معلم عمراني سياحي داعم للاقتصاد الوطني
شرفات غوفي... قلعة تؤرخ لوجود الإنسان بين أحضان الأوراس

- 1043

تشكل شرفات غوفي معلما عمرانيا سياحيا بامتياز، ونموذجا داعما للمقومات السياحية الجبلية بالأوراس، وفرصة لدعم الاستثمار السياحي في الولاية، بحكم موقعها في أقصى الجهة الجنوبية الشرقية لولاية باتنة، والتي تصنف من ضمن المواقع السياحية ذات الشهرة الوطنية والعالمية. هي قرية سياحية، مساكنها قديمة وقلاعها عتيقة ومساجدها بنيت أثناء لجوء باي قسنطينة إلى منطقة الأوراس، في أعقاب الحملات العسكرية الفرنسية، ودورها في جلب السياح من كل حدب وصوب، لتفعيل حركية النشاطين السياحي والإقتصادي.
يعرف هذا الموقع الذي يجمع بين سحر الطبيعة وعراقة التاريخ، إقبالا منقطع النظير للسياح من الولاية وخارجها، وحتى من خارج الجزائر، حيث أصبحت هذه الشرفات في السنوات الأخيرة، الوجهة المفضلة للعائلات من أجل التنزه والتمتع بجمالها، فضلا عن الزيارات السياحية التي تنظمها المدارس في العطل الدراسية.
تعد شرفات غوفي هبة السماء للأرض، وهي من بين المواقع السياحية التي حفظت للتراث هيبته، وجمعت بين الأصالة والعمران، لتعكس ثقافة السكان المحليين الذين بنوا المساكن الحجرية القديمة في أخدود بين مرتفعين صخريين، يتخللهما الوادي الأبيض، وفي أسفل الوادي، تنتشر أشجار النخيل والزيتون، وتوجد حول محيط الشرفات جبال شامخات ومضايق صخرية في غاية من الجمال الأخاذ. وتقع على نحو 30 كلم من مدينة أريس، في منطقة قريبة جدا من حدود ولاية بسكرة وولاية باتنة، وتنتشر بالقرب منها بساتين الأشجار المثمرة، كالتين الزيتون والتفاح. يوجد بها تجمع سكاني بأسفل هذه المنطقة التراثية، يمثل في هندسته المعمارية لأحد الروافد السياحية في منطقة غوفي، لما يحتوي عليه من عادات وتقاليد وأنماط متعددة للصناعات التقليدية الخشبية والنحاسية والحجرية والصناعات النسيجية، التي ترتكز على وبر الماعز.
ورغم وجود مركز تجاري واحد بغوفي، فإن وظيفته حاضرة تتحدى الأمر الواقع، ليقف كشاهد على حضارة أمة مرت من هناك، بعدما طوى عنها التاريخ خبر المراكز التجارية التي اختصت في صناعة الحلي والمجوهرات والزرابي والمفروشات والأواني المنزلية، المصنوعة من الخشب والنحاس.. صناعة تقليدية تختصر تاريخ المنطقة. ولو سلمنا بمقولة "السياحة في الأوراس ذوق وإحساس"، فإن شرفات غوفي ستصنع من السياحة حرفة تعبر بكل صدق عن حضارة تنام في أقبية روح شرفاتها، التي تشكل حقلا للبحوث، على غرار باقي المناطق الأثرية التي قال في شأنها "غروت": "ولم يزل الباحثون يستكشفون مدنا تدهش أهل القرن العشرين".
ومن الجهود الرامية إلى جعل شرفات غوفي الشهيرة نموذجا للسياحة بالأوراس، الذي يعود تاريخ بنائه إلى حوالي سنة 1900، وقلاعه العتيقة (آيث ميمون، آيث منصور وآيث يحيى)، الضاربة في عمق التاريخ بنمطها العمراني الأصيل، والذي لا يمكن مصادفته، حسبما صرح به لـ«المساء"، قبل سنوات، المختص في علم الآثار، علي قربابي، إلا في جنوب تونس والمغرب، وهذه المنطقة من الأوراس. إلى جانب ذلك، يطالب حرفيو المنطقة من مسؤولي القطاع والمختصين، بدعمهم والمحافظة على القرى والبنايات القديمة الموجودة في الموقع، والمهددة بالاندثار، إلى جانب توفير سبل وإمكانات حماية الموقع الذي تم تسجيله ضمن منطقة توسع ومواقع سياحية.
تبقى شرفات غوفي ظل السياحة بالأوراس الكبير، وهبة السماء للأرض، وكنز من الكنوز التي تزخر بها المنطقة التي يجب ألا تبقى خربات تغطيها طبقات التراب، كما هو الحال بـ«طبنة" الآن، وهي ترقد تحت التراب بمدينة بريكة، توجد آثار رومانية في الجهة المقابلة لوادي بيطام، الذي يغطي الزاب ـ حضنة الشرق، حيث لا توجد بها معالم، وهي تضم 10 هكتارات، وفيها حوائط مبنبة بأحجار كبيرة، قد تنسب إلى التشييد البيزنطي.
وقد صنف هذا المعلم الأثري كتراث وطني سنة 1950، إلى جانب "زانة البيزنطية"، يقع هذا الموقع الأثري الروماني ببلدية "زانة البيضاء" بدائرة عين جاسر، وبالتحديد بمحـاذاة الطريق الوطني الرابط بين باتنة وسطيف، واسمه الروماني ديانا فيتيرانوريوم، نسبة للملكة ديانا، التي كانت تحكم في تلك الفترة.
للإشارة، يعد المرحوم بن مدور محمد أقدم دليل سياحي، يعرف باسم "حرودة"، من المهتمين بالسياحة في المنطقة، ناضل لفترة طويلة لأجل توسيع الشرفة السادسة بغوفي، بشكل يسمح للزوار بالتمتع بالمناظر الخلابة الموجودة في هذه الجهة من الموقع، وكذا تهيئة مسلك سياحي يسهل عملية النزول إلى أسفل الشرفات.