بسبب الرعي الجائر، زحف الرمال والنهب

آلاف الهكتارات من الحلفاء مهددة بالاندثار في تيارت

آلاف الهكتارات من الحلفاء مهددة بالاندثار في تيارت
  • القراءات: 2068
❊ ن.خيالي ❊ ن.خيالي

كان نبات الحلفاء في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، من بين أهم الثروات التي كانت تزخر بها ولاية تيارت، مناصفة مع الحبوب، حيث كانت الحلفاء منشرة في معظم البلديات السهبية، سواء الواقعة بالمناطق الجنوبية أو الجنوبية الغربية أو الشرقية، مع توفر كل الوسائل المسهلة لاستغلال هذه الثروة، على غرار خط السكة الحديدية، إذ كان القطار ينقل الحلفاء من عين الذهب إلى غليزان، ثم العاصمة، إلى مصانع الورق، إلا أن الوضع تغير تماما في  العشرين سنة الأخيرة، حيث طغى على تلك المناطق النهب المتواصل للمحميات والرعي الجائر، مما ساهم في زحف الرمال بشكل ملفت، وجعل تلك المناطق جرداء مهددة بالاندثار الكلي، في غياب أية إستراتيجية أو برنامج استعجالي  لحماية تلك المناطق، واسترجاع ما يمكن من محميات، وبصفة آلية الحفاظ على ما تبقى من مادة الحلفاء.

في جولة استطلاعية لـ«المساء إلى بعض المناطق السهبية، التي كانت تزدهر بانتشار كبير وواسع للحلفاء، لاحظنا أراض شبه قاحلة، بعد أن غزتها في السنوات الماضية، قطعان الإبل والماشية القادمة من عدة ولايات متاخمة لتيارت، وجد بها الموالون ضالتهم في رعي ماشيتهم، لكن بمجرد رحيل تلك القطعان، تحولت الأراضي السهبية إلى جرداء، حتى نبات الحلفاء لم يسلم منها، رغم مقاومته للعوامل الطبيعية شتاء وصيفا.

في هذا السياق، تواجه تلك المناطق السهبية انتهاكا سافرا للمحميات، من خلال توالي تسلل آلاف المواشي، قادمة من ولايات البيض، الأغواط والجلفة، في غياب آليات الردع والمراقبة المتواصلة من قبل مختلف المصالح المعنية. كما ساهمت هذه العوامل بشكل كبير في زحف الرمال وتقدمها بعدة كيلومترات، منذ سنوات، خاصة على مستوى محيط دائرة عين الذهب، أكبر منطقة سهبية بالولاية، تمتد على آلاف الهكتارات. ورغم برامج محافظة الغابات والشركة الوطنية للهندسة الريفية، التي وضعت في وقت سابق حواجز لتثبيت الرمال، في انتظار غرس مساحات جديدة، إلا أنها لم تعمر طويلا بسبب الإبل التي تلتهم النبات في وضعه الأول، ومع أن الإبل حيوان محمي، وفقا للقوانين، فإن عملية حجزه تبقى من الإجراءات المعقدة.

وكعينة على تدهور الغطاء النباتي، خاصة مادة الحلفاء، بدائرة عين الذهب التي تتربع على مساحة 40 ألف هكتار، تمثل عدة أنواع من النبات السهبية المتواجد بالمناطق المحمية، كانت الحلفاء تحتل الريادة، لكنها تراجعت بشكل كبير لتصل إلى حدود ثلاثة آلاف هكتار، بعد أن كانت تمثل أضعاف هذه المساحة خلال سنوات سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حيث كانت المادة توجه إلى الصناعات التحويلية على مستوى العاصمة ومستغانم، وكذا التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تبعتها، في وقت كان أكثر من 500 عامل بمنطقة عين الذهب ينشطون في نزع الحلفاء وجمعها وحملها في القطار آنذاك.

حسب العديد من أبناء المنطقة الذين تحدثت إليهم المساء، فمنذ سنة 1989 تاريخ غلق وحدة تجميع ونقل الحلفاء بعين الذهب، بدأت المنطقة تعرف ركودا اقتصاديا واجتماعيا كبيرين، ناهيك عن التراجع الكبير والمخيف لمساحات الحلفاء، مما يتطلب، حسبهم، إعداد برنامج استعجالي يتم تنفيذه على فترات، يتوجب من خلاله تدخل مختلف المصالح المركزية والمحلية، لإعادة بعث نشاط تلك المناطق واسترجاع مادة الحلفاء، كمادة أساسية في الصناعات التحويلية، لاسيما الورق ولواحقه، ولن يتأتى ذلك، حسب العارفين بالمنطقة والمحميات، إلا بالتدخل الصارم والدائم لمختلف الأجهزة الإدارية والأمنية من أجل ردع انتهاك المساحات المحمية، وإعادة بعث مشروع غرس مختلف أنواع النبات التي تتعايش مع المناطق السهبية، وهو ما سيساهم لا محال، في الحد من ظاهرة التصحر وزحف الرمال، التي أصبحت تهدد أجزاء كبيرة من ولاية تيارت عبر بوابتها الجنوبية.