عادات تضامنية بنفحات إيمانية بباتنة

هكذا يستقبل سكان الأوراس رمضان

هكذا يستقبل سكان الأوراس رمضان
  • القراءات: 979
ع. بزاعي ع. بزاعي

يبدو أن مظاهر وطقوس رمضان زمان بمنطقة الأوراس، آيلة للزوال ولو أن بعض العائلات بالقرى والمداشر، لاتزال متشبّثة ببعض العادات والتقاليد الضاربة في التاريخ في هذا الشهر المعظم رغم تأثير الحداثة على سلوك الأفراد والأسر، إلا أن هناك عادات بقيت راسخة في المجتمع، منها احتفال العائلة بصيام أحد أبنائها لأول مرة وإن كانت هذه ميزة تُحسب لهذه العائلات، فإن الحداثة بالمدن الكبرى، أتت على القسط الكبير من الطقوس التي تلاشت ولا يمكن قراءتها سوى في عيون الشيوخ والعجائز، الذين رغم التطور الذي عرفته المدينة والتجمعات السكانية الكبرى، لايزالون متمسكين ببعض العادات والتقاليد.

يكمن دور الكبار في حث الأطفال على التعاليم السمحاء للدين الإسلامي، والعمل على توجيه الأطفال الذين انغمسوا في معظم الأحوال في متاهات ما رصدته التكنولوجيا والتقدم، وحولت وجهتهم إلى مقاهي الأنترنيت؛ شأنهم شأن الشباب الذين يستهويهم لعب القمار والدومينو، إلا أن ما ظل راسخا ولم تنل منه التكنولوجيا هو بيوت الله، التي أصبحت تعج بالمصلين الذين يؤدون صلاة التراويح عبر كل البلديات والدوائر. ويُعد مسجد أول نوفمبر بباتنة الذي يتسع لـ 10 آلاف مصلّ، قِبلة المصلين؛ فهذا الصرح الإسلامي الذي ساهم في إنجازه المرحوم المجاهد العقيد الحاج لخضر الذي حوّل المكان الذي أُنجز به بحي النصر من مطار عسكري استعمله الاستعمار لقمع الشعب الجزائري من خلال ما يُعرف بـ "الطائرة الصفراء" التي كانت وقتها "تقنبل" المدنيين والعزل، حوّله إلى قِبلة الإسلام والمسلمين، ويعرف كثافة منقطعة النظير للمصلين الذين دأبوا على أداء التراويح به.

وبالعودة إلى طقوس رمضان بالمنطقة، فإن الجهود تنصب على تهيئة الأطفال على صوم رمضان والتعود عليه، حيث يتم خلال أول يوم من صيام الأطفال الذي يكون حسبما جرت عليه العادة ليلة النصف من رمضان أو ليلة السابع والعشرين منه، إعداد مشروب خاص، يتم تحضيره في المنزل. ولا تختلف طرق الاحتفال بصيام الطفل لأول مرة في منطقة أخرى فحسب، بل من عائلة إلى أخرى أيضا؛ إذ هناك بعض العائلات التي تشجع صغارها على الصوم ولو لنصف يوم بدون إرغامهم على صيام اليوم كله، كخطوة أولى لاكتشاف ماهية الصيام والتعوّد عليه. وهناك من العائلات من تحرص على تصويم صغيرها سواء كان ولدا أم بنتا يوما واحدا، ثم تفطره اليوم الثاني، ليتمكن من صيام اليوم الموالي، وهكذا يتعود الطفل من تلقاء نفسه، على تحمّل الإمساك عن الطعام والشراب تدريجيا.

وتحرص العائلات على دعوة الأهل والأقارب إلى تقاسم مائدة الإفطار مع صغيرها الصائم لأول مرة. وتحافظ هذه العائلات على تقاليد قديمة، تحرص على توريثها الأجيال، ومنها أن يكسر الطفل الصائم لأول مرة، صيامه بتناول كأس حليب وحبات تمر.

"الرفيس" و"الزيراوي" وخبز الدار...

وتنفرد بعض العائلات التي لاتزال متمسكة بطقوس رمضان، بتحضير "الرفيس" و"الزيراوي" وخبز الدار الذي يلازم صحن فريك الشوربة. ويُعد هذا النوع من الحلوى التقليدية التي بدأت تأخذ طريقها إلى الزوال، أساس إفطار الطفل الصغير الذي يصوم لأول مرة عند العائلات الأوراسية. وإلى جانب كأس اللبن الأصيل الذي يحضَّر "بالشكوة" والذي تنبعث منه رائحة العرعار، تتصّدر موائد الإفطار في احتواء هذه القطع من الحلوى على عجين التمر.

ومن العادات القائمة إلى يومنا هذا، اقتناء أطقم أوان جديدة، ودهن المنازل. وفي المعتقد أنه يتوجب أن يتجدد كل شيء مع حلول رمضان؛ إيمانا منهم بضرورة تكريم هذا الشهر العظيم. وبعيدا عن هذه الأجواء كانت "الرحبة" بالسوق التي تتوسط المدينة، محطة لربات البيوت لاقتناء شربة الفريك التي لا تبارح المنازل إلا مع قدوم عيد الفطر المبارك. وغير بعيد عن هذه السوق يتنشر باعة "النوقة" وباعة "البيتزا"، التي تعرف رواجا كبيرا ساعات قليلة قبل الإفطار، خصوصا بعدما اصطلح على تسميته بـ "خامج وبنين"؛ حيث يعتقد الكثير من الناس عدم صلاحيتها، وأضرارها على صحة الإنسان.

وبعيدا عن أجواء التحضيرات لاستقبال شهر الرحمة في هذا الظرف المميز، أكد العديد ممن تحدثت إليهم "المساء"، أن ثمة من الإجراءات الواجب تطبيقها بخصوص الحيطة والحذر من فيروس "كوفيد19". وحسبهم، فلن يكون ذلك بالسهل للشذوذ عن القاعدة والتخلي عن بعض المظاهر التي تميز الشهر الفضيل عن بقية الشهور؛ كتبادل الزيارات، والإقبال على المقاهي والمساجد لأداء التراويح؛ خلافا للسنة الماضية بسبب الظرف القاهر الذي فرضته جائحة الكورونا، وعلى المنتزهات والحدائق العمومية للترويح عن النفس، والتي تشكل وجهة العائلات للسهر؛ فمنهم من يقصدون حديقة قادري بفسديس وحديقة جرمة، ومنتزه "حملة القديمة" ومتنزه تازولت "لامبيز".