بسكرة تجمع الاسترخاء، العلاج والطبيعة العذراء

تجربة سياحية متوازنة بـ"لؤلؤة الزيبان"

تجربة سياحية متوازنة بـ"لؤلؤة الزيبان"
  • 223
نورالدين العابد نورالدين العابد

تقع ولاية بسكرة، شمال الصحراء الكبرى، وتُعرف بـ"بوابة الصحراء"، نظرا لوقوعها عند حافتها الشمالية، حيث نشأت في قلب واحة غنية بالنخيل، تمتد لآلاف الهكتارات، ومليئة بالزيتون والقمح والحمضيات، وتتميز بمناخ شبه جاف، صيفها شديد الحرارة، قد تتجاوز 40 درجة مئوية، وشتاؤها عذب معتدل بين 16 و21 درجة. وتعرف بسكرة بـ«لؤلؤة الزيبان"، حيث تبقى إحدى الوجهات التي تمتاز بسياحة متوازنة، تجمع بين الاستجمام في الطبيعة العذراء، والعلاج والتداوي.

تتشكل واحة بسكرة، عبر وادي بسكرة المغذي بالمياه الجوفية، والواقع عند سفح جبال الأوراس، تنبت فيها أصناف مختلفة من النخيل، أبرزها "دقلة نور"، التي تحظى بشهرة عالمية لمذاقها وجودتها، وتحتفل المنطقة بمهرجان سنوي خلال أكتوبر، الذي ينذر بحصاد وفير من التمور، ويشهد المعرض عروضا فنية ومنافسات في فنون الطبخ وأجنحة حرفية. كما توفر الواحة أيضا، طبق "الشخشوخة البسكرية" المتميزة، يتناولها الضيف تحت ظلال بساتين النخيل، إلى جانب بيئة طبيعية غنية بأنواع الطيور وسلاسل نباتية، تعكس تناقضات خلابة مع الصحراء الشاسعة.

تعد ينابيع "حَمام الصالحين"، الواقعة على بعد 7 كم شمال غرب بسكرة، من المعالم الأثرية والعلاجية البارزة، استُخدمت منذ العصر الروماني، لعلاج الروماتيزم ومشاكل الجلد، وتتراوح حرارتها بين 43 و50 درجة مئوية، وقد أنشأ بالقرب من الموقع، منتجع سياحي حديث، يضم حمامات، مسابح ومرافق أخرى، ويعتبر من أشهر منتجعات العلاج بالينابيع في الجزائر.

تداخل الطبيعة مع الحضارة.. حديقة "لاندو" نموذج

أما حديقة "لاندو"، فمن الفضاءات العمومية التي تفتح ذراعيها لاستقبال ضيوفها من الزائرين، من داخل بسكرة وخارجها، حيث أنشأها الكونت ألبرت لندن عام 1872، وتضم نباتات متنوعة من أوروبا وأماكن استجمام متعددة، وبحيرات بجانب النخيل، ومساحات خضراء، روضات أطفال وممرات للمشي، ويعد هذا المكان المفضل للعائلات، والمصورين والباحثين عن الراحة والاستجمام.

وقد تميزت الفترة الأخيرة، بطفرة نوعية في مجال تهيئة الحدائق العامة، حيث تم تدشين العديد من تلك الفضاءات التي توفر الراحة للمواطن. وقد سهر القائمون على هذه المشاريع، على إضفاء الطابع العصري لها، من خلال الإنارة الكثيفة والمساحات الخضراء، ناهيك عن النافورات المنتشرة عبر تلك الحدائق العامة. تتوسط مدينة بسكرة، حديقة "5 جويلية" الشهيرة، وهو فضاء يستقطب المئات من العائلات والوافدين إلى عاصمة الولاية، حيث يكتشفون أشجارا باسقة تعود إلى مئات السنين، وسواقي الري المتناسقة، والكثير من المواقع التي تبهر زائر هذا الفضاء السياحي.

"منبع الغزلان"، القصبة وقلعة القصار

يستقطب سد "منبع الغزلان"، الواقع بالجهة الشمالية لعاصمة الولاية، العديد من المواطنين الباحثين عن الراحة والاستجمام، وحتى المولعين بصيد الأسماك، حيث يجدون ضالتهم بالتمتع بزرقة مياهه، حيث يتميز هذا الفضاء، بشساعة مساحته وبساتين النخيل المحيطة به، فضلا عن قربه من محلات بيع منتجات الصناعات التقليدية التي تشتهر بها المنطقة.

كما تعد قلعة "القصار"، معلما تاريخيا تحول إلى تجمع ثقافي، يضم متحفا يبرز تاريخ المدينة ويبرز الآثار المتواجدة بها، حيث تدور حولها جولات سياحية تشمل ركوب الجِمال وزوارق على وادي الرميل، فضلا عن فعاليات، مثل مهرجان الموسيقى، تحت سقف مفتوح. يعد مسجد "الفاتح عبد عقبة ابن نافع الفهري"، تحفة معمارية ذات طابع إسلامي، آية في الجمال، ويحتوي على باب "طبنة"، التي تمثل تحفة فنية تعود إلى العهد الصنهاجي، وقد صنف هذا المسجد والباب القديم "طبنة" كتراث ثقافي وطني.  

"زقاق مصطفى بن رمضان" ومهرجان التمور

يعد السوق المركزي "زقاق مصطفى بن رمضان"، وجهة تعج بالمتسوقين، إذ تجد التوابل، التمور، الأقمشة التقليدية، الحرف اليدوية.. وغيرها من السلع والمنتجات الأخرى، التي تحتاجها العائلات البسكرية، حيث تعد تجربة أصيلة للتسوق المحلي والتفاعل الاجتماعي مع الباعة.

كما يعرف شهر أكتوبر من كل سنة، إقامة عدة عروض فنية ومنافسات، ومهرجانات، ولعلى أبرز الأنشطة المقامة خلال تلك الفترة، معرض "طولقة للتمور"، الذي يشهد زيارة سفراء من عدة بلدان أجنبية، ورجال أعمال ومصدرين، للمشاركة في هذا الحدث السنوي، إذ يجد الضيوف كل الترحاب، وهي فرصة لعقد صفقات بيع وشراء وتصدير هذا المنتوج الاستراتيجي.

"الوادي المعلق" ضمن الرحلات الصحراوية 

يقع "الوادي المعلق"، على الطريق نحو باتنة، ويتميز ببيئة طبيعية ساحرة وجبال منحوتة وقلاع منحوتة بالأحياء الصخرية، تعود لعصور وحضارات متعاقبة، وتلهم الفضوليون وتشبع عيون الناظرين لهذه الطبيعة الفريدة من نوعها، التي لا نجدها سوى في أمريكا "الكانيون". يكتشف السائح، على بعد نحو ساعة من مدينة بسكرة شمالا، بلدية القنطرة، التي تحتوي على جسر روماني مشهور وخط امتداد قديم للقوافل، اشتقت منه تسمية هذه البلدية، إلى جانب تحف أثرية متناثرة تشكل متحفا مفتوحا في أحضان الجبال والصحراء، تعد تجربة بصرية وثقافية فريدة.

وتقع على بعد 35 كلم غرب بسكرة، بلدية طولقة، التي تشتهر بتمورها، خاصة "دقلة نور"، ومياهها الجوفية التي تستغل من خلال الآبار الارتوازية، وتنتعش فيها الحركة التجارية خلال فصل الخريف، حيث تنضج ثمار "دقلة نور"، التي يقتنيها الزبائن وينتظر موسم قطفها. كما تتواجد بالمنطقة، الكثير من المعالم الأثرية التي تستقطب السياح الوافدين إليها من عدة ولايات، من بينها "الميدة" الواقعة ببلدية ليشانة، حيث يكتشف الزائر فيها آثارا رومانية، تعكس اعتماد هؤلاء على الحجارة بهذه التلة الصخرية، لبناء قصور وبنايات لا تزال إلى اليوم، شاهدة على تاريخ المنطقة. 

المطبخ المحلي

أما المطبخ البسكري، فهو خليط مميز بين الوجبات التقليدية والعصرية، حيث يتلهف السائح لتذوق الوجبات التقليدية تحديدا، من بينها "الدوبارة البسكرية، التشيشة، الشخشوخة، والكسكسي".. وغيرها من الأكلات الشعبية التي تشتهر بها المنطقة. وتعد "الدوبارة" على سبيل المثال، وصفة تقليدية تعرف إقبال الكثير من المستهلكين عليها، فهي مزيج من الفول والحمص والتوابل، مع مختلف أنواع البهارات، وهي مشهورة جدا وتعتبر من وجبات الزوالي والغني، وترسل أيضا خلال شهر رمضان إلى عواصم أوروبية. كما يقدم "المقروط"، أو كما يعرف على المستوى المحلي، بـ«حلوى التمر"، غالبا في البيوت أو المناسبات، حيث تبدع ربات البيوت في تحضير هذا النوع من الحلويات التقليدية، التي يستمتع بطعمها الضيوف.  

وسائل نقل متنوعة تواكب النشاط السياحي

يعتبر مطار "محمد خيضر" ببسكرة، إحدى هياكل النقل، الذي يربط عاصمة الولاية بالمدن الداخلية الكبرى والعالمية، وتضاف إلى ذلك، خطوط نقل عبر القطار نحو قسنطينة وتوقرت، فضلا عن سيارات وحافلات نقل المسافرين. فيما تتواجد داخل المدينة، سيارات أجرة وحافلات النقل الحضري.

تتراوح الإقامة بعاصمة "الزيبان"، بين فنادق فاخرة، ومراكز سياحية، على غرار حمام "سيدي يحى" الذي يوفر الكثير من المتعة للزائرين والمقيمين، والقرية السياحية التي تستهوي العائلات والأطفال الباحثين عن وسائل الترفيه، وهي مرافق سياحية وتجارية، تشمل حدائق "أكوابارك"، وأسواق وفضاءات استجمام. كما تبقى أفضل الأوقات لزيارة الولاية، في فصلي الربيع والخريف، باعتبارهما معتدلين، وتبلغ درجة الحرارة فيهما 30 درجة مئوية.

تبقى بسكرة وجهة سياحية متنوعة، تشمل الجانب الطبيعي بواحة ضخمة، ينابيع علاجية، وديان وجبال تضيف بعداً جغرافيا ونفسيا، إلى جانب تراثها الثقافي الذي يتميز بآثار تعود إلى عهود رومانية، عثمانية وإسلامية، أضفت على المنطقة طابعا متميزا. فهي بحق مزيج متناغم بين "خلطة الواحة والصحراء"، تمنح الزائر تجربة كاملة بين الراحة العلاجية، التفاعل مع السكان المحليين، والرحلات الممتعة في قلب الطبيعة الصحراوية.