العائلات القبائلية ترحّب بشهر رمضان

‘’لوزيعة” لإطعام الفقراء وتعزيز أواصر التضامن والتآزر

‘’لوزيعة” لإطعام الفقراء وتعزيز أواصر التضامن والتآزر
  • القراءات: 2093
س. زميحي س. زميحي

أبقت العائلات القبائلية على عادات قديمة ضاربة في جذور الثقافة والهوية الأمازيغية رغم مرور آلاف السنين، فرغم التغير الذي طرأ على حياتها إلا أنها لاتزال متمسكة بما ورثته أبا عن جد وتحرص على إحيائه في كل مناسبة مواتية لضمان نقله من جيل لأخر نظرا لأهميته في حياة الفرد، لاسيما أنها تعزز الروابط الاجتماعية وتقوي علاقات الأخوة والمحبة والتعاون، مثل ما هو الشأن بالنسبة لعادة لوزيعة التي تصاحب العديد من المناسبات، لتكون بداية مرحلة جديدة خاصة ما تعلّق بالفلاحة والحياة اليومية للسكان.

يحيي سكان القرى منذ أزل بعيد لوزيعة كما تسمى أيضا تيمشرط أو تنبيثة أو أسماء أخرى، التي أصبحت عادة لا يمكن التفريط فيها نظرا لأهميتها في حياة الفرد ومساهمتها في تقوية أواصر التعاون والأخوة والتآزر بين أفراد المجتمع، والتي تنظَّم غالبا من طرف سكان قرية واحدة أو بتفاهم مجموعة قرى ليشكلوا بذلك أذروم؛ أي عرش أو عشيرة، فيقتنون عجولا وخرفانا تضاف إليها تبرعات المواطنين، ليتم نحرها وتوزيع لحمها على الفقراء والمساكين. ولازالت هذه العادة رغم قدمها، تمارَس إلى يومنا هذا خاصة مع قرب المناسبات الدينية؛ كعاشوراء ورمضان وغيرهما.

«لوزيعة.. ترحيب برمضان وإطعام للمساكين والفقراء

تحضّر العائلات القبائلية لاستقبال شهر رمضان في جو من الحماس والفرحة التي تعم أرجاء القرى، التي يتعاون سكانها ويتضامنون من أجل استقبال الشهر الفضيل والترحيب بقدومه وفقا للتقاليد والعادات التي ورثوها، من خلال تنظيم عادة لوزيعة التي تقام خلال 15 يوما الأخيرة من شهر شعبان؛ حيث دأب سكان الأرياف من القرى والمداشر على تنظيم وإحياء هذه العادة نظرا لأهميتها في حياتهم المرتبطة ارتباطا وثيقا بالأرض والحرث والبذر والحصاد وغيرها، وكذا بالمناسبات الدينية المختلفة.

ويقول دا شعبان أحد مشايخ قرية آث سيدي أعمر ببلدية صوامع، إن إحياء تيمشرط لا يكون فجائيا وإنّما بعد تحضير مسبق، حيث يتفق مشايخ القرية والسكان على تنظيمها بتحديد تاريخ معيّن، ليتم بعد تحديد الموعد الشروع في جمع المال واقتناء الأضاحي من عجول وخرفان وماعز، ويتم دفع سعرها مسبقا إذا ما كانت خزينة القرية تحوي المال المطلوب، أو يُنتظر بعد تنظيم تيمشرط ليتم تسديد مستحقاتها التي تُجمع من تبرعات الزوار والسكان، مضيفا أنه غالبا ما يُدفع سعرها قبل حلول هذه المناسبة؛ كونها عادة معروفة يتم تنظيمها سنويا، فقط يختلف الحدث الذي تصاحبه؛ لذلك يكون المال المخصص لها متوفرا من قبل، مشيرا إلى أن لوزيعة تنظم بحلول مناسبات مختلفة؛ منها دخول موسم الفلاحة وعيد الفطر والأضحى وعاشوراء ورمضان وغيرها. وتُنحر، صبيحة ذلك اليوم، الأضاحي، وتقسَّم إلى مجموعات حسب عدد العائلات المشكّلة للعشيرة أو العرش؛ حسب عدد العائلات، ثم حسب أفراد كل عائلة؛ أي يكون تقسيم اللحم على اذرمان؛ أي عشائر، ثم تيخامين حسب عدد أفراد العائلة الواحدة بكلّ عشيرة، وفقا لقائمة اسمية لكل اذروم أي عشيرة، ليتم بعدها توزيع اللحم في أكياس على كل السكان، مضيفا أن هذه العادة تسمح للفقير والمحتاج بأن يحظى بنصيبه من اللحم، خاصة أن هناك من ليس بمقدوره شراء اللحم. وأشار المتحدث إلى أن هذه العادة تترك انطباعا جميلا في قلوب الجميع إلى درجة محو صور الحزن والقلق، لتزرع محلها الفرح والأمل، حيث ينتظر السكان هذه المناسبة بفارغ الصبر من أجل أن يجتمعوا معا في جو من الفرح والبهجة بعيدا عن النزاعات والمشاحنات؛ يتقاسمون طبقا واحدا، ويجلسون في مكان واحد، ويحضّرون معا للمناسبة، كما يتشاورون حول كل تفاصيل التحضيرات؛ ما يجعل أواصر المحبة والتضامن والأخوة تزداد وتتطوّر بين السكان.

وأكد دا محند من قرية تاقونيس ببلدية آيت يحي، أنّ عادة لوزيعة ليست فقط من أجل سيلان الدماء وإبعاد العين وبداية موسم فلاحي جيد، لكن أيضا تجسيدا لتعاليم الدين الإسلامي الذي يدعو إلى الرحمة والتضامن. ولعل إطعام الفقراء والمساكين يجسّد روح الإيمان والتفكير في الغير، حيث إن تمسّك السكان بهذه العادة القديمة دليل على تمسّكهم بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وبوصايا النبي المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام؛ بأن يفكر كل مسلم في أخيه المسلم، وأن يشعر بوجعه وجوعه، ويشاركه همومه ويخفف عنه، ومثل هذه العادات تغرس الحب والتضامن في القلوب. وأشار إلى أن هذه المناسبة، تُدخل الفرحة إلى قلوب الفقراء؛ ففي هذا اليوم لا يكون هناك من ينظر إلى جاره بنظرة حاجة أو نقص بفضل إحياء عادة تيمشرط التي رفض السكان التخلي عنها؛ لأنها ليست فقط تقليدا، وإنّما فرصة لتعزيز أواصر المحبة والتقرب إلى الله، تكون فأل خير للجمع بين مبدأي التواصل والرابطة الدموية والرابطة الترابية، على اعتبار أن هذه العادة تصاحب بقوة موسم الفلاحة وخدمة الأرض.

إحياء قسّام أول خطوة للاستعداد لشهر رمضان

يسبق إحياء عادة لوزيعة عادة قديمة تسمى بـ قسام تتزامن مع 15 من شعبان، حيث يكون الاحتفال بهذا اليوم مميزا، يترقبه وينتظره الجميع بفارغ الصبر من أجل صيامه، للتضرع إلى الله بالدعاء بأن يكون الشهر الفضيل باب خير يجلب السعادة والصحة والهناء والخيرات، على أن يحلّ العام المقبل على العائلات بالخير والبركات.

ويُعرف هذا الحدث المميز بصوم الكبار والصغار، والإفطار على أكلة واحدة، هي الكسكس باللحم الأحمر أو الدجاج الذي يتم تناوله في طبق واحد ثاربوث يتوسط المائدة، ويحضَّر بالبقول الجافة المختلفة. كما تحرص النساء على تفادي طهو أطباق القلي أو مأكولات يابسة؛ فما يميز هذه العادة بعد الإفطار هو الاحتفاظ بالطبق بدون غسله، ويوضع فوق المائدة مع وضع الملاعق حسب عدد أفراد العائلة من الموجودين في البيت والقاطنين في ديار الغربة ليكون مقابلا للنجوم، وترمز هذه العادة إلى جلب الحظ والرزق لأهل البيت، وأن تكون حياتهم مثل النجوم في لمعانها.

تقول نا فروجة من آث عيسي إعكوران، إنه بعد وضع الطبق تحت ضوء النجوم والقمر يتجه الصائمون إلى عتبة البيت للدعاء وهم يرددون عبارة: قسام تنصفا نشعبان إيعوزاغ أوضان أرجيغث إيديوالي؛ بمعنى: قسام منتصف شعبان قضيت الليل ساهرا، انتظرت الله أن ينظر إليّ، ثم يدعو كلٌّ بما يتمناه ويريد أن يتحقق من دعاء في النجاح في شتى المجالات، مضيفة أن السكان لا يفوّتون هذه الفرصة، التي أصبحت عادة مرتبطة بحياتهم.

«اغراو.. مواطنون يتبرعون ومشايخ يدعون

يصاحب عادة لوزيعة تنظيم ما يسمى أقراو؛ بتجمّع مشايخ القرية أمام مدخل كلّ زاوية أو مقام ولي صالح؛ أي بالفضاء الذين نُظمت به لوزيعة، حيث يجلس المشايخ الكبار ويشكلون حلقة، ويضعون إما صندوقا في الوسط أو يفرشون غطاء توضع به التبرعات من المال الذي يتصدق به السكان. وفي المقابل يدعو المشايخ بالصحة والرزق والذرية الصالحة وغيرها من الأدعية، فيما يردد بقية أفراد أقراو”: أمين وراء كل دعاء، ليُستغل هذا المال إما لدفع قيمة الأضاحي أو إنجاز أشغال ذات منفعة عامة للقرية.

ويكون هذا الاحتفال غالبا بمقامات الأولياء الصالحين والزوايا؛ تقول نا زهرة (80 سنة) إنّ العائلات تتوافد بقوة على المقامات؛ فهي مناسبة لرؤية الأقارب والأحباب للالتقاء وقضاء وقت معا في جو حميمي يميّزه الحماس، كما أنها فرصة للبعض للدعوة وطلب عدة أمور من الله، حيث نجد زوايا، منها شيح محند الحسين بعين الحمام وبوبهير بصوامع وشرفة بهلول باعزازقة، وغيرها. وتنظم هذه العادة لإطعام الفقراء، فيحضر سكان عدة قرى هذه الأيام لتنظيم زردة من أجل إحياء عادة لوزيعة. وهناك قرى أحيت العادة منذ أيام، وأخرى تحضَّر لتنظيمها هذه الأيام.