انطلاق التكوين المتخصص في الإعلام البيئي ببومرداس

العامل الأخضر.. حليف مهم لتوازن الحياة في المجمعات السكنية

العامل الأخضر.. حليف مهم لتوازن الحياة في المجمعات السكنية
  • القراءات: 896
حنان. س حنان. س

انطلقت بولاية بومرداس، نهاية الأسبوع المنصرم، الدورة التكوينية الأولى في الإعلام البيئي لفائدة صحفيي مختلف الوسائل الإعلامية، والتي جاء تنظيمها في إطار الشراكة بين وزارتي البيئة والاتصال، بهدف تكوين شبكة وطنية للصحفيين المتخصصين في الإعلام البيئي المرجو منها المساهمة في تعزيز الوعي البيئي تحقيقا للتنمية المستدامة.

شكل موضوع الحفاظ على التنوع البيئي والمساحات الخضراء، موضوع المحور الأول في التكوين الخاص بالإعلام البيئي الذي تحتضنه دار البيئة لبومرداس إلى غاية الـ11 جويلية الداخل، حيث يظهر تحدي الحفاظ على التنوع البيولوجي بالغ الأهمية أكثر من ذي قبل كون حياة الإنسان ككائن حي مرهون بتكامل سلسلة الأنظمة البيئية كلية، ويظهر ذلك في أهمية تجاوز المصالح الشخصية الضيقة للمحافظة على البيئة والمحيط، كما أبانت تجارب ناجحة في تنمية الحس البيئي في بعض الأحياء على غرار مشروع الحديقة المشتركة ببومعطي، أو الحديقة العلاجية ببن عكنون، أو حتى تجربة خبز الدار من البذور إلى الاستهلاك بولاية البويرة، من بين التجارب الناجحة التي تحتاج إلى تعميم عبر الوطن، بهدف تغيير حياة سكان الأحياء نحو الأفضل على اعتبار أن مفتاحها يكمن في الحليف الأخضر. التحدي هنا ينحصر كذلك في إيجاد مصادر التمويل بما أن المعطيات تشير إلى رغبة وزارة البيئة في تعميم هذه التجارب التي أشرف عليها المعهد الوطني للتكوينات البيئية والتي أظهرت مدى استعداد المواطن لتغيير حياته نحو الأفضل رغم بعض الصعوبات.

تنوع بيولوجي مهدد بالانقراض

بالحديث عن التنوع البيولوجي، فإنّ المهندسة رجاء بن سويح، المكلفة بمهمة في المعهد الوطني للبيئة المشرفة على المحور الأول من التكوين المتخصص، تحدثت عن إشكالية الخطر المحدق به لأسباب متفاوتة أهمها العامل البشري والتلوث الذي وصل إلى درجات غير مقبولة، فالأرض تحصي عموما 8.7 ملايين نوع حي، فيما تم التعرف فقط على 2 مليون نوع من التنوع البيولوجي بفضل الأبحاث والدراسات. يعيش منها 13%  في المحيطات. كل هذه الكائنات الحية تعيش في وسط بيئي متكامل منذ ملايين السنين، غير أنها أصبحت معرضة للتهديد في وسطها الحي بسبب ما أضحى يعرف بالتغير المناخي الذي تسببت فيه يد الإنسان بصفة مباشرة، ما يعني أن مليون كائن حي حيواني أو نباتي معرض للانقراض خلال هذا القرن، وهو ما جعل الباحثين، حسب المتدخلة، يؤكدون على المستقبل المشترك الذي من السهل جدا المحافظة عليه فقط بتجاوز المصالح الشخصية، مشيرة إلى  أرضية ما بين الحكومات حول التنوع البيولوجي والنظام البيئي لـ2019”، في حين أكدت أن الجزائر ليست في منأى عن هذه التحديات، فالأرقام المعلن عنها من طرف المهندسة خلال اليوم الأول من التكوين، تشير إلى أن التنوع البيولوجي في الجزائر يحصي 13318 نوعا موزعا عبر أزيد من 2 مليون متر مربع، منها نسبة 1% فقط مستعمل في الاقتصاد الوطني، لاسيما الأعشاب الطبية والعطرية بما فيها استخلاص الزيوت العطرية، ما يطرح أهمية إعادة النظر في هذا الجانب وتسهيل استغلال هذه الموارد الطبيعية بما يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني، مؤكدة أن ذلك مرتبط أولا بأهمية تكوين مستغلي الغابات اقتصاديا حتى لا يتم تدمير الموارد الطبيعية. كما تحصي الجزائر 9068 نوعا حيا في اليابس يرتكز منه 0.07%  في الشمال و2.52%  في المناطق الرطبة و1.72%  من النظام البيئي الغابي و83.97% من النظام البيئي الصحراوي و8.40% من النظام البيئي السهبي و3.66% من النظام البيئي الجبلي.

هذه الأرقام المهمة تظهر شساعة الجزائر وتنوع نظامها البيئي الذي يتطلب بالمقابل المحافظة عليه، وهو ما يجب أن تتضمنه، حسب نفس المصدر، خطة وطنية استعجالية للحفاظ على هذا التنوع البيولوجي خاصة وأنّ الأرقام تظهر كذلك أنواعا حيوانية مهددة بالانقراض في الجزائر وعلى رأسها ذئب شمال إفريقيا والفنك والأيل البربري وقرد المانغو وغزال الأطلس، وذلك نتيجة الصيد غير القانوني، كذلك بعض الطيور وأهمها الحسون (المقنين) والحبارى وأيضا بعض الزواحف والأسماك، إلى جانب بعض الأشجار والنباتات كشجرة الارغان المتواجدة كثيرا في ولاية تندوف والتي تقطع من اجل صناعة الفحم.

تجارب رائدة في المحيط العمراني

أما ثاني محور، فارتكز على المساحات الخضراء في الجزائر والإدارة البيئية للأحياء السكنية، حيث يظهر مدى أهمية التنسيق بين مختلف القطاعات المهتمة بإنجاز الأحياء السكنية في مختلف مخططات البناء من أجل الوصول إلى ضمان سعادة المواطن التي تكمن في الحليف الأخضر، حسبما تظهره بعض الدراسات العالمية المتخصصة وأكده الواقع الجزائري، من خلال تجارب أولى من نوعها أثبتت نجاحها الكبير سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي على السواء. على غرار مشروع الحديقة المشتركة بحي عدل ببومعطي ببلدية الحراش الذي أشرفت عليه المهندسة بن سويح وقالت إنه في بدايته قد صادف الكثير من العراقيل لاسيما تلك المرتبطة بذهنية المواطن الجزائري المثبطة في كثير من الأحيان، إلا أن هدف المشروع تغلب في الأخير لتصبح هذه الحديقة مثالا وطنيا بعد أن حققت أهدافها وأصبحت ملاذا حقيقيا لسكان الحي ليس بعد أن ساهمت في تحقيق اكتفائهم الذاتي من بعض الخضروات، وإنما اجتماعيا كذلك حيث ساهمت بشكل كبير في التخفيف من عوامل الضغط والقلق الذي تسببهما المدينة وكذا المساهمة في نسج عرى التضامن بين السكان من خلال تبادل بعض المنتجات، فيما بين أصحاب المربعات الخضراء بالحديقة، ما جعلها تؤكد بأن الجهات الوصية تسعى إلى تعميمه عبر الوطن وكغيره من المشاريع كالحديقة العلاجية لبن عكنون وكيف أن الحليف الأخضر عامل مهم في الراحة النفسية للمرضى ومحفز في الشفاء، وكذا تجربة فريدة من نوعها عرفتها ولاية البويرة مؤخرا من خلال تطبيق تجربة خبز الدار من البذور إلى الاستهلاك، حيث تم تطبيقها بإحدى الابتدائيات من خلال مساهمة التلاميذ في غرس أنواع بذور القمح عبر مربعات خضراء خاصة داخل المدرسة، والاعتناء بها إلى موسم الحصاد ثم المساهمة في طحنها يدويا ثم عجنها ومن ثم طبخها ثم استهلاكها عبر قعدة جماعية حول كؤوس الشاي، هذه التجربة رائعة تساهم في تنمية استراتيجية البقاء عبر الذكاء من خلال إشراك الأطفال ضمن مبادرات محلية خاصة هدفها الأخير ترقية الحياة في المدن وجعلها مصدر سعادة. غير أن تحقيق كل ذلك مرهون بمدى إشراك كافة الفعاليات الوطنية وأهمها مصادر التمويل لإنجاحه، ويتطلب خطة وطنية مسؤولة لإنجاحها كون العامل الأخضر هو الحليف الموضوعي للصحة النفسية والجسدية للإنسان.