بعد مادة الخبز، الحليب يدخل "المساومة"
تجار يرفعون سعر الحليب المدعم بـ"التحايل"
- 1187
هدى. ن
❊ حليب الأكياس يباع بـ 30 دينارا
❊ التجار: نسعى إلى رفع هامش الربح
❊ المواطن: نحن رهينة أمر واقع فرضه التجار
❊ الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين: على الجهة الوصية التحرك لمنع استفحال الظاهرة
❊ بقرار صادر عن رئيس الجمهورية سنة 2022: رفع هامش ربح موزعي التجزئة من 0.90 دينار إلى 2 دينار عن كل كيس حليب
❊ مسير شركة بطوش: لا ندرة في مادة الحليب
يشترط عدد من تجار التجزئة على المستهلك، دفع 10 دنانير إضافية عند شراء الحليب المبستر، مقابلا عن كيس التوضيب، وهو ما يكلف المستهلك دينارين أو أكثر عن كل كيس حليب مدعم. ما أخرج هذه المادة الغذائية المقننة السعر، عن نطاق الدعم، وجاءت في ظل اتخاذ رئيس الجمهورية قرارا في ماي 2022، يقضي بمضاعفة هامش ربح موزعي الحليب إلى الضعف. ويصف رئيس ديوان الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين الممارسة المذكورة، بالتحايل، وحسبه، فإن البيع المشروط يتعارض مع القانون والشرع، مما يستدعي تحرك وزارة التجارة، حتى لا تعمم الظاهرة، مثلما هو حاصل بالنسبة لمادة الخبز.
تمكنت المصالح المختصة، من وضع حد للمضاربة بمادة الحليب المدعم، بعد أن كان محل استنزاف لصالح صناعة مشتقات الحليب، واستغلال من قبل المقاهي. ورغم الإجراءات الردعية التي مكنت السلطات المعنية، من وضع اليد على أهم أسباب ندرة الحليب، تم تسجيل نوع من النقص في التموين هنا وهناك، اتضح أن وراءه موزعو التجزئة الذين يمتنعون عن تسويق هذه المادة، رغم وفرتها في المصانع، وكانت حجتهم في ذلك، مشكلة هامش الربح الذي يجنونه من وراء هذه التجارة.
التجار يعترفون ويبررون
تعرف المواد المدعمة من قبل الدولة لصالح المواطن والمقننة أسعارها بمراسيم تنفيذية، عمليات مساس تطال حق المواطن في الحصول على الدعم المخصص له، وبعد ظهور الممارسات غير القانونية التي لجأ إليها الخبازون لرفع سعر رغيف الخبز، وفرضهم أسعارا وفق أهوائهم، يأتي الدور الآن على مادة الحليب المدعم الذي انتقل إليه أسلوب "المساومة". وهو سلوك من نوع آخر، يقف وراءه موزعو التجزئة الذين ابتدعوا حيلة جديدة، باتوا يفرضونها على المواطن، للرفع من هامش ربحهم من بيع حليب الأكياس المبستر.
يعترف عدد من هؤلاء التجار في بعض أحياء العاصمة، بلجوئهم إلى فرض "تسعيرة" 10 دنانير إضافية، تفرض على الزبون عند كل عملية شراء لأكياس الحليب المدعم، ثمنا للكيس البلاستيكي المخصص للتعبئة.
وبعملية حسابية بسيطة، تكلف عملية اقتناء كيس أو كيسين من الحليب، الزبون، 10 دنانير إضافية، وفي حال شراء كيسين من الحليب، يصبح سعر الكيس الواحد 30 دينارا.
ويبرر التجار "فعلتهم" هذه، بالسعي إلى جني هامش ربح يرضيهم، لأن بيع الحليب يظل بالنسبة لهم عبئا إضافيا لا نشاطا تجاريا مربحا.
ويؤكد عدد منهم في هذا الصدد، أن تسويق الحليب لا يدر أية أرباح وإنما يجلب المتاعب، بسبب ما يصفونه بتدفق المواطنين على المحلات، وهي حجة يجدها مسير شركة "بطوش"، السيد حكيم بطوش في تصريح لـ«المساء"، لصالح التجار وليس العكس، فالحليب بالنسبة لمحدثنا يوسع دائرة ربح التاجر، لتدفق المستهلك على محله واقتنائه مشتريات أخرى مختلفة، مضيفا بالقول، إنه نظرا لوفرة الحليب في المصانع، أصبح على حد قوله: "ينادي على الزبون"، مشيرا في نفس السياق، إلى انتقال هامش ربح الموزعين إلى دينارين عن كل لتر، بعد أن كان أقل من ذلك بكثير.
المواطن يرضخ للأمر الواقع
يجد المواطن نفسه في كثير من الحالات -حسب تصريحات الكثيرين، أمام أمر واقع مفروض عليهم، ولا يسجل أغلبيتهم أي اعتراض يذكر، ويكتفي كثيرون بالاستفسار عن الأمر، كما أن عددا آخر من المواطنين لم يتفطنوا للأمر، خاصة الذين يقتنون مشترياتهم دفعة واحدة، ويكون دفع تكلفة الحليب مدرجا ضمن قائمة المشتريات.
وحسب شهادات أدلى بها عدد من المواطنين لـ«المساء"، فقد بات الأمر مفروضا ولا أحد يناقشه، لأن الذي لا يرضخ لما يفرضه التاجر يعود أدراجه.
وتقول إحدى المواطنات، بأنها بمجرد إقدامها على دفع ثمن 4 أكياس من الحليب، حتى فاجأها البائع بطلب عشرة دنانير إضافية، ثمن الكيس البلاستيكي المخصص لتعبئة أكياس الحليب، مضيفة أنها لم تبد أي اعتراض ودفعت الثمن المحدد منصرفة، بدون أي تعليق أو احتجاج عن ذلك.
إتحاد التجار: على الجهة الوصية التحرك قبل استفحال الظاهرة
وصف مدير ديوان الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين، عصام بدريسي، في تصريح لـ"المساء"، اشتراط بعض التجار على الزبون دفع 10 دنانير، ثمن الكيس المخصص لتوضيب أكياس الحليب المقتناة من محله، بـ«البيع المشروط"، وهو حسبه، "أسلوب لا يمت بصلة للقانون ولا بالشرع"، وهي سلوكيات قال بأنها "غير سوية"، و يتأسف لها تنظيمه، وسيسعى للقضاء عليها، كما دعا محدث "المساء" في هذا الإطار، أجهزة الرقابة للتحرك من أجل منع انتشار الظاهرة، وضرب الذين يقفون وراءها بيد من حديد، لأن الحليب مدعم ولا يمكن المساس بسعره-على حد قوله-.
ووصف ممثل الاتحاد هذا النوع من التجار، بالمحتالين والدخلاء على النشاط التجاري، وذهب بالقول إلى أنهم قد لا يحوزون على سجلات تجارية، والتاجر النزيه والحقيقي لا يمكنه ممارسة هذه الأمور الدنيئة، مضيفا أن الزبون يظل رأس مال التاجر، والأكثر من ذلك، فإن مادة الحليب هي مادة من بين الف مادة أخرى يتم اقتناؤها من المحلات، وما لا يبرر، حسبه، إقدام التجار على الممارسة المذكورة، اتخاذ رئيس الجمهورية قرار رفع هامش موزعي الحليب إلى الضعف.
ويقول السيد بدريسي، بأن الاتحاد من خلال توجهه ورؤيته، يسعى إلى أخلقة العمل التجاري وتهذيبه وتعزيز الثقة بين المواطن والتاجر، مشددا على ضرورة عدم التغاضي عن مثل هذه الممارسات، قائلا: "نحن كاتحاد، نحذر منها ونحاول إيجاد الحلول الكفيلة لمنع حدوثها، وحتى لا تعمم ويجب تحريك أجهزة الرقابة، لأنه لا يجب التغاضي عن مثل هذه التصرفات...".
ارتفاع هامش ربح الموزعين إلى الضعف في 2022
حدد المرسوم التنفيذي رقم 01 ـ50 المؤرخ في 12 فيفري 2001، حسب النص الذي اطلعت عليه "المساء"، سعر بيع الحليب في رصيف المصنع بـ 23.25 دينارا للتر الواحد، وحدد ربح التوزيع بالجملة بـ0.75 دينار للتر الواحد، وسعر بيع المنتوج المسلم للبائع بالتجزئة بـ 24.10 دينارا، كما حدد ربح التوزيع بالتجزئة بـ 0.90 دينار للتر، والسعر الموجه للمستهلك بـ 25 دينارا.
وبقيت الأسعار المرتبطة بهوامش الربح المذكورة، سارية المفعول لمدة تفوق 22 سنة، اعتبارا من سنة 2001 إلى غاية ماي 2022، وهو التاريخ الذي اتخذ فيه رئيس الجمهورية قرارا، يقضي بمضاعفة هامش ربح الموزعين، مع الإبقاء على السعر المقنن لمادة الحليب والمقدر بـ 25 دينارا للتر الواحد.
وصدر على ضوء قرار رئيس الجمهورية، الذي أعلن عنه خلال اجتماع مجلس الوزراء آنذاك، المرسوم التنفيذي رقم 22/ 186 المؤرخ في 15 ماي 2022، المتضمن رفع هوامش الربح لمختلف المتدخلين في إنتاج وتوزيع وتسويق الحليب المبستر الموضب في الأكياس.
ووفقا للمرسوم الجديد، الذي وقع عليه الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، في ـ 15 ماي 2022، ونشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 17 ماي من نفس السنة، فإن هامش ربح التوزيع بالجملة ارتفع إلى 2 دج عن كل كيس حليب، مقابل 0,75 دج سابقا، وارتفع هامش ربح التوزيع بالتجزئة إلى 2 دج، مقابل 0.90 دينار سابقا.
وحدد سعر البيع في رصيف المصنع بـ 21 دج، مقابل 23.35 دج منذ 2001، بينما حدد سعر بيع المنتوج المسلم للبائع بالتجزئة بـ23 دج، مقابل 24.1 دج سابقا، مع الحفاظ على سعر المستهلكين وهو 25 دج للتر الواحد.
وتعبر هذه الزيادات، في حقيقة الأمر، عن نفسها وتضع المواطن في الصورة حتى لا يعطى المجال للمحتالين للعب بحقه المشروع في الدعم، ويجد نفسه مع الوقت، أمام أمر واقع، مثلما هو الحال بالنسبة لمادة الخبز التي أخرجها المتلاعبون عن إطار الدعم.