نمت كالفطريات في السنوات الأخيرة

بومرداس وجهة الترقيات العقارية.. لكن بأي ثمن؟

بومرداس وجهة الترقيات العقارية.. لكن بأي ثمن؟
  • القراءات: 1754
حنان. س حنان. س

زادت الكثافة السكانية بولاية بومرداس في السنوات الأخيرة، ونمت معها المشاريع السكنية؛ ما أفرز ظهور أنماط جديدة من المجمعات السكنية، غابت معها الميزة التي طبعت عاصمة الصخرة السوداء لعقود، حيث غُيّب حاليا النمط العمراني الذي كان سائدا خلال السنوات الأولى بعد الاستقلال، ليترك مكانه للترقيات العقارية التي انتشرت كالفطريات إلى حد وصفها البعض بالموضة.

لم تعد ولاية بومرداس مجرد امتداد جغرافي للعاصمة الجزائر شرقا، بل أصبحت امتدادا سكانيا وسكنيا تترجمه عشرات المشاريع السكنية الجاري إنجازها سواء العامة أو الخاصة، فرغم وجود مشاريع تعود إلى القطاع العمومي وأهمها مشاريع عدل والترقوي العمومي والعمومي الإيجاري، إلا أن الترقيات العقارية الخاصة نمت في السنوات الخمس الأخيرة كالفطريات، إلى درجة أن المدخل الرئيس لمدينة بومرداس بالجهة الغربية قدوما من العاصمة على الطريق الوطني رقم 05، أضحى كله ترقيات عقارية خاصة، بها مئات الوحدات السكنية، منها حوالي 10 ترقيات عقارية يعود أمر إنجازها إلى بداية العقد الماضي، وعدد مماثل لترقيات أخرى معظمها قيد الإنجاز ظهرت في السنوات الخمس الأخيرة فقط، أهمها تلك الجاري إنجازها بالقرب من السكة الحديدية، وتحديدا ما بين حي التعاونيات ومحطة القطار لبومرداس مرورا بحي 1200 مسكن. هذه الأخيرة وإن اختلفت هندستها المعمارية إلا أن ميزتها واحدة، طوابق عليا غالبا ما تفوق 13 طابقا وتتشارك كذلك في التسميات، حيث كثيرا ما تتخذ تسمية المرقي العقاري نفسه، وحتى إن كان إنجاز مثل هذه المشاريع لا يخالف تنظيما ولا قانونا، إلا أن الملاحظ أن كل الترقيات العقارية سواء القديمة أو الجديدة، تفتقر لأدنى متطلبات العيش في المدينة، مثلما هو معروف، وأبسطها المساحات الخضراء أو حتى النمط العمراني الموحد بما يضفي جمالية على المدينة. بعض الترقيات العقارية يتم حاليا إنجازها بالقرب من الوادي، ولا داعي للخوض أكثر في تفاصيل خطورة ذلك.

نزعة.. وموضة

يقول وكيل عقاري متحدثا إلى «المساء» في هذا الموضوع، إن «الظاهرة حقيقية بدأت تغزو بومرداس سنوات قليلة بعد زلزال 2003، حينما سمحت السلطات بعد تعليمة استعجالية للحكومة باستغلال الأراضي الفلاحية لتشييد السكنات الجاهزة لإسكان المنكوبين، عرف الطلب على الوعاء العقاري ضغطا كبيرا قابله تسهيلات إدارية وبنكية في منح رخص البناء»، موضحا أنه تم استغلال التسهيلات من طرف بعض الأطراف لتشييد ترقيات عقارية بدون أي ضوابط بالنظر إلى سهولة الإنجاز والتسهيلات الممنوحة، «ما أفرز مدنا هجينة تفتقر لأدنى ضروريات الحياة».

في السياق، يقول محمد كوريباش رئيس المكتب الولائي للفيدرالية الوطنية للوكالات العقارية، إن الفوضى أصبحت سمة رسمية تطبع تشييد الترقيات العقارية الخاصة أو مثلما يسميها البعض إقامات خاصة، موضحا أن هذه «الظاهرة» بدأت تستفحل في السنوات الأخيرة في غياب معايير تضبط هذا السوق، يقول: «أعتقد أننا بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى، لتتدخل الدولة لضبط آلية وفقها يكون تسيير عقلاني للعقار». ويضيف: «فمن غير المعقول اليوم أن نرى بين عشية وضحاها عشرات الترقيات العقارية تنمو كالفطريات في غياب أدنى ضروريات العيش الكريم.. حاليا هناك عدد من الترقيات يجري إنجازها بالمدخل الغربي لمدينة بومرداس، توفر آلاف الوحدات السكنية، صحيح، ولكنها لا توفر روضة أطفال وابتدائيات، ولا يوجد بها مسجد أو على الأقل مصلى. اليوم توجد معايير تضبط سوق البناء ولكنها غير مطبقة في الميدان»، يقول الوكيل العقاري، مضيفا أن الترقيات العقارية الخاصة أصبحت موضة حقيقية، إلى درجة أنه أكد أن أحدهم كان يملك منزلا خاصا من أربع شقق، هدمه وأعاد مكانه بناء ترقية عقارية من عدة طوابق؛ ما مكنه من ربح الملايير، «ولا أحد بإمكانه التدخل بما أن الأرض ملكه.. فقط ليكتسب صفة مرق عقاري»..

الأمر نفسه أكده أحد أقدم المرقيين العقاريين ببومرداس، حينما قال إن الترقيات العقارية أصبحت اليوم «نزعة وموضة»؛ تظهر النزعة في مدى الإقبال الكبير للخواص على بناء ترقيات وإطلاق أسمائهم عليها، أغلب هؤلاء لا علاقة له بالعقار نهائيا، منهم تجار كانوا إلى وقت ما يبيعون القماش، وآخرون فلاحون، ومنهم مسيرون لسوق الفلاح، مثلما كان معروفا سابقا. هؤلاء استفادوا من ثقة الدولة واستغلوا التسهيلات التي وضعتها في مجال قطاع السكن للركض وراء تشييد ترقيات وجمع أموال الناس بسهولة. وحسب تأكيد الكثير من مواطني بومرداس، «فإن السعي وراء الربح السريع كان دافعهم الأول بعيدا عن أي ضوابط أو معايير».

ويقول نفس المرقي العقاري من جهة أخرى، وهو صاحب أقدم ترقية عقارية خاصة ببومرداس، إن فكرته في اعتبار الترقيات «نزعة وموضة»، مرجعها إلى كون الوافدين الجدد على مجال بناء الترقيات العقارية «يفاجأون» بالسيولة المالية الكبيرة مع أول مشروع، إذ قد تصل ـ حسب تأكيده ـ إلى 50 مليار سنتيم؛ «يعتبرون هذا المال فائدة رغم أنه موجّه لبناء سكنات الزبائن ممن دفعوا حق شققهم، فيبدأون بالمغامرة بشراء مشروع ثان وثالث وتجميع المال، ثم تظهر المشاكل، وفي الأخير يطالب الناس الدولة بالتدخل وإنصافهم»، متسائلا في هذا الصدد عن سبب عدم رمي السلطات بثقلها منذ البداية لتضع شروطا محددة تضبط سير الترقيات العقارية، وموضحا أن «أهم شرط يجب أن تفرضه هو إيكال هذه المشاريع لأهل الاختصاص؛ أي المرقين العقاريين المعتمَدين»، يضيف المتحدث.

وقد تكون أهم أسباب إقبال الناس على شراء شقق في الترقيات العقارية الخاصة، الشكل الخاص الذي يروّجه المرقي في مشروعه؛ «الديزاين» الجميل والعصري إلى جانب جمالية الإقامة وشكلها وألوانها، وحظيرة السيارات الخاصة بكل ساكن، إلى جانب شكل الشقة في حد ذاتها، المعتمد حاليا على الفضاء المفتوح للمطبخ على غرفة المعيشة، وغيرها من العوامل الأخرى التي جعلت الأسرة الجزائرية تفضّل خوض مغامرة شراء شقة الأحلام بالرغم من أن السعر الأدنى لشقة من ثلاثة غرف من مليار و500 مليون سنتيم إلى مليار و800 مليون سنتيم تبعا لمكان الإقامة. وهناك أيضا تسهيلات البنوك الخاصة والعمومية، التي جعلت من السهل جدا خوض نفس المغامرة بما أنها المموّل بآلاف الملايين من الدينارات.. ناهيك عن «ثقة» البعض في القطاع الخاص في كونه «يجري على مشروعه» بما يجعل «المشروع» بين يدي الزبون في وقت قصير، مقابل مشاريع عمومية بقيت تراوح مكانها لسنوات طويلة، وهذا الأمر فيه بعض الصحة والكثير من المغالطات.