يحتضن الوافدين على عنابة من كل حدب وصوب

شاطئ "النصر".. فسحة للجمال ومتعة لكل الأعمار

شاطئ "النصر".. فسحة للجمال ومتعة لكل الأعمار
  • 220
سميرة عوام سميرة عوام

يبسطُ البحر أجنحته على شاطئ النصر، كأنه يحرس سرا قديما لا تبوح به إلا أمواج الفجر...هنا، لا يبدأ اليوم بصوت الضجيج، بل بمشهد يأخذك إلى عالم آخر، حيث تتهادى الشمس بخجل فوق سطح الماء، وتنعكس على زرقة البحر، كأنها حورية من ضوء.

يمتد شاطئ "النصر"، على مساحة هادئة من بلدية عنابة، يطل كحلم أزلي على البحر الأبيض المتوسط، ويُعد من بين أجمل الشواطئ الطبيعية في الجهة الشرقية. شكله الهلالي يمنحه خصوصية جمالية نادرة، كما لو أن الطبيعة رسمته بحنو، ليحتضن الزوار بين ذراعيه من كل حدب وصوب.

تاريخ الأسماء.. حكاية تتناقلها الأمواج

تنقل هذا المكان بين عدة تسميات، قبل أن يُلقب بـ«شاطئ النصر"، حيث عرفه البحارة القدماء باسم "رمل الزبيب"، وهي تسمية تعود إلى ما قبل سنة 1832، حين كان الشاطئ مفتوحا على مساحات من الكثبان الذهبية المختلطة ببذور سوداء ناعمة، تشبه في شكلها الزبيب، أو هكذا تتراءى لهم.

وفيما بعد، أطلق عليه السكان المحليون اسم "بحر سيدي حمودة"، في إشارة إلى شخصية أسطورية، قيل إنها كانت تُقيم بالقرب منه، يروي عنها الشيوخ أنها كانت تملك كرامات، وتستجلب النور والخير إلى المكان، وكان البعض يزور الشاطئ للتبرك به. لكن الاسم الذي سكن الذاكرة العنابية، وخلد هذا المكان في القلوب، كان تسمية "القيدرو"، وهي تحوير شعبي لعبارة "Lever de l’aurore" الفرنسية، والتي تعني "طلوع الفجر". فما إن يحن وقت السحر، حتى يتحول هذا الشاطئ إلى مسرح مفتوح على الجمال المطلق؛ حيث تشرق الشمس في خط مستقيم، يقطع السكون، ويُشعل في السماء ألوانا من ورد وأرجوان وذهب.

تبدأ الحياة، منذ ساعات الصباح الأولى، تدب تدريجيا على الرمال الناعمة للشاطئ، حيث يمشي العداؤون حفاة، تاركين آثار خطواتهم على الرمل الرطب، فيما يتخذ الرياضيون من الشاطئ مضمارا طبيعيا، بينما يلتقط المصورون اللحظات الأولى للشمس، كمن يصطادون الذهب الخام من قلب الطبيعة.

وفي ساعات الظهيرة، يتحول الشاطئ إلى مهرجان مفتوح للعائلات والمصطافين، فأطفال يبنون القلاع الرملية، وشباب يخترقون الموج على متن الدراجات المائية، وصوت طبطبة البحر يتعالى بين ضحكات الزائرين، والباعة المتجولون يعرضون فواكه الصيف، والمثلجات، وكؤوس الشاي بالنعناع، وروائح زيت جوز الهند تفوح من جلود المستجمين تحت أشعة الشمس.

وجهة مثالية لعشاق المغامرة والهدوء

لا يقتصر سحر الشاطئ على جماله البصري، بل يُعد مقصدا لهواة الرياضات المائية، كالتزلج على الأمواج، وركوب "الجات سكي"، وصيد السمك في أطراف الخليج. وفي الجهة الجنوبية من الشاطئ، تتعانق الصخور السوداء مع الزرقة الصافية، مشكلة لوحة طبيعية تستهوي محبي التصوير ومحترفي التأمل. وما يميز شاطئ "النصر"، أكثر، هو أنه رغم شهرته، ما زال يحتفظ بهدوء خاص، بعيدا عن فوضى الزحمة التجارية، وهذا ما يجعله وجهة مفضلة للمثقفين والفنانين الباحثين عن الإلهام.

تراث حي أكثر من شاطئ

يقول أحد كبار سكان المنطقة "كل شبر من هذا الشاطئ يروي حكاية، وكل طلعة شمس عليه، تذكرنا بأن عنابة لا تنام على موجة واحدة". وفي كل موسم صيف، يعود شاطئ "النصر" إلى الواجهة، لا ليجذب المصطافين فحسب، بل ليجدد الصلة بين الإنسان والطبيعة، وبين البحر والذاكرة، وبين الضوء والتاريخ، إنه شاطئ "النصر"، حيث لا تُقاس المتعة بالوقت بل بالشعور، فكل فجرٍ فيه بداية حكاية، وكل غروب وعدٌ بالعودة.