فيما تتطلع قصبة العاصمة إلى تحسين محيطها
البنايات الهشة خطر داهم والأسواق الفوضوية مشكل بلا حل

- 569

* 350 عمارة مصنفة في الخانة الحمراء مهددة بالسقوط
* التجارة الفوضوية أخلّت بصورة "الجزائر البيضاء"
تتطلع بلدية القصبة، بقلب العاصمة، لاستدراك عدة نقائص، والتخلص من ملف النسيج العمراني القديم الذي تحصي فيه 350 عمارة مصنفة في الخانة الحمراء مهددة بالسقوط، وتزداد هشاشة من يوم إلى آخر، وما تشكله من خطر على آلاف الشاغلين، إلى جانب "معضلة" التجارة الفوضوية، التي تجذّرت منذ سنوات بشوارع وأزقة البلدية، وصعب اجتثاثها، فيما ينتظر المجلس البلدي ترتيبات تقرها السلطات العمومية، لتطهير المدينة من فوضى العرض، والتلوث الذي شوّه المحيط، وأخلّ بصورة "الجزائر البيضاء".
المتجول في شوارع وأزقة هذه البلدية العتيقة التي تضم أكبر رقعة للنسيج العمراني العثماني المصنف عالميا والعمارات المشيّدة في الحقبة الاستعمارية، يلاحظ سحر هذه المنطقة، ويلمس عبقها الحضاري الضارب في عمق التاريخ. ويلاحظ أن المجهودات التي بذلتها الدولة للحفاظ على هذا الإرث، يجب أن يتضاعف، حسبما أكد أحد سكان شارع بن شنب، وأن تكون لهذه البلدية العتيقة خصوصياتها السكنية والعمرانية والتجارية؛ حتى لا تعبث بها سلوكات وتجاوزات الأشخاص.
وقال "ابراهيم. ب" الذي يقطن مع عائلته منذ العهد الاستعماري بمسكنه القديم بشارع بن شنب، إن آلاف العائلات القاطنة بالقصبة القديمة لم تعد في مأمن داخل سكناتها التي تزداد هشاشة جراء العوامل الطبيعية، وانتهاء صلاحية أغلب البنايات العتيقة، وهو ما يستوجب ترحيل شاغليها قبل أن تقع على رؤوسهم.
350 عمارة في خانة "خطر" بحاجة إلى حلول فورية
في السياق، أكد لنا الأمين العام لبلدية القصبة عبد الرحمن بوستة، أن مصالح المراقبة التقنية للبناء “سي تي سي” ، أعادت في عهد الوالي السابق يوسف شرفة، فحص البنايات القديمة؛ حيث صنفت 350 عمارة في الخانة الحمراء، و498 بناية في الخانة البرتقالي4، وفي أحضانها آلاف العائلات؛ ما يؤكد خطورة الوضعية، وضرورة التركيز على هذا الملف الشائك لإيجاد حلول عاجلة، تخص إعادة الإسكان، وإعادة النظر في قوانين الملكية العقارية لهذا النسيج العمراني الخاص.
ولفت المصدر في هذا الصدد، إلى ضرورة وضع حد نهائي لمشكل إعادة استغلال السكنات المرحَّل شاغلوها من طرف نفس العائلات، أو بيعها للغير؛ حيث أكد السيد بوستة أن الصيغة القانونية الحالية لا تضع حدا لمثل هذه التجاوزات، التي اعترف بأنها نقصت منذ 2019، حينما اضطرت السلطات الولائية لسد منافذ السكنات الشاغرة بالقصبة بعد ترحيل العائلات، وضرب جدران على أبوابها ونوافذها.
غياب العقار يحرم البلدية من توفير مقر لائق
كما تشكو بلدية القصبة من غياب مقر لائق بها، فهو يقع بعمارة قديمة تعود للعهد الاستعماري، تتقاسمه مع عدة هئيات ومؤسسات؛ منها معهد الموسيقى والرقص والتمثيل الذي يشغل ثلاث طوابق من العمارة التي توجد بها مصلحة الضرائب، وخزينة البلدية، ومصلحة البيومتري. وقد لاحظنا في زيارتنا للمقر طوابير طويلة للمواطنين، الذين يقصدون عدة مصالح بالبلدية، فضلا عن طلبة المعهد، والتجار الذين يقصدون مقر مصلحة الضرائب لقضاء حاجياتهم الإدارية. ولذلك تتطلع البلدية، حسب المسؤول، إلى توفير مقر منفرد يريح المستخدمين والمواطنين على حد سواء، لا سيما أن البلدية لا تتوفر على أوعية عقارية تسمح بإنجاز بناية لائقة وفق المواصفات المطلوبة.
برنامج واعد لإعادة هيكلة الأحياء القديمة وحفظ البنايات المصنفة
ومن البرامج المسطرة حاليا ببلدية القصبة التي تشرف عليها ولاية الجزائر، إعادة تهيئة العمارات القديمة بشارع ذبيح الشريف إلى غاية قوس النصر التي انطلقت؛ حيث تشرف عليها مديرية التهيئة وإعادة هيكلة الأحياء لولاية الجزائر. وكذلك الأمر بالنسبة لعمارات أخرى تعود للعهد العثماني، وانطلقت دراستها قصد ترميمها؛ منها عمارة بحي باب عزون، 3 شارع عيبود عبد الرحمن، التي تضم 12 عائلة.
وأفاد ممثل البلدية بأن عملية الترميم تمس البنايات المصنفة؛ كالمساجد والقصور؛ منها مسجد البراني بالقرب من الباب الجديد الذي تم ترميمه، وقصر الداي والبايات في طور الإنجاز، وكذا قصر حسن باشا الذي وصلت نسبة أشغال ترميمه إلى 60 ٪، فضلا عن قصر الحمراء، الذي انطلقت أشغاله مؤخرا، إلى جانب مقر المقاطعة الإدارية القديم لباب الوادي الواقع بالقرب من قصر عزيزة. وأضاف السيد بوسنة أن العديد من المساجد العتيقة تخضع هي الأخرى، لإعادة التهيئة؛ منها مسجد سيدي عبد الله، والسفير، وسيدي بن علي، وسيدي محمد الشريف.
الأسواق الفوضوية "معضلة".. والحل غائب
من أكبر المشاكل التي تواجهها بلدية القصبة، الأسواق الفوضوية التي غزت منذ عقود، كبريات شوارعها وأزقتها السياحية. ولم تجد السلطات المحلية إزاءها أي حل رغم المحاولات التي تقوم بها مصالح الشرطة لطرد التجار الفوضويين، لكنهم يعاودون في كل مرة عرض سلعهم على الأرصفة. وأشهرها شارع بوزرينة، وعمار القامة، وساحة الشهداء.
وفي هذا السياق، أفاد الأمين العام للبلدية بأن كل المحاولات التي قامت بها السلطات العمومية باءت بالفشل، لا سيما أن عدد التجار يُعد بالمئات؛ يأتون من عدة ولايات خارج العاصمة، ويتركون الشوارع والأزقة كل مساء في وضعية بيئية غير مريحة ولا تليق بهذه المدينة السياحية بقلب العاصمة؛ ما يستلزم استراتيجية وترتيبات "فوقية" تقوم بها الدولة لإزالة النشاط الذي أخلّ بمعالم المدينة.
التجار والسكان يشتكون دائما ويراسلون السلطات العمومية ومنها البلدية.. لكن ما باليد حيلة
ويضيف محدثنا أن البلدية في ظل هذه الفوضى التجارية، تسهر على إعادة ترميم سوق بوزرينة الذي كان مصنفا في الخانة الحمراء؛ حيث انطلقت أشغاله لتبلغ 40 ٪، مشيرا إلى أنه كان صعبا على مصالح البلدية إقناع التجار بإخلاء المكان للشروع في الأشغال؛ حيث دامت المفاوضات ثلاث سنوات؛ من 2000 إلى 2023.
لا اكتظاظ في الهياكل التربوية والإطعام المدرسي مضمون بكل المدارس
لكن في خضم هذه النقائص ببلدية القصبة، فإن قطاع التربية في أريحية كبيرة؛ حيث تضم القصبة 16 ابتدائية، نسيجها العمراني قديم، لكنها مرممة ومجهزة ولا اكتظاظ فيها عكس مدارس البلدية الأخرى التي تواجه هذا المشكل؛ جراء ارتفاع عدد السكان. وتتوفر هذه المدارس على 14 مطعما مدرسيا تقدم وجبات ساخنة للتلاميذ، فيما سيُفتح مطعم آخر مع الدخول المدرسي القادم. أما الطوران الآخران فيستقبلان تلاميذهما بشكل عادي بدون اكتظاظ؛ حيث توجد 6 متوسطات، وثانوية واحدة.
مشكل الضيق هاجس السكان والحل في الترحيل
تواجه العديد من العائلات ببلدية القصبة مشكل الضيق، لا سيما سكان الدويرات بالقصبة العتيقة؛ إذ لا يمكن، حسب السيد بوستة، أن تسمح الحصص السكنية من النمط العمومي الإيجاري المحدودة جدا التي تمنحها الولاية، أن تلبي احتياجات طالبي السكن، الذين تفوق طلباتهم 5 طلبات، مشيرا إلى أن آخر حصة وُزعت بالبلدية تعود إلى 2014، وتضم 140 مسكن، ووُزعت في 2021.
وفي هذا الصدد، تطالب البلدية مصالح الولاية برفع حصتها من السكن، أو تكثيف عمليات الترحيل في إطار برنامج القضاء على السكنات الهشة، الذي استطاعت الولاية بفضله، إزالة العديد من البنايات الآيلة للسقوط، واستغلال أوعيتها العقارية في إنجاز مشاريع ذات منفعة عامة.
اهتمام بالرياضة رغم محدودية المرافق
تسعى السلطات المحلية بالقصبة رغم الغياب التام للأوعية العقارية، وبما تملكه من مرافق رياضية محدودة جدا، أن تستغلها في صالح الشباب، بما في ذلك ملعب قاع السور، الذي يضم كرة القدم وكرة اليد. وقد تمت تهيئة الشطر الأول منه في 2023. وفي 2024 استكمل الشطر الثاني الذي ضم غرف تبديل الملابس، ليظهر الملعب بحلة جديدة ومريحة للرياضيين، فيما يقدم الملعب الجواري بحي وريدة مداد هو الآخر، خدماته للشباب الذين ينظمون مقابلات تستقطب العديد من المتفرجين من أبناء الحي والأحياء المجاورة.
كما تتوفر بلدية القصبة على 3 قاعات رياضية، تكفلت البلدية، حسب أمينها العام، بترميمها وتجهيزها. وتضم عدة رياضات جماعية وفردية، خاصة الفنون القتالية، إلى جانب قاعة الملاكمة، وهي من أقدم القاعات بنهج أول نوفمبر، التي خصصت لها البلدية 900 مليون سنتيم لترميمها.