تطبيق إجراءات إلغاء التصديق على الوثائق المسلَّمة من الإدارات العمومية

بلديات العاصمة تلتزم بالإجراء وهيئات أخرى بين رافضة ومشترطة

بلديات العاصمة تلتزم بالإجراء وهيئات أخرى بين رافضة ومشترطة
  • القراءات: 791
م.أجاوت م.أجاوت
رغم دخول إجراء إلغاء الأحكام التنظيمية المتعلقة بالتصديق طبق الأصل على نسخ الوثائق المسلّمة من قبل الإدارات العمومية حيّز التنفيذ، بعد إدراجه في مرسوم تنفيذي في الجريدة الرسمية لشهر ديسمبر 2014، وهذا في إطار تسهيل تعامل المواطن مع الإدارة وتخفيف الملفات الإدارية، إلا أن هذا الإجراء الذي لقي ترحيبا كبيرا من المواطنين، لم تلتزم بمضمونه بشكل رسمي، بعض الهيئات والمصالح الإدارية العمومية لعدة أسباب، تتراوح بين الجهل بهذا الإجراء وعدم التبليغ به، إلى جانب عدم فهم مضامينه في غالب الأحيان.

وبما أن تطبيق إلغاء الأحكام التنظيمية المتعلقة بالتصديق طبق الأصل على نسخ الوثائق التي تسلّمها الإدارات العمومية، تتعامل به كل الجماعات المحلية (البلديات على وجه التحديد) منذ إقرار العمل به من قبل الوزير الأول عبد المالك سلال، فإن سياق فهم وتطبيق تدابير هذا الإجراء يختلف بين هيئة عمومية وأخرى على اختلاف طبيعة الخدمات التي توفرها، مما أحدث نوعا من الحرج والتساؤل من المواطنين عن التناقض المطروح في هذا الإطار.
وللتحقيق في هذا الموضوع، زارت "المساء" بعض بلديات العاصمة للاطلاع عن كثب على مدى التزامها بالتطبيق الفعلي لتدابير ومضمون هذا المرسوم، والاستفسار عن رأي المواطنين حول هذا الإجراء وانعكاساته الملموسة على تعاطيهم مع الإدارات العمومية.

البلديات تلتزم بتجسيد الإجراء وسط ارتياح المواطنين
وكانت محطتنا الأولى بلدية الكاليتوس بالولاية المنتدبة لبراقي، التي تُعد من أكبر البلديات على مستوى العاصمة من حيث الكثافة السكانية، حيث تأكدنا من شروعها في تجسيد إلغاء التصديق طبق الأصل على نسخ الوثائق الصادرة عن مختلف الإدارات العمومية، على غرار الوثائق الرسمية كبطاقات التعريف الوطنية ورخص السياقة وجوازات السفر والوثائق الصادرة عن الهيئات القضائية، كدعاوى تبليغ الأحكام... وغيرها.
وقد لاحظنا أن المواطنين الذين يقصدون مصلحة التصديق على الوثائق يكتفون فقط بتقديم الوثائق المستخرجة من مصالح الحالة المدنية، كشهادات الميلاد والإقامة وشهادات ثبوت الشخصية لإمضائها، وسط غياب تام لنسخ الوثائق المراد التصديق عليها، وهو ما يدل للوهلة الأولى على الالتزام بإلغاء الأحكام التنظيمية المتعلقة بالتصديق على نسخ طبق الأصل.
وأوضح أعوان شباك التصديق على الوثائق بمصلحة الحالة المدنية على مستوى بلدية الكاليتوس، أن هذا الإجراء معمول به، ولقي ترحيبا كبيرا من المواطنين، لاسيما أنه يجنّبهم مشاكل الانتظار والطوابير الطويلة وتعطيل مصالحهم، على خلاف ما كان عليه الأمر في السابق، موضحين أن هذا الإلغاء لم يقتنع به بعض الأفراد ولم يفهموا بعدُ مضامينه، إلى جانب تحجّجهم بضرورة التصديق على وثائقهم التي تشترطها بعض الهيئات العمومية، حسبهم. كما أضافوا أنهم يجدون أنفسهم مجبَرين على القيام بإجراء التصديق على نسخ طبق الأصل لبعض الوثائق، أمام الإلحاح الكبير لبعض المواطنين، خاصة فيما يتعلق بالوثائق الصادرة عن المصالح والهيئات الخاصة أو الوثائق التي ترفَق في الملفات الموجهة للقطاع الخاص، علما أن حوالي 90 بالمائة من الوافدين على البلدية - يؤكد أحد الموظفين - راضون بهذا الإجراء ويدعون إلى تعميمه حتى على القطاع الخاص.
واستحسن بعض الشباب والنساء الذين التقيناهم بالمصلحة، قرار إلغاء التصديق طبق الأصل على نسخ الوثائق المسلّمة من قبل الإدارات العمومية، مؤكدين أن ذلك سيخفف عليهم مشقة الوقوف في الطابور وقضاء وقت طويل للحصول على خدمات التصديق، التي تتطلب التجديد عند انتهاء صلاحيتها.
كما عبّر آخرون عن جهلهم بفحوى هذا الإجراء الإداري وعدم اقتناعهم به، مؤكدين أنهم يعتمدون على طلب خدمة التصديق على الوثائق لتفادي أي مشكل محتمل، لاسيما فيما يتعلق بالملفات الإدارية، لتفادي إلغائها أو ردها لسبب بسيط، يتعلق بغياب ختم التصديق، حسبما قال أحد الشباب.
وتقوم بلدية القبة، هي الأخرى، بتطبيق إجراءات إلغاء التصديق على نسخ الوثائق المسلَّمة من قبل المؤسسات العمومية، حيث وقفنا على ذلك أمام شبابيك التصديق والإمضاء التي تكاد تخلو من طالبي خدمات التصديق ما عدا أولئك الراغبين في إمضاء وثائقهم المستخرجة من البلدية، وهو ما أكده القائمون على تسيير مصلحة الحالة المدنية بهذه الجماعة المحلية.
وأوضح الأمين العام للبلدية السيد "حسان.ب" لـ "المساء"، أن مكتب التصديق بمصلحة الحالة المدنية ملتزم بتجسيد مضمون الإجراء الجديد منذ إدراجه في الجريدة الرسمية، نافيا تسجيل أي مشاكل أو عراقيل فيما يتعلق بهذه النقطة بالذات، ما عدا بعض الانشغالات البسيطة التي تتعلق بعدم اقتناع البعض من قاصدي البلدية بحقيقة هذا الإلغاء والنقاط التي يستهدفها بشكل دقيق، لاسيما فيما يتعلق بطبيعة الوثائق المقدَّمة أو الجهة التي تشترط ختم التصديق، بما فيها القطاع الخاص، الذي يبقى غير معني بذلك، حسب ذات المسؤول.
وأكد المتحدث أنه يتعين على المواطنين الاستفسار أكثر عن إلغاء هذه الخدمة العمومية الإدارية والاطلاع على خصوصياتها؛ باعتبارها أُدرجت في مرسوم تنفيذي قائم بذاته يحدد كيفيات وشروط إلغاء هذه المصادقة، مفيدا بأن مصالح بلدية القبة تسعى جاهدة لتبسيط هذه العملية وطلب توضيحات شاملة حول هذه النقطة الهامة، وهذا وفقما تم الاتفاق عليه خلال الاجتماع الأخير لرؤساء البلديات مع ولاية الجزائر.
وأضاف أن من جملة المقترحات التي تم رفعها خلال هذا الاجتماع، طلب تقديم صورة واضحة حول مضامين وشروط التجسيد الفعلي لقرار إلغاء هذا التصديق، مشيرا إلى أن المصالح الولائية تعهدت بإثراء هذا الإجراء أكثر وتبسيطه لفائدة كافة المواطنين.
ومن جهتها، ثمّنت بلدية الجزائر الوسطى العمل بإلغاء المصادقة على الوثائق الإدارية، وهو ساري المفعول بشكل عاديّ على مستوى البلدية، حسبما لمسناه من مسؤولي شباك التصديق، الذين أجمعوا على أن الإشكالية الوحيدة المطروحة تتمثل في بعض الجهات العمومية، التي تشترط التصديق في حالات استثنائية. وحسب رئيس مصلحة الحالة المدنية بلقاضي عبد الحميد، فإن البلدية تعمل على الالتزام بتجسيد هذا الإجراء الذي ارتاح له أغلب المواطنين، موضحا أنه رغم ذلك يبقى هذا الأمر ملتبسا وغير مفهوم لدى البعض، حيث لم تتحدد الرؤية - حسبه - في العمل بهذه النقطة عند بعض الإدارات العمومية، وأنه في الوقت الذي تتغاضى هيئات عن اشتراط ختم المصادقة، تبقى هيئات عمومية أخرى تشترط خدمة المصادقة، بدافع التحقق من أصل الوثيقة المقدَّمة؛ تفاديا لاحتمالات التزوير.
وأوضح بعض المواطنين الذين التقيناهم بالبلدية، أن هذا الإجراء يندرج في إطار التخفيف من أعباء الملفات الإدارية التي تتطلب التنقل الشخصي إلى البلدية للتصديق، داعين مصلحة التصديق إلى مواصلة تطبيق هذا الإجراء رغم أنه يجعلهم في مشكل حقيقي مع الإدارات والمؤسسات.

بنك الفلاحة والتنمية الريفية يلتزم بإجراءات الإلغاء
من جهة أخرى، قصدنا بعض الهيئات والمؤسسات البنكية والبريدية وحتى الخدماتية، للوقوف على مدى العمل بإلغاء التصديق من عدمه وقبول الوثائق الإدارية المسلَّمة من قبل الهيئات العمومية بدون حملها ختم المصادقة، حيث سجلنا آراء متباينة إلى حد بعيد في هذا الإطار، ومنها بنك الفلاحة والتنمية الريفية؛ باعتباره مؤسسة مالية عمومية تعمل بشكل مبدئي بقرار إلغاء التصديق على نسخ الوثائق، لاسيما المتعلقة ببطاقات التعريف الوطنية، ولكن في حالات عادية، خاصة في وثائق ملفات طلب فتح الحسابات البنكية.
وأوضح لـ "المساء" السيد فريد حموني نائب رئيس وكالة الجزائر العاصمة لبنك الفلاحة والتنمية الريفية الواقع بشارع العقيد عميروش، أن مصالحه تقبل إلى حد الساعة الوثائق غير المصادق عليها عند طلب فتح حساب بنكي على مستوى البنك، مشيرا إلى وجوب طلب ختم المصادقة في حالات استثنائية تخص عمليات التحويلات المالية أو الرهن أو سحب مبالغ مالية كبيرة، وهذا تفاديا لاحتمالات التزوير أو التلاعب.

الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية لا يعترف بالقانون
لكن في المقابل نجد أن الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية لا يعترف بهذا القانون، الذي يرمي إلى تسهيل الإجراءات الإدارية، حيث ذكر لنا مستخدمو وكالة الصندوق الكائنة بالقرب من محطة 2 ماي بسيدي امحمد، أنها تشترط التصديق على الوثائق الرسمية المقدمة لهيئاتها للتحقق من هوية المؤمَّنين اجتماعيا؛ لمنع أية محاولة لانتحال للشخصية أو تزوير الهويات؛ باعتبار أنه غالبا ما تسجَّل عدة حالات للتحايل فيما يخص المؤمّنين.

البنك الوطني الجزائري يطبّق نوعا آخر من التصديق
يبقى البنك الوطني الجزائري يطبّق نوعا آخر من التصديق على الوثائق المقدمة لمصالحه؛ سواء تعلّق الأمر بفتح حساب بنكي أو القيام بأعمال مالية أخرى، حيث يكتفي الأعوان المكلفون بمتابعة العمليات المالية بطلب اطلاعهم على الوثيقة الأصلية بالعين المجردة، للتأكد من المعلومات أو الهوية في حالة عدم ظهورها بشكل جيد على النسخة المصوّرة. وترى مسؤولة مصلحة مشروع رأس المال الاستثماري بالبنك المذكور، أن هذه المؤسسة المالية العمومية لم تصلها مراسلات من الجهات الرسمية للعمل بمضمون هذا الإجراء.

مؤسسة البريد المركزي مع الإجراء.. ولكن...
نفس الإجراء تقوم به مؤسسة البريد المركزي التي تعمل على قبول وثائق إدارية غير مصادق عليها لكن في حالات معيّنة، تتمثل - حسب أحد الأعوان المكلفين بالتخليص - في حالات فتح حسابات البريد الجاري أو سحب مبالغ مالية تقل قيمتها عن 100 ألف دينار، إلى جانب حالات أخرى تبقى استثنائية، فيما تشترط مصالح هذه المؤسسة ختم المصادقة على الوثائق في عمليات التحويل المالية وعمليات السحب والدفع التي تستهدف مبالغ مالية كبيرة، لوضع حد لأي تزوير محتمل أو تلاعب بالأموال.
وجاءت هذه المبادرة ضمن مرسوم تنفيذي تحت رقم: 14-363 مؤرخ في 22 صفر عام 1436 الموافق لـ 15 ديسمبر 2014، يتعلق بإلغاء الأحكام التنظيمية المتعلقة بالتصديق طبق الأصل على نسخ الوثائق المسلّمة من قبل الإدارات العمومية؛ حيث يتطلع المواطن من خلاله إلى تبسيط هذه الخدمة أكثر وتعميمها على كافة القطاعات، بما فيها القطاع الخاص.