شرفات الغوفي بباتنة

سحر طبيعة.. وتاريخ ضارب في عمق التاريخ

سحر طبيعة.. وتاريخ ضارب في عمق التاريخ
  • القراءات: 1067
عبد السلام بزاعي عبد السلام بزاعي

تتوفر ولاية باتنة على موروث تاريخي حضاري مهم، وتزخر بمعالم تاريخية وسياحية لو استغلت أحسن استغلال، لحولت المنطقة إلى قبلة للسياح بامتياز، بالنظر إلى قلة الترويج لهذه الوجهة، التي يعود تاريخ بعض المعالم فيها إلى عهود بعيدة.

يطرح نموذج شرفات الغوفي مثالا حيا للمقومات السياحية بالأوراس الداعمة للاستثمار السياحي، بحكم موقعها في أقصى الجهات الجنوبية الشرقية لولاية باتنة، وهي التي تصنف من ضمن المواقع السياحية ذات الشهرة الوطنية والعالمية،باعتبارها كذلك، قرية سياحية مساكنها قديمة وقلاعها عتيقة، ومساجدها بنيت أثناء لجوء باي قسنطينة إلى منطقة الأوراس، في أعقاب الحملات العسكرية الفرنسية، ليتجلى دورها في جلب السياح من كل حدب وصوب، بهدف تفعيل النشاطين السياحي والاقتصادي.

تعد شرفات الغوفي من بين المواقع السياحية التي حفظت للتراث هيبته، وجمعت بين الأصالة والعمران، لتعكس ثقافة السكان المحليين الذين سكنوا بيوتا حجرية قديمة، بنيت في أخدود بين مرتفعين صخريين، يتخللهما الوادي الأبيض. وفي أسفل الوادي، تنتشر أشجار النخيل والزيتون، وتوجد حول محيط الشرفات جبال شامخات ومضايق صخرية في غاية من الجمال الأخاذ. تعتبر شرفات الغوفي امتدادا للتضاريس الصخرية الصحراوية والتلية معا، تقع على نحو 30 كلم من مدينة أريس، في منطقة قريبة جدا من حدود ولاية بسكرة وولاية باتنة، وتنتشر بالقرب منها بساتين الأشجار المثمرة، كالتين الزيتون والتفاح. كما يوجد تجمع سكاني بأسفل هذه المنطقة التراثية، يمثل في هندسته المعمارية، أحد الروافد السياحية في منطقة غوفي، لما يحتوي عليه من عادات، وتقاليد وأنماط متعددة للصناعات التقليدية الخشبية والنحاسية والحجرية والصناعات النسيجية التي ترتكز على وبر الماعز.

رغم وجود مركز تجاري واحد بغوفي، فإن وظيفته حاضرة تتحدى الأمر الواقع، ليقف كشاهد على حضارة أمة مرت من هناك، بعدما طوى عنها التاريخ خبر المراكز التجارية التي اختصت صناعة الحلي والمجوهرات والزرابي والمفروشات، والأواني المنزلية المصنوعة من الخشب والنحاس. صناعة تقليدية تختصر للأسف، تاريخ المنطقة في سويعات المناسباتية، قدر لم يكن بالضرورة بالمحتوم، ولو أن هذه الصناعات التقليدية في اندثار يثير التساؤل والتعجب، وإن كانت تعد جسرا يربط الماضي بالحاضر، وتعريف بتجربة الأجداد، من خلال صناعات محلية أسست مجد الحياة الأوراسية. 

قبلة السياح

فيما تزخر المنطقة بمعالم سياحية وأثرية أخرى، لو استغلت بشكل جيد، لحولت المنطقة إلى قبلة "يسجد" لها السياح من كل حدب وصوب، في وجود مكملات سياحية، لما تزخر به المنطقة من أماكن في مقام شرفات الغوفي، التي تعدت شهرتها حدود الوطن. إذ من  المؤكد أن المنطقة التي تعد آية في جمال الطبيعة، وهبة السماء للأرض، مازالت ممنوعة من الصرف خارج قواعد الاستثمار السياحي، وغير قابلة للعبث بتراث سياحي، وما يحمله من دلالات الماضي وأصالته والاستمتاع بسحر المنطقة بموقعها الاستراتيجي في عمق الأوراس وعاصمته باتنة. إذ تملك ما يؤهلها لأن تكون بوابة وملتقى لمختلف الجهات، ذلك كله عندما يضاف إليها تعاقب الغزاة على المنطقة، وغزوات يوازيها تصدي سكان المنطقة باستبسال في الكفاح ضد كل الهجمات، التي تركت بصمتها الحضارية.

وهي تشكل اليوم أطلالا وآثارا تجعل الواقف عليها يمعن النظر في مواقع سياحية، باتت تشكل قطاعا اقتصاديا اكتسب الكثير من الأهمية في مجال صناعة السياحة، التي تفتح فرص الاستثمار السياحي بالمنطقة، وتخلق فضاءات تعود بالزائر إلى عمق التاريخ والماضي المجيد، من خلال الأنشطة المتنامية التي يمكن أن تخلقها السياحة، وبذلك العمل على إحياء ما طالته يد الإنسان، وعبثت به الطبيعة، دون النيل من سحرها، بعدما صارت وسيلة فعالة في ركن التعارف الحضاري بين الشعوب وجسر لا يجذب سوى حركة الاستثمار. ولو سلمنا بمقولة: "السياحة في الأوراس ذوق وإحساس"، فإن شرفات غوفي ستصنع من السياحة حرفة، تعبر بكل صدق عن حضارة تنام في أقبية وكهوف شرفاتها، التي تشكل حقلا للبحوث، على غرار باقي المناطق الأثرية التي قال في شأنها "غروت": "ولم يزل الباحثون يستكشفون مدنا تدهش أهل القرن العشرين".

هذه عينة من المقومات السياحية بالمنطقة، والتي هي ليست بمنأى عن إعادة الاعتبار لها كمقصد متميز، في غياب أدوات التعريف بمكنوناتها، بالموازاة مع وجود مبادرات لنفض الغبار عنها... لكن ذلك في الواقع بحاجة إلى طفرة سياحية كبيرة، وفي انتظار تجسيد مشروع القرية السياحية المدون في مذكرة الرئيس السابق لبلدية إشمول، الذي خطط لعدد من المشاريع الاستثمارية السياحية، إذ أوضح وقتها بأن الجهود منكبة في إطار المخطط التوجيهي، لتحديث المواقع الأثرية الذي صادقت عليه الحكومة سنة 2008، مما من شأنه أن يحول المنطقة إلى قطب سياحي كبير بالمنطقة الشرقية.

إذ يتضمن البرنامج تهيئة المناطق السياحية بالولاية، وفي هذا الخصوص، تم تسجيل عمليات ترميم الطريق على محور غسيرة غوفي، على امتداد 10 كلم واسترجاع الفندق وإقامة القرية السياحية الثقافية بطاقة استيعاب تقدر بـ400 سرير، تضم عددا من المرافق الترفيهية، إضافة إلى عمليات ترميم ستدعم الموقع. كانت السلطات قد أنجزت قبل سنوات، العرض التقني لمنطقة التوسع السياحي، ومشروع مركز المهارات بغوفي، لإنجاز مشاريع التهيئة بالمنطقة، وبناء عدد من المرافق السياحية، بهدف بعث النشاط السياحي في المنطقة، فيما تمتد المنطقة المعنية على مساحة 113 هكتار، إذ 10 هكتارات منها قابلة للتهيئة.

نموذج للسياحة بالأوراس

من الجهود المنتظر تجسيدها على أرض الواقع، لجعل شرفات غوفي الشهيرة نموذجا للسياحة بالأوراس، الذي يعود تاريخ بنائه إلى حوالي سنة 1900، وقلاعه العتيقة (آيث ميمون وآيث منصور وآيث يحيى)، الضاربة في عمق التاريخ بنمطها العمراني الأصيل، والذي لا يمكن مصادفته، حسب ما صرح به لـ"المساء"، "قبل سنوات، المختص في علم الآثار علي قربابي، إلا في جنوب تونس والمغرب وهذه المنطقة من الأوراس".

إلى جانب ذلك، يطالب حرفيو المنطقة من مسؤولي القطاع والمختصين لدعمهم والمحافظة على القرى والبنايات القديمة، الموجودة بالموقع والمهددة بالاندثار، إلى جانب توفير سبل وإمكانات حماية الموقع الذي تم تسجيله ضمن منطقة توسع ومواقع سياحية. تعد شرفات غوفي التابعة لبلدية غسيرة بباتنة، من المواقع السياحية الخلابة التي تعرفها منطقة الأوراس، بدليل أنها تخطف الأضواء وتثير فضول ودهشة السياح الوافدين إليها من مختلف ربوع الوطن، مما جعلها قطبا سياحيا طبيعيا هاما في الجهة المطلة على عاصمة الزيبان، وتجمع منطقة غوفي بين الطابع الجبلي وخصوصيات المناخ شبه الصحراوي، فهي من جهة، تبعد عن عاصمة الأوراس بحوالي 100 كلم فقط، ومن جهة أخرى، لا يفصلها عن صحراء بسكرة سوى جبل "أحمر خدو" الشهير إبان ثورة التحرير.

يذكر أن غوفي كانت قد أثارت إعجاب الشيخ محمد الغزالي، وأبهرت أركون والسياح والباحثين، كان الإمام الغزالي قد زارها على هامش إحدى ملتقيات الفكر الإسلامي، التي كانت تنظمها وزارة الشؤون الدينية في ثمانينيات القرن الماضي، والمفكر الجزائري محمد أركون الذي كان من المشاركين في رحلة غوفي رفقة أسماء أخرى، مثل المؤرخ موسى لقبال الذي قاد الوفد أيضا إلى آثار طبنة ببريكة.