراء ليوم كامل لا يتجاوز 800 دينار، وهو مبلغ يبدو في متناول كل الراغبين في الراحة والاستجمام والتمتع بالهدوء وجمال الطبيعة.
من جهة أخرى، تقصد العائلات فندق "الزعيم" الذي ذاع صيته في كل ولايات الوطن، لما يوفره من سياحة حموية ومتعة الجمع بين السباحة والعلاج، ورغم أن السياحة الحموية يكثر عليها الطلب في فصلي الشتاء والربيع، غير أننا وقفنا على الإقبال الكبير للزوار على هذا الفندق، نظير ما يقدمه من خدمات علاجية، وحسب بعض الوافدين، فإن قاصد منطقة حمام ملوان لا بد له، على حد قول مواطنة من سكان العاصمة، أن يقوم بـ«تحميمة فيه"، ويتمتع بما يقدمه من خدمات راقية، يكفي فقط التواجد في مياهه الصافية المعدنية، التي تعيد للجسم انتعاشه.
نقائص لابد من تداركها
يحاول الحرفيون والتجار المختصون في بيع الصناعات التقليدية قدر الإمكان، الترويج لسلعها، قصد بيعها، غير أنهم في المقابل، يبالغون في الأسعار، وهو ما جعل بعض الزوار يشتكون، فالكثيرون يرغبون في الشراء، إلا أن عامل السعر يلعب دورا كبيرا في عملية الشراء، وهو الأمر الذي أرجعه البعض من الحرفيين والباعة، إلى وجوب اغتنام الفرصة للتسويق في هذا الوقت من السنة، بسبب الركود الذي تعرفه المنطقة في باقي أيام السنة، وإلى صعوبة تسويق منتجات الصناعات التقليدية، لغياب سوق خاص بها.
من بين التحديات التي تواجد منطقة حمام ملوان، وتهدد الحياة الإيكولوجية المائية، ضخ مياه الوادي بطريقة غير عقلانية من قبل وحدة "الجزائرية للمياه"، خلال فترة الصيف، حسب ما كشف عنه لـ«المساء"، رئيس جمعية"الأزرق الكبير"، مراد سالي، ما جعل مجرى الوادي مهددا بالجفاف، ونفوق كل أشكال الحياة المائية، من أسماك وكائنات مائية ونباتات، تعد حلقة أساسية في نظام السلسلة الغذائية لكثير من الكائنات الحية، على غرار الطيور وبعض الحيوانات البرية بالمنطقة، مع العلم، يقول رئيس الجمعية في معرض حديثه "إن وجود الأسماك في مجرى الوادي، يعتبر عاملا مهما في معرفة سلامة مياه الوادي أو تلوثها، موضحا "أن مياه الوادي يستعملها كثير من الفلاحين في سقي بساتينهم المترامية على ضفتي الوادي، وتعد ضفتي الوادي كذلك، مصدر رزق لكثير من الشباب البطال بالمنطقة، وحتى للعائلات المعوزة التي ينشط أبناؤها في بيع المأكولات التقليدية والمنتجات الفلاحية الطبيعية.
مشروع لتصنيف مقطع لزرق منطقة رطبة
من جهة أخرى، أكد رئيس الجمعية، مراد سالي، عن وجود مشروع لتصنيف منطقة مقطع الأزرق بحمام ملوان ضمن المناطق الرطبة، التي تعد مصدرا حيويا للتنوع البيولوجي، الأمر الذي يعزز كونها منطقة جذب سياحية ويزيد شهرتها، لذلك يؤكد أن العقلانية في ضخ مياه الوادي، يعني الحفاظ على السلسلة الإيكولوجية ككل، في ظل وجود قوانين وتشريعات ومراسيم تنفيذية تحمي الثروة المائية والإيكولوجية من كل ما يؤثر عليها، مثل المرسوم رقم 399/07 المؤرخ في 23 ديسمبر 2007، والقانون الجديد رقم 23/21 المؤرخ في 23 ديسمبر 2023، المتعلق بحماية المناطق الرطبة والثروة الغابية، مشيرا في السياق، إلى أنهم كجمعية وأبناء المنطقة، يرفضون كل ما يمس بأحد مقومات البيئة الطبيعية، نظرا لما تخلفه مثل هذه التجاوزات من آثار وخيمة على الطبيعة، وعلى التوازن الإيكولوجي والتنوع البيولوجي الذي تزخر به المنطقة والإنسان، على حد سواء، مطالبا بالمناسبة، الجهات المعنية بالتدخل واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية هذه المنطقة السياحية، التي لفتت انتباه المؤثرين عبر منصات التواصل الاجتماعي، وروجوا لها عبر صفحاتهم، ما ساهم في إنعاشها سياحيا.