السجود شكر ومهابة

السجود شكر ومهابة
  • القراءات: 5686
السجدة أرضية وخلفية الشكر، ووعاء المهابة الذي تصهر فيه العبودية وتسكب إلى قلب وقالب الواصلين، وعرصة ‏وخليج مشاعر وأفكار الوصال المتوجهة للذات الإلهية ونقطة اللقاء.‏
وكلما شعرنا بالسجود على وجهه الحقيقي، وتفاعلنا معه، نحس - ونحن ننتقل من القيام في الصلاة إلى الركوع، ثم إلى القيام - ‏وكأن هناك عصارة من الإيمان والإسلام والإحسان تنسكب إلى التلال الزمردية لقلوبنا وتنساب إليها.‏
عند السجود، تلتقي جبهتنا وأقدامنا في المستوى نفسه، ونشكل نصف قوس، ونتوتر مثل وتر القوس، وننقلب إلى نَفَسٍ و‏صوت أنين، فنحس أن وسعة آمالنا تسبق أعمالنا، وتكفي كل شيء، وأن رحمة الله تسبق كل شيء عندما تتحد مع إيماننا وتكوِّن ‏وحدة معها، فنشعر كأننا نمر من تحت أكاليل سماوية يقع طرف منها في عالمنا والطرف الآخر في دار العقبى، محاولين تغيير حظوظنا.
وعندما ينظر الإنسان من موقعِ ونقطة ذروة حظه التي يسمو إليها بمشاعره في السجود، يتطلع ويتأمل الحقيقة، ويشرح بلسان ‏قلبه جميع الكلمات المعبرة عن أحاسيسه، يوجه دنياه قليلا نحو الآخرة، ويعكس بعضا من عالمه البعيد إلى عالمه الروحي، فيستطيع ‏الإحساس بمناخ عبوديته والعيش فيها، كأنه يقرأ ويطالع مناقب هذه العبودية ومآثرها.
أجل!.. إن أدعيته التي يثيرها شعوره بعبوديته، عندما تختلط بشلالات الرحمة الإلهية وألطافه، وتجريان معا لتلتقيا بالاستجابة ‏الإلهية، تعيش عندها مشاعرنا في جو جميل كجو الجنة، وتنشد أغاني الوصال. وجمال هذا -عند الذين يفهمون هذا الأمر- أخَّاذ وجذاب وساحر، إلى درجة أن من ذاق طعم هذا الجمال مرة واحدة في حياته لا يدري كيف يشكر صاحب هذه النعم ‏وصاحب هذه الأفضال.‏
إن بطل القرب من الله الذي يتعمق قربه من الله كل حين، الواضع جبهته على الأرض، والذي يرتفع في سياحة سماوية وبشكل ‏حلزوني إلى ذرى لا يمكن بلوغها... مثل بطل القرب هذا يشعر كأنه اقترب من "حظيرة القدس".