قامت الفرق الطبية التابعة للمؤسسة العمومية للصحة الجوارية بعنابة، خلال الأسبوع الجاري، بزيارة مجموعة من المرضى القاطنين في إقليم بلدية البوني، في إطار برنامج العلاج المنزلي الذي يُعد أحد أبرز البرامج الصحية الحديثة، الرامية إلى تقريب الخدمة من المواطن، وتخفيف معاناة التنقل، خاصة بالنسبة للحالات الصحية الحرجة التي يصعب عليها بلوغ المؤسسات الاستشفائية، أو حتى العيادات متعددة الخدمات.

وانتقلت العيادة متعددة الخدمات بوخضرة، بكامل طاقمها، إلى منازل عدد من المرضى لتقديم الرعاية الطبية اللازمة، حيث شملت هذه الزيارات معاينات ميدانية، وفحوصات طبية دقيقة، وتقديم العلاجات الضرورية بما في ذلك الحقن، وتغيير الضمادات، ومتابعة البرامج العلاجية الموصوفة سابقا. وقد سمح ذلك للمرضى بتلقي العلاج في أجواء مريحة داخل منازلهم، دون تكبّد مشقة التنقل، أو الوقوف في طوابير الانتظار.

هذا البرنامج الصحي يعكس بجلاء حرص قطاع الصحة على ترسيخ مفهوم "الصحة الجوارية" ، وتحويله من مجرد شعار إلى ممارسة يومية ملموسة. فالفِرق الطبية لا تكتفي بالانتظار داخل العيادات، بل تخرج إلى الميدان، وتجوب الأحياء، لتلتقي بالمرضى في منازلهم؛ ما يكرّس صورة جديدة عن الخدمات الصحية، تقوم على القرب، والتفهم، والبعد الإنساني.

ويُجمع الأطباء والممرضون المشرفون على المبادرة، على أنّ هذا النمط من العلاج يفتح آفاقا واسعة لتطوير المنظومة الصحية؛ لأنه لا يقتصر على تقديم الخدمة الطبية فحسب، بل يوفر، أيضا، مرافقة نفسية واجتماعية للمريض وعائلته، الذين يجدون في حضور الطاقم الطبي داخل البيت، طمأنينة، وراحة أكبر. كما يسمح هذا النمط من الرعاية الصحية بتقليل الضغط عن المستشفيات، وتخفيف اكتظاظها؛ من خلال تحويل بعض الحالات القابلة للمتابعة المنزلية، إلى فضاء أكثر راحةً وأماناً.

وقد عبّر عدد من المرضى وذويهم عن امتنانهم لهذه المبادرة، مؤكدين أنّها خففت عنهم الكثير من الأعباء المادية والمعنوية؛ إذ لم يعودوا مضطرين لنقل المريض في ظروف صعبة، خاصة بالنسبة لكبار السن، والمصابين بأمراض مزمنة. كما أثنوا على المجهودات المبذولة من قبل الفرق الطبية، التي أبانت عن حسّ إنساني عالٍ، معتبرين أنّ العلاج المنزلي يمثل صورة حقيقية للتكافل بين القطاع الصحي والمجتمع.

وتندرج هذه الخطوة ضمن استراتيجية شاملة لتوسيع العلاج المنزلي عبر مختلف بلديات ولاية عنابة؛ حتى يستفيد منه أكبر عدد ممكن من المرضى. 

وتعمل المؤسسة العمومية للصحة الجوارية على إعداد برنامج دوري للزيارات المنزلية، يتماشى مع خصوصيات كل منطقة واحتياجاتها الصحية، مع ضمان تكوين الكوادر الطبية وشبه الطبية؛ لتطوير هذا النمط من التكفل.

إنّ العلاج المنزلي لم يعد مجرد خدمة صحية إضافية، بل أصبح خيارا استراتيجيا لتطوير المنظومة الصحية الوطنية، قائما على البعد الإنساني والاجتماعي. فحينما تطرق الفرق الطبية أبواب المرضى، فإنها لا تقدم دواءً فقط، بل تحمل معها دفءا إنسانيا، ورسالة أمل في أن الصحة حق مكفول للجميع أينما كانوا، ومهما كانت ظروفهم.