خطر انزلاق التربة بمدينة عزازقة

البلدية تتأسف لغياب دراسات جيو-تقنية

البلدية تتأسف لغياب دراسات جيو-تقنية
  • 1063
❊ س. زميحي ❊ س. زميحي

يعيش سكان مدينة عزازقة بولاية تيزي وزو، خوفا وقلقا كبيرين، من احتمال وقوع كارثة بدون سابق إنذار؛ حيث إن هذه المدينة المهددة بخطر انزلاق التربة، تفتقر لأي مخطط لتصنيف المواقع الآمنة والخطيرة؛ ما جعل السكان يشتكون باستمرار ويناشدون البلدية التدخل العاجل؛ قصد تدارك الوضع، فيما تأسف المجلس البلدي بدوره، لغياب الدراسات الجيو-تقنية للمنطقة رغم علم السلطات المعنية بهذا الخطر.

تواجه مدينة عزازقة الواقعة على بعد حوالي 35 كلم بالناحية الشرقية لتيزي وزو منذ سنوات خلت، خطر انزلاق التربة، حيث سبق وأن ضرب هذا الخطر تجمعات سكانية، اضطر القاطنون بها لإخلائها بعدما أضحت تهدد حياتهم وإمكانية انهيارها من حين إلى آخر. وأدى هذا الوضع إلى هدم مبان وإعادة بناء أخرى، وظلت حياة السكان على هذه الحال أعواما، ليستقر الوضع بعض سنوات، ويعود مجددا ليضرب بقوة في 2012، عقب التقلبات الجوية التي شهدتها الولاية.

انزلاق التربة، الخطر النائم يعود

صرح بعض سكان مدينة عزازقة لـ "المساء"، بأن العاصفة الثلجية لسنة 2012، كشفت المستور، وأظهرت حقيقة الخطر الذي يهدد حياة سكان المدينة وقراها، حيث تم تسجيل 14 مكانا لانزلاق التربة في ظرف 24 ساعة فقط نتيجة تساقط كميات كبيرة من الأمطار، التي زادت من فجوة الخطر بعدما تشبعت الأرض بالماء، حيث نتج عن ذلك انزلاقات عديدة وخطيرة للتربة أضرت بعدة سكنات، إلى جانب شبكات الطرق والصرف الصحي ومياه الشرب وغيرها، والتي كانت وراء زيارة السلطات المحلية والمركزية عين المكان لمعاينة الأوضاع. وأعقبوا أن هذه الكارثة التي نزلت عليهم كالفاجعة بدون سابق إنذار، تسببت في تسجيل عائلات منكوبة، تضررت سكناتها جراء تساقط كميات كبيرة من الأمطار، حيث وجدت نفسها بين ليلة وضحاها بدون سكن بعد تسجيل انزلاقات عديدة للتربة في جهات مختلفة من المدينة، أغلبها سجلت بالجهة الشمالية، وتحديدا بناحية قرية زان الواقعة بالطريق الوطني رقم 71 المؤدي إلى بلدية أغريب وقرية إغيل بوزال، اللتين تم ترحيل منهما حينها، أزيد من 10 عائلات؛ لكون سكناتها مهددة بالسقوط. وأضاف السكان أن السلطات المحلية والولائية، تنقلت حينها إلى مواقع الانزلاق، واتخذت الإجراءات المطلوبة لضمان التكفل بالعائلات المنكوبة، مع الإعلان عن مشروع إنجاز أشغال تعزيز وتقوية المناطق التي مستها ظاهرة الانزلاق؛ بغية الحد من اتساع رقعتها، حيث استقر الوضع سنوات، وهو ما بعث على الارتياح في أوساط سكان قرى زان وإغيل بوزال وآث بوهيني وغيرها، لكن الخطر، حسبهم، لايزال شبحا يطارد السكان، الذين تشهد سكناتهم تشققات وتصدعات كبيرة؛ ما يؤكد عدم استقرار الأرض.

دراسة جيو-تقنية للأرض أُنجزت في 1985 لم تطبَّق

أكد "عمي رزقي" أن مدينة عزازقة مصنفة ضمن المناطق الخطيرة المهددة بظاهرة انزلاق التربة، موضحا أن الظاهرة ليست وليدة اليوم، ولا يمكن إسنادها لتقلبات الطقس ولا لكميات الأمطار المتساقطة أو المباني العالية، إنما هي ظاهرة قديمة تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، حيث تقرر في عام 1985، إنجاز دراسة جيو- تقنية للأرض؛ بغية تحديد مواقع الخطر، واتخاذ إجراءات لمواجهة الانزلاق، متأسفا لعدم تجسيد هذه الدراسة رغم مرور أكثر من 30 سنة.

وأضاف أن 65 بالمائة من أراضي مدينة عزازقة مصنفة في خانة المناطق المهددة بانزلاق التربة، موضحا أنها كانت تسمى "الما"؛ مكان تجمع المياه؛ فهي بذلك غير صالحة للبناء. كما أن الكبار في السن يذكرون أن المدينة كانت تضم ينابيع طبيعية بكل مكان، اختفت مع تطور العمران وغياب مخطط البناء، حيث إن عشوائية البناء تسببت في حبس المياه الجوفية، التي أخذت تطرق باب الخطر؛ بتسجيل عدم استقرار الأرض، وتشققات في المباني، وهبوط مستوى الأرض... وغيرها من نتائج كبت المياه، مضيفا أنه كان من الأجدر عند إنجاز السكنات، بناء آبار أو مجار جوفية لصرف هذه المياه، لكن السعي لإنجاز محلات تجارية ومبان عالية، كان وراء إهمال هذه النقطة، التي يدفع السكان ثمنها اليوم.

البلدية تصف الوضع بـ "الكارثيّ"

ذكر مصدر مقرب من المجلس الشعبي لعزازقة لـ "المساء"، أن مقر البلدية عرف مؤخرا، مشاكل كثيرة بسبب احتجاجات السكان الذين يتوافدون يوميا للمطالبة برخص المطابقة؛ حيث إن المشتكين سبق أن استفادوا من رخص البناء التي حررتها البلدية منذ سنوات خلت، تؤكد خلالها صلاحية الأراضي المخصصة للبناء والمصنفة في الخانة الخضراء، مضيفا أنه تبين مع الوقت، أن تلك المواقع مصنفة في الخانة الحمراء؛ ما يؤكد عدم صلاحيتها نهائيا للبناء، وأنها تشكل خطرا على القاطنين بها، لتتخذ البلدية بذلك قرار منع تحرير رخص المطابقة؛ الأمر الذي لم يتقبله السكان، موضحا أن البلدية تواجه مشكلة عويصة؛ إذ من الصعب عليها إقناع مواطن تحصّل على رخصة بناء، بأن الأرض التي شُيد عليها مسكنه غير صالحة، وهذا الاختلاف في المواقف أدخل البلدية في دوامة من المشاكل لا نهاية لها، والدليل على ذلك الأعداد الكبيرة للسكان التي تقصد البلدية بشكل يومي. وأضاف المتحدث أن البلدية تعتبر هؤلاء المواطنين على حق، لكن "لا يمكن للبلدية أن تشارك في هذه المهزلة"، خاصة أن أشغال البحث والدراسات التي أنجزت بالمنطقة "مخطط احتواء الأرض"، أظهرت أن المواقع غير صالحة للبناء، وهي مصنفة في خانة "حمراء". كما ترفض السلطات المحلية التلاعب بحياة السكان؛ لذلك رفضت تحرير رخص المطابقة. وأشار إلى أن البلدية وصفت الوضع بـ "الكارثي"، حيث هناك سكنات أنجزت بمناطق حمراء تشكل خطرا على القاطنين الذين يضغطون للحصول على شهادات المطابقة، في وقت وجدت البلدية نفسها محصورة بين مطرقة شكاوى السكان وسندان تحمّل المسؤولية إذا ما وقع أي انهيار، لذلك أكدت تمسّكها بموقف الرفض، مناشدة الجهات المسؤولة بالولاية، التدخل العاجل لإيجاد حل لهذا الوضع.

وتطالب البلدية في السياق، بإنجاز دراسات تقنية وجيو- تقنية مبنية على معطيات صحيحة، تُظهر حقيقة المواقع الصحيحة والمناسبة للبناء وغير الصالحة منها، حيث دعت إلى متابعة يومية للفريق منجز الدراسات حتى تعبّر النتائج عن الواقع؛ على اعتبار أن خطر الانزلاق يهدد مساحة تزيد عن 300 هكتار.

للإشارة، أضحت مدينة عزازقة في حاجة ماسة إلى هذا المخطط، وبشكل استعجالي، خاصة أن هذه المدينة تعرف تطورا عمرانيا ونموا اقتصاديا كبيرين مقارنة بحاجتها إلى إنجاز محلات ومبان جديدة، غير أنه لا يمكن المجازفة بذلك بدون دراسة تحدد المواقع الصحيحة من الخطيرة. والسؤال المطروح: إلى متى يستمر هذا الوضع؟ وما هو البديل أو الحل للتخفيف من الضغط وشكاوى المواطنين، الذين وجدوا أنفسهم في نفق مظلم لا يعرفون الحقيقة؟