رغم اختيارها ضمن مشروع "البلديات الخضراء"

بلدية غليزان تغرق في النفايات

بلدية غليزان تغرق في النفايات
  • القراءات: 911
نور الدين واضح نور الدين واضح

يتساءل المواطن بغليزان عن المقاييس التي تم اعتمادها لاختيار بلدية غليزان ضمن المشروع الوطني "البلديات الخضراء"، بعد أن اختارت وزارة الداخلية والجماعات المحلية، غليزان من ضمن البلديات الأربع النموذجية في المشروع الوطني المذكور، الذي سيتم بالتعاون مع وزارة التضامن الألمانية. وجاء هذا الاختيار بعد أن قدّمت بلدية غليزان عرضا حول استهلاك الطاقة الكهربائية بالبلدية خلال مشاركتها في ورشة إطلاق مشروع بالجزائر العاصمة، بالتعاون بين وزارة الداخلية ووزارة التضامن الألماني. وقد تم اختيار 4 ولايات نموذجية في ذلك، ويتعلق الأمر بغليزان، وبشار، والجلفة، وسوق أهراس.

يشتكى قاطنو أغلب أحياء عاصمة الولاية غليزان التي تَعدّ أكثر من 300 ألف نسمة، من الانتشار الكبير للنفايات المنزلية التي زادت خلال الأسابيع الأخيرة، وهذا قبل أسابيع قليلة عن حلول فترة الحر، حيث أصبحت تُرمى حتى أمام المؤسسات العمومية بما فيها التربوية، فسكان الأحياء الشرقية الشعبية على غرار شميريك، والنجاح، وسطال، وبالجهة المقابلة قرية سنافير، وبوشليل، والزراعية بالإضافة إلى زغلول، يضعون أنفسهم في خانة المتضررين أكثر من ظاهرة الانتشار الرهيب لهذه النفايات، حيث تحولت الأوعية العقارية المهملة إلى مكان لرمي مختلف أنواع الأكياس البلاستيكية. ويزداد الوضع خطورة مع إقدام بعض المواطنين على حرقها ليلا؛ حيث تغطي سحابة من الدخان الكثيف أرجاء واسعة منها، وهو ما يدفع السكان إلى مغادرة مساكنهم، فيما ينعكس كل ذلك سلبا على الرضّع، والأطفال، والمرضى المصابين بالربو والحساسية.

تدهور الوضع البيئي انعكس سلبا على حياة القاطنين

أكد عدد من السكان أنهم يضطرون في بعض الأحيان، لتوجيه مرضاهم إلى المستشفى؛ حيث يمكثون ساعات هناك؛ حتى يتحسن وضعهم الصحي. والغريب في الأمر أن الرمي العشوائي لمختلف النفايات المنزلية لا يستثني أي مكان؛ حيث امتد إلى المؤسسات التربوية، مثل ما يحدث بالقرب من إحدى المدارس الابتدائية بحي زغلول؛ حيث تحبس الرائحة الكريهة والدخان الكثيف الناتج عن حرق أكياس النفايات، أنفاس التلاميذ والمارين بهذا المكان.

وقد حاولت جمعية محلية عن طريق مراسلات رُفعت إلى السلطات المحلية، حملها على احتواء الوضع وتحويل الحاوية الحديدية التي لا تبعد إلا بأمتار قليلة عن الجدار الخارجي، ولكن بدون جدوى؛ إذ يتم رمي مئات الأطنان من النفايات، وتتفاقم الأمور لا سيما حين تتأخر المصالح المعنية في رفع الحاويات وإفراغها؛ إذ تبقى لعدة أيام.

واقع الانتشار الرهيب للنفايات يمتد إلى أحياء تصنَّف مجازا ضمن الراقية. والغريب في الظاهرة أن السلطات الولائية قامت منذ أشهر، بإطلاق عملية توزيع حاويات بلاستيكية كبيرة، شملت كل أحياء عاصمة الولاية، بما فيها حي برمادية الأكثر كثافة سكانية، والذي يقطنه نحو 30 ألف نسمة. وسارت الأمور كما يجب، وانخرط السكان في العملية، ولكن تأخر رفعها من قبل عمال النظافة، عجّل بإقدام بعض المواطنين على رمي هذه الحاويات بعيدا عن سكناتهم؛ باعتبار أنها كانت تمتلئ عن آخرها، وتُرمى "الأكياس" خارجها، وهو ما أفرز انتشارا كبيرا للروائح الكريهة، وأنواع الحشرات التي وجدت محيطا عفنا مساعدا على تكاثرها، بالإضافة إلى الكلاب المتشردة، خاصة بالأحياء الشعبية، وحي برمادية خصوصا.

وأمام هذا الوضع الكارثي، حاولت السلطات الولائية في نسخة طبق الأصل لما قام به الولاة السابقون، تنظيم حملات نظافة، ومنها التي اختارت لها وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، شعار "صيف السنا صيف الهنا"؛ حيث مسّت عددا من الأحياء لا سيما منها الواقعة بمداخل المدينة، ولكن بدون أن يكون لها وقع في تغيير الصورة السوداوية لواقع البيئة، خاصة أن المواطنين لم يستجيبوا للحملات، عدا بعض الجمعيات، التي لم يكن حضورها عمليا مؤثرا. وفي غضون ذلك أكد عدد من المواطنين، أن الوضع الكارثي لا تتحمله مصلحة النظافة وعمالها، بل يلقي جانبا كبيرا من المسؤولية على المواطنين، الذين يقومون بإخراج النفايات بعد مرور شاحنات الجمع، أو رميها في أي مكان، وهو ما أفرز في العديد من المرات، مشاحنات ومشاجرات بين سكان الأحياء، وصل بعضها إلى أروقة العدالة.

كميات كبيرة من مخلّفات الردوم والسلطات في موقف المتفرج

عبّرت مجموعة كبيرة من سكان الأحياء التي تشكلت بها جبال من الردوم الناتجة عن رمي الشاحنات مخلّفات إنجاز شبكات إيصال المياه الصالحة للشرب، أو تعبيد الطرقات ومختلف الشبكات الأخرى، بأحياء 5 جويلية، وعيسات إيدير، وزغلول، وسطال، وشميريك، عبّروا عن استيائهم من الوضع الكارثي الذي أصبح يميّز أحياءهم.

وأكدت مجموعة من سكان حي زغلول أن وعاء ما كان يُعرف سابقـــا بـ "حي الخضّارة " الفوضوي الذي هُدّم ورُحل سكانه إلى حي 630 سكن بحي شميريك، تحوّل إلى مكان مفضل لرمي مختلف مخلفات البناء والأتربة، من قبل أصحاب الشاحنات؛ ربحا للوقت، وهو ما عفّن الوضع أكثر، وشكل مفرغة عشوائية، شملت حتى المحلات التي وُزعت ومازالت مغلقة منذ تاريخ تسلّمها، بعد أن رفض تجار طريق "الركابة" استغلالها والنشاط بها، ومن بعدهم مجموعة من الشباب الذين استفادوا هم أيضا منها، بعد إلغاء قرارات استفادة الأوائل. وأضاف الناقمون عن الوضع أن حملات رفع الردوم والنفايات لم تُجد نفعا، وما إن يتمّ تنقيتها حتى تعود إلى وضعها السابق، مضيفين أنهم اتصلوا في أكثر من مرة، لحمل المصالح المعنية على ردع المخالفين، ولكن بدون أن تحرك ساكنا.

واقع هذه الحال المزرية ليس استثناء بالنسبة لسكان حي 5 جويلية أو زغلول، بل يمتد ليشمل أكبر وعاء عقاري بحي سطال؛ حيث أقدم مقاول منذ سنتين استفاد من مشروع تنقية وادي الصفا الفوضوي، على رمي حمولات مئات الشحنات من التربة العفنة التي تهدد حياة البيئة والسكان به. والأغرب في الأمر، أن تدخّل المواطنين لدى مديرية السكن ببلدية عاصمة الولاية، لم يغير شيئا! وقد حاولت جمعية الحي لفت انتباه المسؤولين إلى المشكل القائم عن طريق مراسلات، ولكن بدون جدوى، فيما امتدت ظاهرة رمي الردوم لتشمل أحياء شميريك الزراعية وبرمادية، في حين أجمع الكثيرون ممن فاتحتهم في الموضوع، على أن غياب الردع جعل الوضع يبقى قائما رغم أن عمليات الرمي تكون في ساعات النهار وفي توقيت عمل الإدارة. وطالبوا بتشديد المراقبة، مشرين إلى أحد الأوعية غير البعيد عن جسر برمادية، تحولت، مؤخرا، إلى مكب تُرمى فيه آلاف الأطنان من الرودوم والنفايات الهامدة.

مصالح الولاية تتهم البلدية بالتقاعس

أمام تفاقم الوضع البيئي بعاصمة مقر الولاية، أصدرت مصالح ديوان الوالي، مؤخرا، بيانا شديد اللهجة، جاء فيه أنه رغم رصد مبلغ مالي بـ 7 ملايير سنتم موجه لنظافة المحيط بمدينة غليزان، إلا أن مصالح البلدية تقاعست، وتعمدت، بشكل مفضوح، عدم القيام بمهامها، المتعلقة برفع القمامة والنفايات المنزلية عبر مختلف أحياء المنطقة بصفة دورية، لا سيما التأخر في استكمال الإجراءات الإدارية لاستغلال المبلغ المرصود في بداية جانفي 2021. وأضاف بيان مصالح الولاية: "نظرا لعدم القيام بالإجراءات اللازمة للتعاقد مع مؤسسة تسيير مراكز الردم التقني، والتي تعمل إلى حد الساعة بدون عقد وكذا التأخر في تعيين واختيار المؤسسات الخاصة برفع النفايات، هو بمثابة تخلّ واضح من قبل مصالح البلدية عن مهامها بصفة متعمدة لأهداف هدامة ومغرضة، أساسها إهمال مهمة أساسية، وهي النظافة العمومية".

وأمام هذا الوضع، طالب العديد من المواطنين بمحاسبة المسؤول عن تدهور الوضع البيئي، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحميل كل واحد مسؤوليته، بينما طالب البعض الآخر بإقالة رئيس المجلس الشعبي البلدي الحالي، ومحاسبته. للتذكير، فإن رئيس المجلس الشعبي البلدي الحالي، وُضع تحت الرقابة القضائية منذ أشهر، فيما عُلم نهاية الأسبوع الفارط، أن والي غليزان قام بعزل رئيس البلدية، فيما كلّف الأمين العام للدائرة، بمتابعة تسيير شؤون بلدية غليزان.