باتنة تحتفي بمظاهرات ديسمبر 1960
حين تتكلّم الذاكرة..
- 181
عبد السلام بزاعي
لم يكن إحياء الذكرى الخامسة والستين لمظاهرات 11 ديسمبر 1960 بباتنة، هذه السنة، مجرّد نشاط احتفالي عابر، بل كان فعلا موعداً للوفاء، وتأكيد الوعي بضرورة استحضار الحدث. أعاد للذاكرة الوطنية صوتها الحي، وجعل من التاريخ مرآة للحاضر، وبوصلة للمستقبل.
نظّمت قسمة باتنة لحزب جبهة التحرير الوطني، لقاءً تاريخيًا جامعًا في أجواء وطنية مهيبة، تحت إشراف أمين القسمة سمير بوراس، وبحضور الأمين الولائي الحالي للمجاهدين، والأمين الولائي السابق، وممثلي أسرة الشهيد الرمز العقيد "سي الحواس"، إلى جانب ثلة من المجاهدين والمجاهدات، وأسر المجاهدين المتوفين، وعائلات الشهداء، وأعضاء الأسرة الثورية، ومنتخبين محليين، في صورة تعكس وحدة الذاكرة، واستمرارية الرسالة.
الوفاء فعلٌ وليس شعاراً
وفي كلمته بالمناسبة، شدّد أمين القسمة سمير بوراس، على أن صون الذاكرة الوطنية وتعزيز ارتباط الأجيال بتاريخها، يندرج ضمن صلب العمل السياسي الوطني، مؤكدا أن الوفاء لرسالة الشهداء لا يُقاس بالكلمات، بل بالالتزام بخدمة الوطن، والحفاظ على وحدته، والدفاع عن ثوابته.
11 ديسمبر.. حين خرج الشعب عن صمته
اعتبر السيد بوراس أمين قسمة حزب جبهة التحرير الوطني، مظاهرات 11 ديسمبر 1960، لحظة وعي جماعي، لم تكن مجرد رد فعل ظرفي، أعلن فيها الشعب الجزائري من المدن إلى القرى، انحيازه الكامل للثورة التحريرية، وفرض بها قضيته العادلة على الرأي العام الدولي، مشيرا الى أن استحضار هذه الذكرى يحمِل دلالات عميقة في ظل ما يفرضه الحاضر من تحديات، تتطلب التماسك، واليقظة، والتمسّك بالمرجعية الوطنية. وتميّز اللقاء بتقديم محاضرات أكاديمية قدّمها أساتذة جامعيون، أعادوا قراءة مظاهرات 11 ديسمبر في سياقها السياسي والتاريخي، مبرزين أثرها في تسريع مسار الاستقلال. كما أضفت الشهادات الحيّة التي قدّمها مجاهدون ومجاهدات، بعدًا إنسانيًا صادقًا، أعاد للتاريخ نبضه، وحرّر الذاكرة من جفاف التواريخ والأرقام.
حشاني بن مبارك.. اسم من ذاكرة المكان
أوضح أمين القسمة أن تكريم المجاهد المرحوم “حشاني بن مبارك” في هذه المناسبة، أبرز لحظات اللقاء، مضيفا أن التكريم تجاوز الشخص إلى الرمز. فقد مثّل الفقيد نموذجًا للمجاهد الملتزم الذي آمن بالقضية قبل أن تحملها البنادق. وانخرط في الثورة منذ ديسمبر 1954، مساهمًا في خدمة جبهة التحرير الوطني، خاصة في مجال الاتصال، ونقل المعلومات لصالح جيش التحرير الوطني، حيث عُرف بالانضباط، وكتمان السر، والصلابة في الموقف، مع الإشارة إلى أن هذا التكريم الذي تم بحضور الأمين الولائي للمجاهدين وممثلي أسرة الشهيد العقيد سي الحواس وعدد من مجاهدي وشهداء المنطقة، جسّد معنى الاعتراف بالجميل، ورسّخ قناعة أن الوطن لا ينسى أبناءه.
تكريم الذاكرة.. مسؤولية مستمرة
أكد محدث “المساء” على أهمية استحضار مآثر الثورة التحريرية في مثل هذه المناسبة التي لم يقتصر فيها التكريم على المجاهد "حشاني بن مبارك"، والذي شمل مجاهدين أحياء ومتوفين، وأسر الشهداء، مضيفا أن الرسالة واضحة لتأكيد أن الذاكرة الوطنية ليست مِلك جيل دون آخر، بل مسؤولية جماعية، تستوجب الرعاية، والتثمين، والتوثيق. وجسّد هذا اللقاء معنى عميقًا، حيث إن التاريخ ليس ماضيًا يُستحضر في المناسبات فقط، بل رصيد أخلاقي ومعنوي يُلزم الحاضر، ويؤطر المستقبل. فالأمم التي تحفظ ذاكرتها ـ مثل ما أوضح أمين القسمة الذي استطرد يقول ـ "هي وحدها القادرة على مواجهة التحديات بثبات، ووعي".