موعد أربك العائلات بسبب الحاجة أو عبء التكاليف
عطلة الصيف.. حلم مؤجل هذه السنة

- 766

❊ العائلات: الذهاب إلى "البلاد" للقاء الأقارب والأحباب
❊ الشباب: العطلة تبدأ من الحي وتنتهي فيه
❊ الطلبة: العمل أحسن من تضييع الوقت
بحلول موسم الصيف، تتوجه بوصلة العائلات العاصمية نحو البحث عن وجهة أو مكان، تقضي في بعض الأيام، للراحة من عناء سنة كاملة من العمل والنشاط، وفي هذا الشأن، تتجاذب آراء واقتراحات أفراد العائلة الواحدة، فمنهم من يفضل الاصطياف على شاطئ البحر، ومنهم من يرغب في الذهاب إلى الريف أو "البلاد"، حيث يجتمع الأهل عند الأقارب بعيدا عن ضوضاء المدينة، وفيهم قلة قليلة من الميسرين تحزم الحقائب لقضاء عطلة الصيف خارج الوطن، وبين هذا وذاك، كثيرون هم من ضاقت بهم الأحوال، ولم يجدوا مفرا يلجأون إليه من حر المنازل، سوى تجهيزها بالمبردات والمكوث فيها.
في هذا السياق، حاولت "المساء" استطلاع آراء بعض المواطنين حول وجهاتهم المختلفة، هذه السنة، فالحديث عن العطلة الصيفية ومكان قضائها، يدفع بطبيعة الحال إلى الحديث عن الإمكانيات المادية، والظروف الاجتماعية للكثير من العائلات، خصوصا محدودة الدخل منها، بالموازاة مع الغلاء الفاحش، وهو ما شكل دافعا عند أغلبها لشطب فكرة قضاء العطلة خارج المنزل من قاموسها، فأصبحت العطلة لا تختلف عن الأيام العادية من السنة، تصارع فيها من أجل الحصول على لقمة العيش.
عطلة تبدأ من الحي وتنتهي فيه
أجمعت بعض العائلات التي تحدثت إلى "المساء"، أنها لم تتمكن هذه السنة، من التفكير في السفر إلى الخارج من أجل قضاء عطلة الصيف، فتونس التي تعتبر الوجهة المفضلة للسائح الجزائري، حسبهم، أصبحت حلما مستحيلا، والأسعار في تركيا فاقت الخيال، كما أكد البعض أن التكلفة المرتفعة التي يتطلبها قضاء بضعة أيام من الراحة، بأحد شواطئ الوطن، هي الأخرى أصبحت تفوق قيمتها قضاء أيام بالخارج، فالاستجمام لمدة أسبوع في تونس أقل تكلفة منه في وهران أو العاصمة.
وقالت إحدى السيدات وجدناها بشاطيء "الصابلات" في العاصمة، أن ما يشهده هذا الفصل من ارتفاع فاحش في الأسعار، مقارنة بمستوى دخل كل شخص، يمنع المواطن البسيط من الاستمتاع بعطلة صيفية كاملة الخدمات أو حتى بعضها، وأيدها مواطن من مدينة البليدة يبلغ من العمر 35 سنة، عامل في مؤسسة عمومية، بقوله إنه لا يتذكر يوما قضاه خارج الوطن، فعطلته تبدأ من الحي وتنتهي فيه، بين مشاهدة التلفزيون ومجالسة الأصدقاء وزيارة البحر.
«مصطفى" 23 سنة من ولاية بومرداس، شاب آخر لم يفكر في الذهاب إلى شاطئ أبعد من شاطئ مدينته، فهو يستمتع مع أصدقائه وجيرانه بالذهاب إلى البحر كل مساء، ويضيف أنه لا يمكنه الاستغناء عن صنارته التي يصطاد بها كل يوم، فمدينة "دلس" أجمل وأروع في نظره من أي بلد آخر، مردفا بقوله: "لماذا أكلف نفسي عناء المصاريف؟"، مشيرا إلى أن هذا حال الكثير من شباب حيه.
وتضيف "لامية" أم لطفلين قائلة، إنها تدخر هي وزوجها طوال السنة من أجل قضاء عطلة الصيف مع أولادها، أو السفر وتغيير المكان، مؤكدة أن إمكانياتهم لا تسمح بذلك، فيلجأون إلى الشواطئ القريبة أو زيارة الأهل في الريف، بعيدا عن ضوضاء المدينة.
الريف وجهة الكثير من العائلات
تفضل الكثير من العائلات قضاء وقت الصيف في الريف، أو ما يعرف في العامية بـ«البلاد"، بعيدا عن ضوضاء المدينة وإزعاجها، ومنهم من يستغل الفرصة لزيارة الأهل والعائلة الكبيرة، حيث أكد "الياس" المنحدر من بلدية "أزفون"، وجدناه بساحة "أودان" في العاصمة يتجول، أن قضاء العطلة في جبال "جرجرة"، يجعله يحس وكأنه ولد من جديد، حيث قال: "أبتعد عن الضغط وأتخلص من القلق، خاصة في أحضان الطبيعة والهواء النقي".
أما "فتيحة"، فتقول إنه لابد أن تأخذ ولو فترة قصيرة لزيارة الأهل في "تيسمسيلت"، مردفة: "أنا أستمتع كثيرا وأتعرف على الكثير من العادات والتقاليد، وأكثر ما يعجبني؛ الأعراس التي يقيمونها والمأكولات التقليدية التي يجهزونها". أما "ليليا" أم لثلاثة أولاد فتقول: "في كل سنة، أخصص شهرا للذهاب إلى بجاية، فأولادي يحبذون المنطقة، وزوجي أيضا الذي تنحدر أصوله من هناك، أما أكثر المناطق التي أزورها، فهي منطقة تيشي الساحرة وجبال رأس كاربون، ولا أنسى دائما زيارة ميناء بجاية واستنشاق الهواء النقي هناك".
عائلات ألغت عطلة الصيف من حساباتها
أغلب العائلات "العاصمية" البسيطة محرومة من حقها في قضاء العطلة الصيفية، بسبب مستوى المعيشة المتدني والدخل المحدود، خاصة عندما تكون العائلة متعددة الأفراد ويعيلها شخص واحد، بدخل لا يكفي حتى لسد مصاريف الأكل وضروريات الحياة، فكيف يمكنها التفكير في عطلة الصيف، هذا ما أكدته عينات من الأسر التي التقت بها "المساء" بحديقة "الحامة"، حيث أكد أحد أرباب العائلات، يقطن في بلدية عين طاية، أن مرتبه يدفع في الكهرباء والغاز والماء، وما يتبقى منه ينقضي خلال أسبوع وباقي الشهر يكمله بالدين، وأمام كل هذا، فلا مجال للحديث عن عطلة صيفية خارج المنزل.
أما عائلة أخرى، من ضواحي باب الوادي، فقد صرحت ربة المنزل أنها لم تذق طعم العطلة منذ سنوات طويلة، فهي تعمل طوال أيام السنة دون انقطاع، سعيا وراء تحقيق لقمة العيش لأبنائها الأربعة، في وقت لم يتمكن زوجها البطال من الحصول على وظيفة مستقرة، ما يضطرها إلى إشراك أبنائها الصغار في توفير بعض المصروف، استعدادا للدخول المدرسي، عن طريق بيع "خبز الطاجين" و"الشمسيات" على طول الطريق السريع.
تنتظر مثل هذه العائلات العطلة بشغف كبير، ليس للاستجمام، إنما لتكثيف الجهود في ادخار أكبر قدر ممكن من المال لفصل الشتاء، فقد حولتها الظروف الاقتصادية إلى مجتمع شبيه بـ«مجتمع النمل"، فالتمتع ببعض الراحة خلال الصيف صار مقتصرا على العائلات الميسورة الحال، أو العزاب من الشباب الذين وجدوا في مغادرة الوطن لشهر أو بضعة أيام سبيلا لاستعادة الحيوية.
الحمامات المعدنية قبلة المسنين للتداوي
إذا كانت بعض العائلات تفضل البحر أو زيارة المناطق الريفية، لاحظت "المساء" بحمام ملوان في البليدة، كبار السن يقصدون الحمامات المعدنية للعلاج، حيث أكد "الحاج ابراهيم" البالغ من العمر 65 سنة، والمنحدر من المدية، أنه في كل سنة يذهب للحمامات المعدنية، على غرار حمام ريغة بعين الدفلى وحمام ملوان بالبليدة، وقد أعجبته كثيرا الخدمات هناك، فأصبح كل سنة يعاود الزيارة إليهما، وينصح كبار السن بزيارتهما.
شباب يفضل العمل صيفا
في المقابل، يتوجه تفكير بعض الشباب، خاصة طلبة الجامعات ذكورا وإناثا، مباشرة بعد انتهاء السنة الدراسية إلى البحث عن فرصة عمل، يكسبون من ورائها بعض المال، يمكنهم من تغطية مصاريفهم الزائدة خلال عطلة الصيف، وتحضير احتياجات الدراسة، كاقتناء الكتب والملابس، فلا يفوتون فرصة الاطلاع على آخر الإعلانات الخاصة بعروض العمل في الجرائد اليومية، أو طلب الوساطة من الأصدقاء والأقارب حتى يسهلوا عليهم مهمة البحث وتكون لهم حظوظ أكبر. وبين هذا وذاك، يبقى قضاء عطلة الصيف لدى الكثيرين، حلما قد لا يتحقق في القريب العاجل، بل مؤجل في رزنامة غير مضبوطة الموعد.