تحول اهتمامهم من هواية إلى نشاط توعوي

نشطون بعنابة يسعون لحفظ الذاكرة البريدية

نشطون بعنابة يسعون لحفظ الذاكرة البريدية
  • 135
سميرة عوام سميرة عوام

أسّست مجموعة من المهتمين بجمع الطوابع والبطاقات البريدية والعملات في ولاية عنابة جمعية تحمل اسم "جمعية هواة جمع الطوابع والبطاقات البريدية والعملات لولاية عنابة"، وهي إطار ثقافي وتربوي يهدف إلى الحفاظ على هذه الهواية العريقة ونقلها إلى الأجيال الجديدة. يرى القائمون عليها، وفي مقدمتهم الأستاذ الجامعي محمد فوزي بوشلوخ، أن هذه الهواية ليست مجرد ترف أو نشاط  في وقت فراغ، بل إنها تحمل في طياتها معاني عميقة تُعرّف بالشعوب والحضارات وتُسهم في توثيق مساراتها التاريخية.

بدأت علاقة الأستاذ فوزي بالطوابع منذ طفولته، حيث كان يحصل على طوابع بريدية من أقاربه وأصدقائه، جمعها فقط لجمالها، دون أن يعرف ما تمثله من رموز أو معان. في ذلك الوقت، كانت الطوابع تُهدى للأطفال كعلامة على المحبة أو النجاح، وكانت بمثابة كنز صغير يبعث الفرح في نفوسهم. بمرور السنوات، تحولت هذه المتعة البصرية البسيطة إلى اهتمام معرفي وثقافي، خاصة بعد أن أدرك أن كل طابع بريدي هو جزء من سردية وطن أو قصة حدث أو صورة لرمز من رموز الأمة. قال الأستاذ فوزي، "إن الطابع البريدي يُعد من أبرز الرموز التي تُمكّن أي شخص في العالم من التعرف على هوية دولة معينة، تماماً مثل الراية الوطنية".

فالطابع، حسبه، "يحمل رموزاً ودلالات كثيرة: من صور قادة وطنيين إلى معالم طبيعية وتاريخية، ومن مناسبات وطنية إلى احتفالات"، مؤكدا أن الاهتمام بجمع الطوابع هو أيضاً اهتمام بالذاكرة الجماعية للشعوب، وهو ما جعل الطابع البريدي يتحول من وسيلة مراسلة إلى أداة ثقافية بامتياز. الجمعية التي تم تأسيسها في عنابة جاءت بعد علاقات واتصالات تمت بين هواة جمع الطوابع عبر البريد.

وقد تطورت هذه العلاقات إلى فكرة تأسيس إطار رسمي يجمع هؤلاء المهتمين وينظم نشاطهم، فتم إنشاء الجمعية خلال فترة قصيرة لم تتجاوز خمسة أشهر. تسعى هذه الجمعية إلى تحقيق أهداف متعددة، أهمها مرافقة الأطفال والشباب نحو هوايات نافعة، وحمايتهم من الفراغ الذي قد يؤدي بهم إلى الانحراف، وذلك عبر إدماجهم في أنشطة هادفة تملأ أوقاتهم بالعلم والمتعة.

ومع تطور وسائل الاتصال والرقمنة، بدأت أهمية الطابع البريدي تتراجع في الاستخدام اليومي، لكنه في المقابل تحول إلى قطعة أثرية فنية وتاريخية، تُعرض في المعارض ويُنظر إليها باعتبارها شهادة على مرحلة معينة من تاريخ الدول. وقد دخل الطابع البريدي أيضًا عالم التجارة، حيث أصبح يُباع ويُشترى، ووصلت بعض الطوابع النادرة إلى أسعار خيالية. ويذكر الأستاذ فوزي أن أغلى طابع بريدي في العالم تم بيعه في واشنطن بسعر بلغ 8 ملايين دولار، وكان هذا الطابع من دولة غويانا، وقد عُرض سابقًا في أحد المتاحف.

من جانب آخر، لا تنسى الجمعية البُعد التربوي والتثقيفي لهواية جمع الطوابع، فهي ترى فيها أداة لبناء الإنسان، وتعزيز الحس الوطني والانتماء للهوية الثقافية. فالطابع الذي يبدو صغيرًا من حيث الحجم، يحمل في طياته دلالات كبرى، ويُعرف الناشئة بطريقة غير مباشرة عن رموز وطنهم وتاريخهم، ويشجعهم على البحث والمعرفة. أما بخصوص الطوابع الجزائرية، فإن أول طابع بريدي صدر في الجزائر كان سنة 1924، خلال فترة الاستعمار الفرنسي، وكان يحمل اسم "الجزائر تحت الاستعمار".

وبعد الاستقلال، صدر أول طابع رسمي للجزائر المستقلة يوم أول نوفمبر 1962، وهو تاريخ رمزي يمثل اندلاع الثورة التحريرية، وكان يحمل الراية الوطنية إلى جانب الرمز 1+9. في الأخير، يتجلى من خلال هذه التجربة أن الطابع البريدي ليس مجرد وسيلة لنقل الرسائل، بل لنقل القيم، وتوثيق الذاكرة، وبناء جسور ثقافية بين الأجيال والدول، وهو ما تعمل عليه جمعية عنابة بكل شغف واهتمام، لتبقى هذه الهواية حية في قلوب الهواة، ولتتحول إلى مدرسة شعبية لتعليم التاريخ والثقافة والانتماء.