عاشها ثلاث مرات

”حراق” يروي تفاصيل الرعب

”حراق” يروي تفاصيل الرعب
  • القراءات: 858
❊  رشيدة بلال ❊ رشيدة بلال

توافد على الجمعية الوطنية للتوعية وتحسيس الشباب من مخاطر الهجرة غير الشرعية،  عدد من الشباب الذين فشلوا في تجربة "الحرقة" للانخراط بالجمعية. وقد أشار رئيسها سمير زوليخة، في حديثه مع المساء، إلى أن الغاية من استقطاب هذه الفئة وجعلها تنخرط في الجمعية، الوصول إلى التأثير  على الشباب الذين لا زالوا  ينظرون إلى الهجرة على أنها الوسيلة الوحيدة للظفر بحياة الفردوس.

 

احتكت المساء بواحد من هؤلاء الحراقة،  قرر بعد أن عرض عليه رئيس الجمعية فكرة الانخراط، أن يتبنى فكرة التوعية والتحسيس لتغيير تفكير الشباب، وقد حدثنا في هذه الدردشة عن تجربته التي وصفها بالمرعبة.

يقول الحراق ابن مدينة تبسة، الذي رفض الإفصاح عن هويته والبالغ من العمر 23 سنة، حاصل على شهادة ليسانس في التجارة وشهادة في الكهرباء، إن فكرة الحرقة راودته عندما كان صغيرا، نتيجة احتكاكه الدائم بمن هم أكبر منه سنا، حيث كان دائما يحلم بالذهاب إلى الضفة الأخرى ليعيش النعيم الذي صوره له الغير، فكانت تجربته الأولى مع الحرقة وسنه لم يتجاوز 14 سنة، وحسبه، فإن من أثناه عن الهجرة غير الشرعية، والده الذي ما إن تفطن للأمر حتى سارع إلى إخراجه من القارب الذي هُيئ للسفر فيه، وأقنعه بشتى الطرق بعدم المغامرة بحياته.

فشل المحاولة الأولى للهجرة غير الشرعية، جعلت هذا الحلم يكبر في قلب وعقل الحراق، وبحكم أنه لم يتسن له تجريب ركوب الأمواج، قرر مرة أخرى تكرار التجربة، حيث كان عمره وقتها 21 سنة،  وعلى الرغم من نجاحه في خوض التجربة، رغبة في الوصول إلى الضفة الأخرى، وأملا في الحصول على حياة أفضل، عاد أدراجه بعد أن حال تقلّب البحر دون إنجاح عملية الهجرة، وخوفا من الموت الذي تحول إلى قدر محتوم، قرر رفقة من كانوا معه العودة، ليسجل ابن مدينة تسبة، ثاني محاولة فاشلة في محاولة الهجرة غير الشرعية، وكان من نتائجها أن تم اعتقالهم من طرف مصالح الأمن، ومن ثمة، إطلاق سراحهم على أمل عدم تكرار المحاولة.

رغم حالة الرعب والخوف التي انتابت محدثنا، وهو يخوض تجربة الهجرة غير الشرعية في بحر تتخبطه الأمواج، إلا أن ذلك لم يثنه عن المحاولة للمرة الثالثة على التوالي، والتي نجح فيها في الوصول إلى تركيا، ومنه إلى اليونان، يقول غير أن سوء الحظ الذي رافقه جعل الشرطة تلقي القبض عليه رفقة من هاجر منهم، وبعد أن أمضى شهرا كاملا في السجن، عاد إلى أرض الوطن، وقرر العزوف نهائيا عن فكرة الحرقة، بعد أن عاش خطر الموت والخوف في عمق البحر، لتحقيق حلم هو في الحقيقة سراب.

وردا عن سؤالنا حول حالته النفسية في كل مرة، كان يقرر  فيها ركوب البحر، أشار إلى أنه كان في كل خرجة يتناول فيها أقراصا خاصة تبعد عنه الشعور بالخوف، ويؤكد لكن في حقيقة الأمر، مفعولها كان ينقضي بمجرد الوصول إلى عمق البحر، بالنظر إلى الرعب الكبير الذي ينتابه ولا يستطيع إخفاءه، شأنه شأن كل الحراقة بالقارب.

قرر ابن مدينة تبسة أخيرا، التخلي عن فكرة الحرقة، وتوجيه اهتمامه للاستثمار في مشروع ما في وطنه، ولعل ما عزز قناعته، انضمامه إلى الجمعية للحصول على الدعم والمساندة،  قال رسالتي اليوم كحراق عاش رعب البحر، هي إقناع كل حراق بالعمل في وطنه، والتوقف على التفكير في أن الضفة الأخرى هي الفردوس المنتظر.