يعتبر بصمة وهوية ومسؤولية جسيمة

هل يختفي الختم بفعل الرقمنة؟

هل يختفي الختم بفعل الرقمنة؟
  • القراءات: 4308
 حنان.س حنان.س

تحمل كل الأوراق الإدارية ومختلف فواتير التعاملات التجارية ختما يحوي معلومات الجهة التي يصدر عنها وكذا توقيع الشخص الطبيعي أوالمعنوي، غير أن الرقمنة ترهن التعامل بالأختام، حيث ينتظر أن تتم التعاملات مستقبلا عبر الانترنت مما يقوض كثيرا استعمال الختم الذي هو في الحقيقة بصمة الشركة أوالتاجر أو الجمعية ....فيما يؤكد البعض أمر زوال الختم إن عاجلا أو آجلا، يرى آخرون عكس ذلك بل يؤكدون أن زوال الختم الرسمي يعني استفحال التزوير.

اعترف حرفيون وصناع أختام في حديث لـ«المساء" أن صناعة الأختام قد تراجعت كثيرا في السنوات الأخيرة، وذلك لعدة أسباب منها ولوج أناس لا علاقة لهم بالميدان على الخط في منافسة قالوا إنها غير شريفة، فالحرفي الصانع يعمل على آلات معينة منها آلة التيبوغرافيا التي تنقش الحروف والأرقام،"بينما المتطفلين على المهنة يستعملون الحاسوب وطابعة وفقط"، يقول حرفي صناعة لوحات إشهارية وأختام، أبو نزيم بشارع حسيبة بن بوعلي بالعاصمة، موضحا أنه يحترف هذه الصناعة منذ 32 سنة، ملفتا إلى أنها تواجه منافسة غير شريفة خلال العشرية الأخيرة بسبب تطفل مستخدميّ الإعلام الآلي. 

ويضيف المتحدث أن الختم مهم جدا سواء في الإدارة أو التجارة، مفندا أمر الاستغناء عنه مستقبلا بسبب استفحال الرقمنة، يقول:«أعتقد أن الختم شيء رسمي جدا ولا يمكن الجزم بالإستغناء عنه على الأقل في المدايين القريب والمتوسط، كما أنه من الصعب جدا تعميم الرقمنة في كل المجالات بسبب عدم تحكم فئة واسعة من المواطنين بتقنياتها، كما أعتقد أن الاستغناء عن الأختام سيفتح الباب واسعا أمام التزوير واستعمال المزور".

في السياق، يحدثنا مواطن تردد على محل أبو نزيم للسؤال عن صناعة ختم خاص به، أن هذا الأخير عبارة عن بصمة تعريفية لصاحب محل أو جمعية، كما أنه ضمان للجهتين سواء للمستهلك أو التاجر في حالة الإخلال بالعقد بين الطرفين كيفما كانت طبيعته، "وعليه لا أعتقد أن الرقمنة ستحل محل شيء رسمي، وحتى وإن تقدمت التكنولوجيا لا أظن أننا كجزائريين سنتخلى عن الأوراق والأختام، لأنها أكثر قانونية وأكثر مصداقية عند الشعب".

الختم مسؤولية جسيمة

وفي معرض حديثه إلينا، يوضح أبو نزيم أنه ورث حرفة صناعة الأختام والنقش أبا عن جد، وأنه قد مارسها طوال عقود وشرح لنا أن الأختام أشكال منها المستطيلة والدائرية والبيضوية ومنها الخشبية وهي التقليدية ومنها البلاستيكية وهي العصرية الأكثر انتشارا التي يتم فيها إدخال المعلومات الخاصة بصاحب الختم عبر الحاسوب ثم يطبع على الختم المُختار من طرف الزبون، بينما الخشبية تنقش الحروف عليها يدويا عبر آلة التيبوغرافيا القديمة التي زال استعمالها تماما حاليا.

المتحدث يؤكد أنه تخلى عن صناعة الأختام قبل أكثر من عشرية ملفتا إلى كونها حرفة تنطوي على مسؤولية جسيمة، بالمقابل فيها الكثير من المضايقات من طرف الشرطة بسبب سهولة تزوير الأختام بفضل تقنيات الإعلام الآلي "الرقمنة"، وأضاف أنه كثيرا ما تمت مساءلته بسبب حجز أختام مزورة: "وعليه فضلت إلغاء صناعة الأختام تماما والاكتفاء بالنقش على اللوحات كيفما كانت طبيعتها"، يقول أبو نزيم نافيا أمر زوال صناعة الأختام مستقبلا كونها البصمة التعريفية بالشخص الطبيعي أوالمعنوي: "في الإدارة أو في التجارة أو حتى في الثقافة والفن فإن التصديق الحقيقي يتم عبر ختم في آخر الورقة، ولا أعتقد أنه سيتم الاستغناء عنه لاحقا حتى بدخول الرقمنة وتقنياتها حياتنا اليومية". 

حرفة تعرف الكثير من المتطفلين

 وبالمثل يقول سليم حمديني الحرفي في صناعة اللوحات الإشهارية والأختام بمدينة بومرداس بالضاحية الشرقية للعاصمة، مبرزا أن حرفة صناعة الأختام كانت تحصي 73 حرفيا محترفا نهاية التسعينات، كلهم تعلّموا على كبار صناع الأختام ممن تعلموا في الورشات في العهد الاستعماري، ليأخذ العدد في التراجع مع الألفينات بسبب دخول الحاسوب فى الحياة المهنية وحتى الشخصية للأفراد، وهو ما جعل الكثير من حرفييّ صناعة الأختام يتخلون عنها والاكتفاء بصناعة اللوحات الإشهارية ليصبحوا نقاشين.

حمديني أيضا يؤكد أن الأختام لن تزول بانتشار الرقمنة وإنما تزداد انتشارا بفضل تقنية الحاسوب. إذ يرى المتحدث أنه من السهل الآن صناعة ختم في المنزل فأي شخص يتقن الإعلام الآلي يمكنه ذلك وعليه استفحل التزوير". وأتساءل: كيف سيكون الوضع إذا تم التخلي عن الختم والاكتفاء بالتوقيع مثلا؟ أعتقد أن قضايا التزوير ستملأ رفوف المحاكم".

استغناء عن الختم والإكتفاء بالرقم التسلسلي

كمال صانع أختام بورشة خاصة بتيجلابين بولاية بومرداس يرى من جهته أن الختم في طريقه إلى الزوال، ليترك مكانه إلى الرقم التسلسلي الذي يحمله أي شخص في بطاقته البيومترية عند تعميمها في المجتمع. وأرجع قناعته هذه لاطلاعه على مستجدات التكنولوجيا في الدول المتقدمة.

المتحدث قال إن صناعة الأختام قد تراجعت كثيرا خلال السنة الأخيرة بسبب تراجع إنشاء المؤسسات المصغرة حسبه. وفي هذا الخصوص يقول: "صناعة الأختام عاشت أيامها عندما كانت مؤسسات أنساج في أوجها، ولكن منذ حوالي السنة تراجعت كثيرا بسبب قلة فتح المؤسسات الشبابية، وأكثر الفئات التي نتعامل معها حاليا الجمعيات، وكذا بعض التجار ممن يغيرون أنشطتهم التجارية".

كمال اعترف بأهمية الختم لكونه هوية الشخص الطبيعي أو المعنوي، ولكنه بدا متأكدا من زواله لاحقا، ويشرح ذلك بقوله:«أنا مطلع جدا على مختلف مناحي الحياة الأوروبية المتصلة بطريقة مدهشة بالحواسيب والانترنت، لذلك تخلوا عن الملفات وكثرة الأوراق واستبدلوها برقم تسلسلي معتمد في مختلف التعاملات..هناك حقيقة المعنى الحقيقي للمثل الشعبي "عبّز يسيل"، ونحن وإن كنا نحب كثيرا الأوراق والتوقيعات وألوان الأختام، إلا أننا مطالبون بتغيير ذلك مرغمين لأننا نستهلك ولا ننتج وحتما ستفرض علينا الدول المتقدمة إتباع أساليبها شئنا هذا أم أبينا".

الختم هوية وبصمة

أحد المواطنين كان بمحل كمال بصدد إعطائه الأوراق المطلوبة لصناعة ختم خاص به، لما سألناه إن كان يوافق الطرح القائل بزوال الختم مستقبلا قال:«لا أشك في زوال الختم يوميا..إنه هوية الشخص وبصمة المؤسسة.. أنا صاحب مقاولة وأتعامل مع عدة شركاء وتعاملنا فيه الكثير من الأوراق والملفات وإذا حصل ولم تحمل ورقة واحدة ختما أحمرا وتوقيعا، فإن المُعاملة لا غية، طبعا فالختم يحمل رمز المؤسسة وهويتها والتوقيع وحده لا يكفي، أنا لا أقبل ورقة موقع عليها دون ختم!".

وقال مواطن آخر دخل يستلم الختم الذي طلبه من قبل، إن الختم هو الفاصل في الأوراق والتأكيد حول ما إذا كانت رسمية أم لا. وأوضح أنه صاحب مقاولة ويتعامل بالفواتير مع شريك له في ولاية وهران، يؤكد أنه يرسل له بعض الأوراق عبر الأنترنت ولكن بعد طباعتها على شريكه أن يختمها بختمه، وإلّا فإنها لن تقبل أبدا في التعاملات مع جهات أخرى في مجال المقاولاتية. ويرى ذات المتحدث أن تعميم التعامل بالحواسيب والرقمنة جيد وجميل "ولكننا متأخرون كثيرا عن هذا الأمر لأن طبع الأوراق والمراسلات عبر الانترنت من شأنه أن يشجع انتشار التزوير.. فحتى استعمال النسخ طبق الأصل وإن كانت بالألوان أي عبارة فقد تنم عن التزوير".