الشيخ العلامة سي اسعيد بن بركاهم

وصيتي للشباب: الأخلاق، الإخلاص للوطن ورص الصفوف

وصيتي للشباب: الأخلاق، الإخلاص للوطن ورص الصفوف
  • القراءات: 789
جمال. م جمال. م
من الصعب جدا أن تختزل مسيرة قرن من الزمن في كلمات، لأنك بذلك تكون قد أنقصت من قيمة الرجال العظماء، وهي الرحلة المليئة بالحل والترحال في سبيل نشر رسالة العلم والمعرفة في ربوع الوطن.
ومن باب إعطاء الرجال حقهم فيما حققوه، رغم مشقة الرسالة التي اختاروا حملها، كانت لنا زيارة عند الشيخ العلامة اسعيد بن شويخ، المعروف بسي اسعيد الذي تخطى عتبة الـ80 سنة، اجتر ذكرياته وكيف التحق بالكتاتيب وحفظ كتاب الله وعمره لم يتجاوز الـ16، ثم شد الرحال إلى زاوية سي احمد بوداود بنواحي أقبو، ولاية بجاية سنة 1948، حيث نهل المزيد من العلم، يقول: «كان لي ما أردت عندما دققت باب كتاب الشيخ خليل بن إسحاق الذي تضمن الفقه والصلاة والبيوع، ناهيك عن التوحيد والنحو، لأعود إلى منطقتي بعد عامين، أي سنة 1950، وقتها بدأ مشواري في إمامة المصلين، وتعليم كتاب الله وتعاليم ديننا الحنيف للصغار في كتاتيب أحياء ونوغة، وبالضبط في حي الشرفة بنفس البلدية لمدة قاربت الـ05 سنوات، قبل أن أنتقل إلى كتاب أولاد رحال، حيث عرفت تخرج دفعة من الطلبة الحافظين لكتاب الله. كانت أجرتي فيها لا تتعدى حبات من القمح والشعير وعيدان من الحطب، كما كان المواطنون يقومون بترميم بيتي بين الحين والآخر، بجلب الحلفاء والديس»، «وبقيت على ذلك الحال ـ يضيف الشيخ سي اسعيد ـ حتى سنة 1957، حيث ألقى جيش الاستعمار الفرنسي القبض علي بتهمة توعية وتعليم الأولاد، وغرس حب الوطن في نفوس الأهالي، وهي المهام التي كلفت بها من طرف جيش وجبهة التحرير الوطني آنذاك، وهنا أنشد، يقول: هبوا يا نشء الجزائر، يا سليل الفاتحين *** واهجر الليل وثابر في العلا للعاملين.
وبعد ما تم القبض علي، يقول الشيخ، أخذت إلى معتقل بولاية برج بوعريريج، قبل تحويلي إلى ولاية سطيف، حيث ذقت شتى أنواع التعذيب لأحول بعدها إلى قسنطينة، ثم مرة أخرى إلى مدينة سطيف حتى عام 1961، ليطلق سراحي، لكن كمنفي، بمعنى أنه غير مسموح لي بالعودة إلى مسقط رأسي ونوغة، فبقيت في برج بوعريريج، ومكثت على تلك الحال حتى عام 1962، تاريخ عودتي إلى موطني، والتحقت مرة أخرى بالكتاتيب ونشر رسالة العلم والمعرفة بأمر من جيش التحرير بأجرة شهرية لا تتجاوز دنانير معدودات، يواصل الشيخ حديثه، فيقول بأنه سنة 1967، شددتُ الرحال إلى قرية أولاد عنان بولاية البويرة لكسب قوتي. وبعد 7سنوات، أي في أواخر سنة 1974، تم توظيفي بقرار وزاري، حيث عملت في مساجد البلدية إلى غاية نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وأحلت على التقاعد بعد عمل دام أكثر من 40 سنة، جبت خلالها العديد من القرى والمداشر، وعملت في كتاتيب عديدة متطوعا أحيانا ومأجورا أحيانا أخرى، وكنت شاهدا على تدشين مساجد كثيرة في بلديات الولاية.
وفي ختام كلمته إلينا، بعث الشيخ برسالة إلى الشباب قائلا: «لا وطن لكم غير الجزائر، فعليكم برص الصفوف، وهذا لن يتأتى إلا بالتحلي بالأخلاق الحميدة، ووصيتي لكم أن تحافظوا على الجزائر فهي أمانة بين أيديكم».
إذن هي مسيرة الشيخ اسعيد بن شويخ أو سي اسعيد بن بركاهم، شاهد على القرن الذي تخرج على يديه أئمة فرسان انتشروا بدورهم في ربوع الوطن لحمل رسالة الدين والعلم، ولقي أنواعا من المساعدة من القرى والمداشر التي عمل في كتاتيبها. كرمته جمعية دينية مسجدية مؤخرا، إلا أنه ينتظر التفاتة من مديرية الشؤون الدينية لولاية المسيلة التي عمل فيها لأكثر من 40 سنة.. فهل هو قدر العظماء بأن ينسحبوا في صمت؟!