الببوش

‘’الكافيار الزاحف” ينتشر في أسواق وهران

‘’الكافيار الزاحف” ينتشر في أسواق وهران
  • القراءات: 1133

تحولت وهران مع مرور السنين، إلى قطب تجاري لتسويق الحلزون البري، أو كما يطلق عليه سكان المنطقة اسم الببوش، المستقدم من مختلف مدن الجزائر، مما جعله متوفرا بمختلف الأسواق الشعبية والجوارية في مختلف المواسم، ومحل استقطاب موائد الوهرانيين.

 

شجعت ثقافة استهلاك الببوش عند الوهرانيين، على اتساع رقعته التجارية، التي لم تعد مقتصرة على الباعة المتجولين، الذين كانوا يجوبون الأحياء الشعبية لتسويق بضاعتهم، إنما زحف هذا الكائن الرخوي إلى كل أسواق وهران المفتوحة والمغطاة وحتى المساحات التجارية الكبرى.

تعرض في هذه الأسواق كل أنواعه التي يتم جمعها من الجبال والغابات والحقول، في ولايات غليزان وسعيدة والجزائر العاصمة وسيق وتلمسان والمدية، وبأسعار مختلفة تكاد تكون في متناول الجميع، كما ذكره المتخصص في بيع الحلزون بحي أسامة حول هذا النوع من التجارة. لعل المتجول عبر هذه الفضاءات التجارية، يقف مشدوها أمام الكم المعروض من الحلزون بمختلف أنواعه، من الصغير، المتوسط، الكبير، مزركش اللون والأبيض والبني الداكن بدون ومع خطوط صفراء، والكستنائي والرمادي، الذي يعتبر الأجود والأغلى، مثلما يؤكده المتحدث حسين خدومة، الذي يمون الباعة المتجولين والمنتشرين عبر الأسواق من هذه الرخويات بشكل يومي.

بخصوص الكمية التي يستقبلها هذا التاجر المتخصص في هذا النشاط،  ذكر بقوله إن كل بلاد وأرطالها.. أي كل منطقة ومناخها، لكن كل هذا المنتوج المعروض في أسواق وهران خلاوي بالعامية أي (بري) وذو جودة عالية ونظيف، مما يجعل مذاقه عند الطبخ أطيب من ذلك الذي يُربى. وبعد أن كانت سوق الحلزون بوهران توفر نوعا واحد منه، وهو الرقيق، أصبح للمستهلك الوهراني عدة خيارات، حيث يجد عدة سلالات لهذا الحيوان البري التي يطلق عليه نعيجة و«البياض و«بوكرار المعروف بحجمه الكبير ولونه الرمادي، مما جعل الكثير من الباعة يطلقون عليه كافيار الجزائر أو الكافيار الزاحف، على حد تعبير البائع قدور القادم من منطقة طفراوي، والذي له باع طويل في جمع الببوش.

تجارة مربحة ومنافع صحية

نظرا لإقبال الزبون الوهراني على استهلاك لحم الببوش، فقد أصبح مصدر رزق الكثير من العائلات، حيث يتوجه شباب وكهول مع النسائم الأولى من الصباح، إلى المناطق الجبلية لجمع هذه الرخويات، حسب ما ذكره رئيس جمعية شفيع لتربية الطيور والحيوان وحماية البيئة بوهران.

وتعتبر المناطق الجبلية التي تزخر بالغابات، على غرار لأقهر و«المسيلة و«قرانيين بشرق وغرب وهران، أكثر المواقع التي تتوفر على مخزون هائل من الببوش، لاسيما مع تساقط الأمطار، التي تتيح لهذه الرخويات الخروج من مخابئها، وهو ما يسهل عملية الجمع، كما أضاف معمر شفيع الله.

تتراوح أسعار الببوش بين 200 و300 دينار للكيلوغرام الواحد في موسم الشتاء، ويرتفع قليلا ليصل إلى 400 دينار للكيلوغرام عندما يحل الجفاف، مثلما ذكره أحد الباعة بسوق المدينة الجديدة في وهران، لافتا في السياق، إلى أن حالة البيع في هذه الفترة تكون راكدة، بسبب نقص الغيث، مع العلم أنه يقتني بضاعته من الممون الرئيسي بسعر مرجعي لا يتجاوز في أغلب الأحيان 250 دينارا.

يزيد هامش الربح مع حلول موسم الصيف، حيث يصل سعر الكيلوغرام  من الحلزون في بعض المرات إلى 560 دينارا، نظرا للطلب المتزايد عليه، لاسيما من طرف أفراد الجالية الجزائرية المقيمة في الخارج، التي تقتني كميات كبيرة، خاصة بالنسبة لنوع بوكرار أو البياض الذي تجد أجزاءه الداخلية أحلى وأسهل في الاستهلاك، حيث يعتبر من الأنواع القليلة في السوق بالمقارنة مع البقية.

يعود غلاء الحلزون، وفق البائع من منطقة سيق، الذي يعرض بضاعته بسوق محي الدين (الاكميل سابقا)، إلى تراجع فرص العثور على الحلزون في الجبال، بسبب الحرارة الشديدة وتواجد بعض الطيور التي تتغذى منه، مما يتطلب جهدا أكبر في جمع الببوش الذي يكون مختبئا بين الصخور، والذي يسمى الصائم. بما أن الوهرانيين معروفون بولعهم الشديد بـ«الببوش، فقد تفننت الكثير من العائلات في تحضير أطباق شهية، أبرزها حساء الحلزون الذي تتطلب طريقة تحضيره العديد من الأعشاب الطبية والعطرية والتوابل، ويتم تقديمها في فصل الشتاء لعلاج نزلات البرد. بعد تركه ليلة كاملة في الدقيق (السميد) حتى يتخلص من جميع فضلاته، يتم غسله عدة مرات بالخل والماء حتى يصبح خاليا من إفرازاته اللزجة، ليوضع في قدر للطهي، بعد قراءة البسملة والتكبير، على حد تعبير السيدة نصيرة، التي هي بصدد إنجاز كتيب حول طرق طبخ أطباق الحلزون، التي تعد جزءا من المطبخ الشعبي الجزائري، مع إبراز فوائده الصحية.

لم تعد هذه الأكلة التراثية محصورة عند العائلات فقط، إنما زحف إلى مطابخ بعض المطاعم الكبرى للمؤسسات الفندقية بوهران، وأصبح يتصدر قائمة الأكل التي تعرض للزبون، مما يتطلب تصنيف حساء الببوش ضمن قائمة التراث الوطني، على حد تعبيرها.  يكمن سر الإقبال الكبير للوهرانيين على الحلزون، إلى قيمته الغذائية ومنافعه الصحية، لأن الحلزون المتواجد في الجزائر لا يتغذى إلا على الأعشاب، وفق المتحدثة، لافتة أنه مخاطه (إفرازات اللزجة) كانت جداتنا تستعمله نظرا لتأثيره على تأخير علامات الشيخوخة ويمنح نضارة للوجه، لاسيما أن العديد من شركات التجميل في العالم تستعمله في إنتاج مستحضرات ذات خصائص طبيعية للياقة والتجميل، والتقليل من تجاعيد الوجه بحكم التقدم في السن.

إضافة إلى متعة استهلاك طبق الببوش، فإن لهذا الكائن الرخوي أهمية في التراث الشعبي، لما يحمله من دلالة ورمزية، حتى في الروائع الأدبية العالمية، منها رواية الحلزون العنيد للكاتب رشيد بوجدرة، إلى جانب حضوره القوي في الأمثال الشعبية العالمية، لبطئه في السير.