الباحث في التاريخ خدام محند أوبلقاسم لـ "المساء":

"يناير" مناسبة اجتماعية تحمل الكثير من المعاني

"يناير" مناسبة اجتماعية تحمل الكثير من المعاني
  • القراءات: 1501
حنان. س حنان. س

يتحدث الأستاذ خدام محند أوبلقاسم، الباحث في التاريخ، عن مكانة "يناير" في المعتقد الشعبي، وعن الجذور التاريخية للمناسبة التي يشاع بأنها تعود إلى انتصار الملك الأمازيغي شاشناق في استوطانه دلتا النيل، خلال الألف الرابعة قبل الميلاد، وقال بأن الكثير من المظاهر الاحتفالية بقيت متوارثة عبر الأجيال، وكلها احتفالات ترتبط بالأرض وشكر الله على الرزق.

❊ في البداية أستاذ، لماذا نحتفل بـ"يناير"؟

❊❊ نستطيع أن نضع هذه المناسبة في مجموعة من الأطر.. تاريخية واجتماعية، ثقافية وإقتصادية، ثقافية وسياسية، كل هذه الأطر مجموعة من الأفكار تلتقي جمعها في فكرة أساسية، وهي تعزيز الوحدة الوطنية والمكونات الأساسية للمجتمع، لأن الهوية الوطنية والذوبان في الوحدة الوطنية من أغلى الأشياء التي يمكن الافتخار بها بعد الاستقلال.

❊ وهل تعتقدون أننا وفقنا في الذوبان في هذه الوحدة الوطنية؟

❊❊ أقول بأننا لم نوفق بعد وأشرح بقولي؛ إننا من الناحية السياسية شعب فتي لم نسترجع كياننا السياسي إلا منذ مدة قصيرة، لذلك فإن الوقت لم يكف لكي نشرح كل عناصر الهوية الوطنية ونذوب فيها.

❊ حدثونا عن الجذور التاريخية لـ"يناير"؟

❊❊ جذور "يناير" غامضة جدا، غير أنها واقعية، أي الاحتفال به واقعي وقديم جدا ولا نستطيع تحديد جذوره التاريخية بالتدقيق، لأن أجدادنا نقلوه أبا عن جد وكان الاحتفال به شعبيا واستمر عبر الزمن. والفكرة التاريخية الأساسية لم تكن متبلورة في أذهان الشعب الذي كان محاربا بكل قساوة في كل عواطفه ومقوماته الدينية أو الشعبية. أما الثالث عشر من كل يناير، إنما يرمز إلى الرزنامة الفلاحية للأمازيغ، وهي ترمز إلى بداية كل شهر فلاحي يبدأ في الرقم 12 وليس في الفاتح منه، ثم يتجدد الشهر في كل 12 لمدة 12 شهرا.

❊ وفيما تتمثل مجمل مظاهر الاحتفال بـ"يناير"؟

❊❊ أولا، لا بد من الإشارة إلى أنه لا يمكن الحديث عن مظاهر إحياء هذه المناسبة في كل ولاية على حدا، لكنها مظاهر تتفق في العموميات، ونجملها في القول بأنه كان يخص باب العام باحتفال خاص، لأنه احتفال يخص الثقافة المحلية دون الاستعمار. الاحتفالات كانت تصاحبها الكثير من التقاليد، ومنه تبييض البيوت من أجل استقبال الأهالي والأحباب، كونها مناسبة للتزاور، ويوقدون الشموع لإضاءة الأرجاء ويتبادلون العشاء أو "أمنسي"، بمعنى أنها ليلة يكرم فيها السكان أنفسهم بالذبائح وغيرها للتفرقة بين الأيام العادية ومناسبة "يناير".

❊ لكن الثابت أن "أمنسي نيناير" يكون كسكسا بالحبوب السبع أليس صحيحا؟

❊❊ تقريبا، لكن الأصح أن "أمنسي نيناير" يكون طبقا من الحبوب إما كسكسا أو "بركوكس" أو فريكا أو أرزا أو فولا أو حمصا بشرط ذبح "سردوك"، وليس شرطا طبقا واحدا يضم هذه الحبوب كلية. أما دلالتها فأعتقد ولست جازما، أن الحبوب رمز عطاء الأرض، بالتالي يتضرعون لله ليزيدهم ذرية طيبة، وربما يرمز أكثر إلى الذكور أكثر منه إلى الإناث. وفيه أيضا عادة حلق الشعر للمولود الذي لم يبلغ بعد السنة دليل على فطامه، وهنا تتبعها عادة سلق حبات البيض بعدد أفراد العائلة وتدعى هنا القابلة لكي تأكل من نفس حبة البيض التي أكل منها المولود، وإن كانت قابلة الدشرة فإنها تمر على كل البيوت التي ولد لها مولود وتقضم من حبات بيض المواليد، والعبرة هنا للتزكية والتبرك بحضور شيخ المسجد لمقامه الكبير والانتماء الإسلامي. 

❊ هل من عادات أخرى غير "أمنسي نيناير"؟

❊❊ نعم، هناك العديد من المظاهر التي تطبع احتفالية "يناير" بقيت سائدة في بعض المناطق إلى اليوم، ومنها أن تقوم ‘ثمغارت انڤوخام’ أي سيدة البيت بتنقية زريبة المواشي قبيل أيام من حلول ليلة الاحتفال، على أن تحرق "الجاوي" في الليلة ذاتها، وليس لهذا المظهر مطلقا علاقة بالشعوذة، وإنما طرحا للبركة وإبعاد عين الحسود، مع ترديد بعض الابتهالات تضرعا إلى الله حتى تكثر الولادات بين المواشي، خاصة التوأم، للزيادة في القطيع، وكذا ابتهالات لإرجاع الغائب من الأهل. وهناك أيضا عادة ‘افرّاحن’ أو كما تعرف عند العامة باسم "الطبابلة"، ففي "يناير" أو أية  مناسبة شعبية أخرى، يدورون على القرى من أجل الفرح بالمواليد الجدد في كل دشرة وتسمى العادة ‘ثزوالت’ تبركا بالمولود الجديد حتى يرزق أكثر فأكثر.

❊ نفهم من كلامك، أستاذ، أن كل العادات المصاحبة لإحياء "يناير" تتعلق بالرزق؟

❊❊ تماما، كلها سواء المتعلقة بالأرض كونها رمز الرزق والمتعلقة بالأم لأنها رمز الخصوبة. ومازالت سارية إلى اليوم حتى وإن كان هناك تيار إسلاموي يُسيّس الدين إلى أبعد الحدود. لذلك نقول؛ إن إحياء عادات "يناير" ليس فيه أي مظهر من مظاهره الشرك وإنما ابتهالات إلى الله طلبا لمزيد من الرزق وتوطيد الروابط الاجتماعية أكثر فأكثر.

❊ يقال؛ إن تاريخ الاحتفالات بـ"يناير" يعود إلى الملك الأمازيغي شاشناق الذي استولى على العرش الفرعوني قبل 2966 سنة، فهل هذا صحيح؟

❊❊ من الناحية التاريخية، نحن كباحثين في التاريخ نعرف بعض الحقائق عن هذه المناسبة التي تعود إلى الألف الرابعة قبل التاريخ، حيث كان يسود العلاقات بين الفراعنة والأمازيغ الحروب التي كانت سجالا، تارة يفوز الفراعنة وتارة الأمازيغ الذين كانوا في الحقيقة يسمون في تلك الحقبة الليبيين، أي السكان من حدود مصر إلى حدود إسبانيا. والملك شاشناق في السنة 950 قبل الميلاد، كان واحدا من الأسر الليبيّة الحاكمة الذي تمكن من أن يستوطن دلتا النيل وبقيت لسنوات طويلة بعد أن رضي الفراعنة آنذاك باستيطانهم، فيما يشبه الحكم الفيدرالي مثلما هو معروف اليوم، حيث أن شاشناق الأمازيغي كاد يطيح بالحضارة الفرعونية. أما ربط "يناير" بالعام 2966 لذكرى انتصار شاشناق على الملك الفرعوني، فهو إلى حد ما صحيح، كون الأقوام أخذوا هذا الانتصار كمرجعية تاريخية، أي للتأريخ، تماما مثلما أخذ قوم قريش وغيرهم حادثة الفيل للتاريخ في تلك الحقبة، أو كما هو معروف حاليا بميلاد سيدنا عيسى للتاريخ الميلادي، وهجرة الرسول عليه الصلاة والسلام للتاريخ الهجري.