العديد من محلاتهم موصدة

حرفيون يكابدون صعوبة البقاء في القصبة العتيقة

حرفيون يكابدون صعوبة البقاء في القصبة العتيقة
  • القراءات: 752
حنان. س حنان. س

تحمل تسمية القصبة العتيقة مرادفات كثيرة علقت في الأذهان لعقود لعل أهمها ارتباط ذاكرة المكان بالحرفة اليدوية الأصيلة، وخير دليل على ذلك، اصطفاف العديد من المحلات لحرفيين يزاولون حرفا مازالت تكابد صعوبة البقاء بسبب الاستيراد العشوائي للسلع من جهة، وعزوف الجيل الجديد عن تلقي مهارات صنعة يدوية، من جهة أخرى. في المكان المعروف لدى العام والخاص بتسمية "زوج عيون" بالقصبة السفلى، زارت "المساء" محل الحرفي في الأفرشة التقليدية أو ‘الطرّاح’ مثلما يعرف تقليديا الجيلالي سحبان، سألناه إن كانت حرفته هذه صامدة أمام الزخم الكبير من المفروشات المستوردة بأسعارها المغرية، فأجاب بالإيجاب وحجته في ذلك؛ إقبال ربات الأسر على تفضيل الصنعة اليدوية كونها أصلية تتقادم ولا تهترىء بسرعة، كحال الكثير من المفروشات المستوردة.

وعن سبب غلق الكثير من المحلات لحرفيين في نفس المكان، أجاب بالقول؛ إن تراجع الأمن أعاق الكثير عن العمل بأريحية، إلى جانب تهاوي الكثير من البنايات القديمة، مما أدى إلى تراجع عدد ‘الصنايعيّة’. وتأسف المتحدث عن مسألة حساسة اعتبرها ضربة قد تقضي على حرفته، وهي عزوف الشباب عن تعلم فنونها، يقول: "أمارس حرفتي كطرّاح منذ 60 سنة، تتلمذ على يدي 3 صْنايعيّة فقط، أما الشباب فيحبون الربح السريع.. وأصدقكم قولا أن المكان هو من يخدمنا، فمجرد نطق كلمة ‘القصبة’ يبدأ الزائر في البحث عن حرفيين بها".

وفي نفس المكان، ولجنا دكانا صغيرا للحرفي في صناعة الأحذية، وجدناه غارقا في إكمال سلسلة من الأحذية الموجهة للتسويق محليا، قال عبد الرحمان وهو يكمل عمله، بأن غيرته على صنعته فقط من تمنحه قوة العمل اليدوي، فلأسباب كثيرة تراجعت الصناعة التقليدية في القصبة السفلى، ويقول إنه كربّ أسرة من خمسة أفراد عليه الكد في العمل، "لكنني أعمل دون تغطية اجتماعية، ولا أملك سجلا تجاريا، سعيت كثيرا إلى تسوية وضعيتي، لكن عراقيل بيروقراطية كثيرة حالت دون تحقيق ذلك".

وعن صمود حرفته أمام ما تعرضه الأسواق التجارية من زخم كبير في السلع على اختلافها، يقول عبد الرحمان: "أنا من مقامي هذا، أطلب من السلطات المعنية إيقاف الاستيراد العشوائي لكل السلع التي تنتج محليا، نحن نعمل بكد حتى نضمن حياة كريمة، لكن المستورد قضى على الحرفي، أضف إلى ذلك أن الأحذية المستوردة خاصة من الصين، تسبب أمراضا جلدية". أما عن المكان ومدى تأثيره إيجابيا على تجارته، فقال: "القصبة كانت بكْري.. لو فقط يعطونها قيمتها الحقيقة، لكانت متحفا على الهواء الطلق، ولو أن السلطات المعنية تدعم الحرفيين في المكان، صدقوني، لن يكون للزّوالي مكان في الجزائر".

من جهته، تحدث إلينا الحرفي في صناعة الجلود، مصطفى بولعشب بلهجة المتحامل على وزارة الثقافة التي حوّلت بناء كان موجها لأن يكون دارا للحرفيين بالقصبة السفلى، ويصبح قصرا للزخرفة والمنمنمات، وأردف يقول:« أنا أتأسف حقيقة لما آلت إليه أوضاع الحرفيين في هذا المكان الذي يروي حكايات تغوص في ذاكرة التاريخ العميقة، إنه متحف حقيقي، فبمجرد النطق بكلمة القصبة يتراءى لنا التاريخ القديم.. لكننا نزاول حرفتنا ‘بالنيف برْك".. سألناه عن عدد الحرفيين المزاولين، فقال قبيل سنوات فقط كان حوالي 20 حرفيا في الجلود والنحاس.. اليوم يوجد حرفي واحد في كل حرفة لا غير، والقول بدعم السلطات للحرفيين فهو للتسويق الإعلامي في المناسبات لا غير".

أما الدعم الذي يطالب به حرفي في النحاس تحدث إلينا، فيشمل توفير المادة الأولية لا غير، ويقول: "كما ترين الدكاكين صغيرة ولكن والحمد لله نزاول مهنتنا اليدوية كوننا نحبها.. تعلمناها في صغرنا ولا يمكن أن نحيد عنها في كبرنا، ولا نطلب أي شيء من السلطات سوى توفير المادة الأولية، صحيح أننا حاولنا مرارا تسوية وضعيتنا، لكن عراقيل إدارية كثيرة حالت دون تحقيق ذلك، اليوم نعمل لأن الغيرة عن موروثنا التقليدي هو الذي يحفزنا".