شعارها "التطوع لا يعترف بالسن "
"يما خيرة".. أنامل من صوف وقلب لا يشيخ بالعطاء

- 273

فاق عمرها 96 سنة ويطيب للكثيرين أن يطلقوا عليها لقب "مدرسة العمل الخيري"، فقد اختارت أن تحوّل وقت فراغها إلى مصدر عطاء ودعم للفئات الهشة، من خلال ما تحيكه أناملها من كنزات صوفية للجنسين. وعلى الرغم من تقدمها في العمر تؤكد أن السن مجرد رقم، وأن العطاء لا يعترف بالسن، فـ"ما دام فيك روح يمكنك أن تعطي بقدر استطاعتك". إنها الحاجة خيرة، التي أنهت واجبها تجاه أبنائها، وتفرغت لخدمة الأيتام والمحتاجين بما تستطيع... فما هي قصة "يما خيرة"؟
تقول الحاجة خيرة سعد الله زوجة قنان، أو كما يحلو للكثيرين تسميتها بـ"يما خيرة" في حديثها مع "المساء"، إن سنوات عمرها الطويلة أكسبتها خبرة واسعة في الحياة، فقد عاشت يتيمة، وتزوجت صغيرة السن، وكانت مناضلة إلى جانب زوجها قبيل الحقبة الاستعمارية.
وكغيرها من الفتيات شغفت بتعلم الصناعات اليدوية، فأتقنت عدداً منها، أبرزها حياكة الصوف التي تعلمتها على يد إحدى قريباتها. وبعدما أنهت رسالتها مع أبنائها وكبروا تفرغت لدعم المحتاجين من تلقاء نفسها، وكانت البداية مع دُور رعاية المسنين لأكثر من 13 سنة حيث كانت تحيك لهم بعض الملابس الصوفية، لتوزعها عليهم قبل بداية موسم البرد مرة واحدة في السنة. وتضيف أنها عبر تواصلها مع القائمين على دار المسنين، وسّعت دائرة عملها الخيري، حيث أصبح ما تحيكه من ملابس، يوزَّع على المحتاجين في المناطق الجبلية خارج العاصمة، باعتبارهم الأكثر احتياجاً. وكانت تحضّر كنزات صوفية، وجوارب، وإيشاربات للعجائز بدور المسنين، وهي ملابس تؤمّن لهم الدفء في موسم الشتاء البارد، مشيرة إلى أن إدمانها على الحياكة جعلها تفرغ من إنجاز الكنزة الواحدة في وقت قياسي، وهو ما سمح لها بتوفير الكميات المطلوبة في المواعيد المحددة كل سنة.
ولفتت الحاجة خيرة إلى أنها بدأت حياكة الصوف في سن السابعة من عمرها، وأن ابنها المقيم بفرنسا كان من أكبر الداعمين لمشروعها التطوعي، إذ كان يرسل لها كميات كبيرة من الصوف، لتملأ بها وقت فراغها، وتحوّله إلى عطاء لفائدة المحتاجين. ومع مرور الوقت تعرفت على الأستاذ المرحوم علي بوناب، عميد العمل التطوعي ومؤسس جمعية "قوافل الخير" بولاية البليدة، فوجهت نشاطها نحو رعاية الأيتام. ومنذ ذلك الحين لم تعد تكتفي بتوزيع ما تجمعه مرة واحدة في موسم الخريف، بل أصبحت بعدما ذاع صيتها في العمل الخيري، تحضّر كميات من الملابس لأكثر من ثلاث مرات في السنة.
ولم يتوقف عطاؤها على ما تحيكه أناملها من كنزات وجوارب صوفية، بل توسع ليشمل جمع الملابس المستعملة لإعادة توزيعها، والمساهمة بما تستطيع من مال لدعم مشاريع خيرية مختلفة، مثل حفر الآبار المائية، وحتى جمع الأواني. وشعارها في الحياة: "العطاء لا يعترف بالعمر".
ووجهت "يما خيرة " في ختام دردشتها رسالة، مفادها أن الربط بين العمل الخيري وكبر السن اعتقاد غير صحيح، مؤكدة من خلال تجربتها الطويلة، أنه لا شيء أجمل من الانخراط في التطوع منذ الصغر؛ حتى يتربى الجيل الجديد على حب الخير. وختمت بالقول: "لا أستطيع الصبر على ترك العمل الخيري. ورغم تقدمي في العمر مازلت أؤمن بأنني قادرة على العطاء. وأشعر بالكثير من الفرح لما أقدمه من عمل".