غليزان تعيد ترتيب أولوياتها التنموية
حين تتحول الأرقام إلى واقع
- 134
نور الدين واضح
لم يكن 2025 عاما عاديا في الذاكرة التنموية لولاية غليزان. فبعد سنوات من التراكمات، والانتظار الطويل، والاختلالات القطاعية، دخلت مرحلة جديدة عنوانها "الانتقال من منطق المشاريع المجزَّأة إلى رؤية تنموية شاملة"، تعتمد على الأرقام الدقيقة، والاستثمار العمومي الموجّه، وربط التنمية بالعدالة الاجتماعية. وما تحقق خلال هذا العام لم يبق حبيس الجداول والتقارير، بل تجسّد ميدانيًا في أحياء جديدة، وورشات مفتوحة، ومرافق دخلت حيّز الخدمة، ومؤشرات وطنية، وضعت غليزان في مراتب متقدمة. من الغاز الطبيعي إلى السكن، ومن المدرسة إلى الجامعة، ومن السكك الحديدية إلى الاستثمار والرياضة، رسمت غليزان خلال 2025 ملامح ولاية تسعى لترسيخ موقعها كقطب تنموي فعلي في الغرب الجزائري.
الغاز يصل أخيرًا إلى أعالي البلديات النائية
في بلديات دار بن عبد الله، بني زنطيس، الولجة والحاسي، لم يعد الغاز الطبيعي مجرد مطلب اجتماعي مؤجل؛ فمع رصد غلاف مالي قُدّر بـ1.23 مليار دينار جزائري انطلقت أشغال ربط هذه المناطق بالشبكة الوطنية، في خطوة وُصفت من قبل السكان بـ"التحول الحقيقي في نمط العيش". وببلدية بني زنطيس وحدها ينتظر أكثر من 800 مسكن الاستفادة من هذا المشروع الذي انطلقت أشغاله رسميًا في نوفمبر 2025 بداية بتحديد المسالك التقنية؛ تمهيدًا لمد قنوات النقل، والتوزيع. ويؤكد القائمون على القطاع أن العملية تندرج ضمن مخطط شامل، يهدف إلى بلوغ تغطية شبه كاملة بالغاز الطبيعي عبر كامل الولاية، وإنهاء معاناة دامت سنوات مع قارورات غاز البوتان.
المدرسة تحصد ثمار الاستقرار والدعم
في المؤسسات التربوية عبر مختلف بلديات الولاية، كانت نتائج شهادة البكالوريا لسنة 2025، بمثابة تتويج لمسار طويل من الإصلاح والدعم. فقد احتلت غليزان المرتبة الثانية وطنيًا بنسبة نجاح بلغت 62.09%. وهي نتيجة لم تأت من فراغ. الوجبات الساخنة، النقل المدرسي، توظيف التأطير التربوي، وتحسين الهياكل القاعدية… كلها عوامل، ساهمت في توفير مناخ دراسي مستقر، خاصة في المناطق الريفية؛ ما انعكس إيجابًا على مردود التلاميذ، وأعاد الثقة في المدرسة العمومية.
الجامعة.. من فضاء للتكوين إلى شريك في التنمية
داخل الحرم الجامعي تتجلى معالم تحول آخر. فجامعة غليزان التي احتفلت في ديسمبر 2025 بالذكرى الخامسة لتأسيسها، شهدت خلال العام نفسه إعادة الاعتبار لألف مقعد بيداغوجي في إطار تحسين ظروف التكوين والاستقبال. ولعل المشروع الأبرز يتمثل في إنشاء ملحق للمدرسة العليا للأساتذة، الذي سيوفر تكوينًا متخصصًا في الأطوار الثلاثة، ويستقطب نحو 600 طالب من ست ولايات، ما يمنح الجامعة بعدًا جهويًا. كما تواصل دار المقاولاتية بجامعة الشهيد أحمد زبانة، مرافقة الطلبة والخريجين في تجسيد مشاريعهم بالتنسيق مع أجهزة الدعم؛ على غرار وكالة "ناسدا"، مع تثمين الابتكارات العلمية التي برزت خلال السنة.
السكن ورشات مفتوحة على امتداد الولاية
في القطب الحضري الجديد ببلدية بلعسل بوزقزة، تتحرك الجرافات على مساحة شاسعة تمتد لـ440 هكتار. هنا يُرسم مستقبل عمراني جديد بطاقة تفوق 31 ألف وحدة سكنية بمختلف الصيغ، ترافقها مرافق عمومية متكاملة. كما شهد عام 2025 وضع حجر الأساس لـ1500 وحدة "عدل 3" كمرحلة أولى من برنامج أوسع، إلى جانب برمجة 10 آلاف وحدة سكنية بالقطب الحضري وادي رهيو، والإفراج عن قائمة 400 سكن اجتماعي خلال شهر أفريل. وأعادت السلطات بعث مشاريع متعثرة منذ سنوات؛ على غرار 80 سكنا ترقويا مدعّما ببلدية بن داود، في وقت تم تخصيص 2000 إعانة للسكن الريفي، مع تسهيلات إدارية استثنائية لمواجهة الضغط المسجل على العقار، وارتفاع الطلبات التي قاربت 90 ألف ملف.
السكك والطرقات.. غليزان على خارطة الربط الوطني
على مستوى البنية التحتية، تقترب أشغال السكة الحديدية واد سلي – يلّل (93 كلم) من نهايتها، بنسبة إنجاز قاربت 95%، مع توقع استلامها قريبا. مشروع يُنتظر أن يخفف الضغط عن الطرقات، ويعزز النقل اللوجستي. وبالتوازي، تتواصل أشغال الربط بالسكة الحديدية غليزان - تيسمسيلت - تيارت بطول 185 كلم، فيما رُصد غلاف مالي يفوق 5.3 ملايير دينار؛ لتحسين شبكة الطرق والمسالك الريفية؛ ما فك العزلة عن عدة مناطق فلاحية.
الطاقة والاستثمار والرقمنة.. ملامح اقتصاد جديد
في إطار التحول الطاقوي تم برمجة 300 نقطة شحن للسيارات الكهربائية عبر المحاور الكبرى، في وقت يعبر أنبوب الغاز الاستراتيجي MED-GZ4 إقليم الولاية على مسافة 75 كلم. واستثماريّاً، شكّل استرجاع أكثر من 162 هكتار من العقار الصناعي غير المستغل، خطوة مفصلية لإعادة بعث المشاريع المجمدة، ومنح الفرصة لمستثمرين حقيقيين. أما في قطاع العدالة فقد دخلت الرقمنة مرحلة متقدمة، مع تفعيل الشباك الإلكتروني، واعتماد التوقيع الرقمي؛ ما سهّل الإجراءات، وقرّب الخدمة من المواطن.
الرياضة.. حين يصبح الدعم رسالة اعتراف
في مشهد احتفالي جامع، أشرف والي غليزان كمال بركان، مؤخرا، على حفل تكريم الرياضيين، والفرق المتألقة بحضور مختلف السلطات. حفل لم يكن شكليًا، بل تُرجم بإعانات مالية معتبرة، شملت سريع غليزان، وآفاق غليزان، والاتحاد الرياضي لسيدي امحمد بن علي، وفرق كرة اليد وشباب وادي رهيو، إلى جانب دعم لوجستي، وتجهيزات. غليزان في 2025 لم تكتف بتسجيل أرقام قياسية، بل نجحت في تحويلها إلى منجزات ملموسة على الأرض. وبين ورشات مفتوحة، ومشاريع مستلمة، وآفاق واعدة تبدو الولاية وهي ترسخ مسارًا تنمويًا جديدًا، عنوانه "التخطيط والعدالة والاستدامة".