بفضل الوعي الديني والثقافي

نشر الأبراج تراجع في الإعلام الوطني

نشر الأبراج تراجع في الإعلام الوطني
  • القراءات: 1306
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

أوضح السيد رؤوف منصر، إعلامي وطالب في الماجستير، أن الإقبال على قراءة  الأبراج تراجع بصفة كبيرة مقارنة بما كان عليه سابقا، ولعل الفضل يعود إلى الوعي الديني الذي تبناه المواطن بعد الاستقلال، فلا يمكن نكران أن المجتمع  خلال الفترة الاستعمارية اعتاد على بعض السلوكيات الدخيلة على ديننا وثقافتنا إكراها بسبب الاحتكاك المستمر مع المستعمر النصراني، وظلت تلك المعتقدات الخاطئة ملازمة لأفكار المجتمع بعد الاستقلال، إلا أنها مع مرور السنوات وبفضل الدروس الدينية والفقهية التي سعت إلى إصلاح فكر المجتمع، زالت بصفة كبيرة إلا عند قلة قليلة من المجتمع، ومن بين تلك المعتقدات؛ الإيمان بالأبراج أو ما يعرف بعلم التنجيم، وأشار الإعلامي إلى أن تلك الفئة  لا تزال تعتقد أن علم التنجيم موهبة، ويراها البعض الآخر مهنة وعلما قائما بحد ذاته، فيه دراسات دقيقة -حسبهم- مما جعلها محط اهتمام هؤلاء، فبالرغم من التطور العلمي الهائل، إلا أن فئة من الجنس البشري في مجتمعنا لم تكف عن قراءة الأبراج.

وأشار محدثنا إلى أن الأبراج كانت سابقا ولا تزال تروج عن طريق الإعلام، وبعض الدول الأجنبية تولي لها اهتماما خاصا لدرجة تخصيص حصص لها يشتهر مقدموها بعلماء الفلك، يستخدمون أساليب في قراءة حركات النجوم والكواكب تثير اهتمام المشاهدين أو القراء، يوهمونهم بمعرفة باطن المستقبل. فالأبراج في الإعلام مادة مثيرة يهرع إليها كثيرون، هذا ما دفع الإعلاميين سواء بالقنوات التلفزيونية أو محطات الإذاعة أو الصحف المقروءة والمجلات إلى الدخول في عالم التنجيم، وبث برامج عن الطالع وقراءة النجوم، وقد قام بعض المنجمين بتأليف كتب خاصة ينشر فيها تنبؤاتهم لشخصيات معروفة أو بما سيحدث في العالم ..، إلا أنه في الجزائر، تم سحب تلك الرتابة من الجرائد والمحطات التلفزيونية، لكن لا تزال مجلات قليلة تنشرها تحت تسميات أخرى، مثل؛ اعرف حظك من خلال شهر ميلادك أو اعرفي كيف سيكون زوجك المستقبلي..، أو كيف سيكون شكل طفلك من خلال هذا الاختبار؟ وغيرها من الأسئلة التي تصب في قالب واحد وهو معرفة الحظ. 


 

سعيا وراء بارقة الأمل

"فيسبوكيون" يغذون عطش فضولهم للمستقبل بقراءة الأبراج

لا يزال اهتمام بعض المواطنين بالأبراج يتجسد، لدرجة يربطون يومياتهم بالحظ، ويتجلى هذا الاهتمام خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، ويتضاعف بصفة خاصة وسط الشباب من الجنسين، حتى بات العديد منهم منهم لا يبدؤون يومهم إلا بعد الاطلاع على "البرج" والعمل بتوجيهاته، والامتثال لأوامره واجتناب نواهيه!!! شغف كبير واهتمام لدرجة "الطاعة" العمياء لما تمليه الأبراج، هذا ما لمسناه لدى البعض عند استطلاع "المساء" لآراء مواطنين من فئات عمرية مختلفة، وكذا مستويات ثقافية متباينة، ولعل البعض يطالعها دون الإيمان بها، فلم مطالعتها من الأساس"هل ذلك من باب التسلية، أو فيه جزء من القناعة بما يقوله علماء الفلك وقراء الطالع، أو هو باب يدق لمعرفة الحظ الذي يخبؤه لنا اليوم والأمل في سماع أخبار جيدة دون دراية بأن ذلك شرك بالله ودخول في الغيب الذي لا يعرفه إلا العزيز الجبار؟

نساء كثيرات وحتى رجال يلجؤون إلى متابعة الأبراج من أجل معرفة ما قد يحصل، وإن كانت هذه الظاهرة تراجعت بفضل وقف الاهتمام بها من طرف الجرائد التي كانت تروج لها بشكل كبير، إلا أنها لم تتوقف كليا في مجتمعنا، حيث لا تزال بعض المجلات تعتمدها لملئ صفحاتها وجلب اهتمام الضعيفين إليها لاستمالة فضولهم في معرفة مستقبلهم، إلى جانب الفضائيات الأجنبية التي تخصص لها بصفة يومية وقتا في الفترة الصباحية لإملاء حظ كل برج، فما زال قسم لا بأس به من المواطنين يتابعون الأبراج بشغف، لكن من هم هؤلاء وما هي طبيعة أفكارهم؟ هي الأسئلة التي حصلنا لها على جزء من الأجوبة من أشهر مواقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" الذي بات يحمل العديد من الصور التي تعكس الاهتمام بالأبراج، بتطبيقات تحمل عناوين مختلفة، مثل "اعرف برجك اليوم.."، "تعرف على شخصيتك من خلال.."، "اعرف ما يخبؤه لك حظك.."، "اعرف شخصيتك بمعرفة عطرك، لونك"، وغيرها من التفاهات التي تجلب اهتمام رواد تلك المواقع بشكل كبير، وهي تطبيقات على شكل أسئلة تحمل أجوبتها من طرف المستخدم وتصاغ أحيانا بشكل آلي من طرف الكمبيوتر لتعطي لك نتيجة يتوقع البعض أنها تعكس بشكل "سحري" الطبيعة الحقيقية لحياته، أو روتينه أو شيئا من ذلك القبيل، وما هي في الحقيقة إلا ضرب من الصدفة يلتقي فيها ولو شخص واحد من عينة 20 شخصا مثلا.. !!! فهي لا تراعي حتى الفروق الفردية بين الناس من مختلف العالم وتعمم الكلام على الملايين، فلا يعقل أن تتناسب هذه التوقعات مع حياة وظروف الملايين الذين ينتمون إلى أحد الأبراج رغم اختلاف أعمارهم وتجاربهم وظروفهم وحظوظهم...

كان الرأي العام ينقسم إلى ثلاثة أقسام، فمنهم من ينبذها ولا يدخلها مطلقا في دائرة اهتمامه بقناعة أنها محرمة وشرك بالله بالدخول في الغيب، فلا مجال لقراءتها، لأن مجرد الاطلاع عليها يشغل الفكر، وهنا يؤكد هؤلاء أنه لا يمكن تسليم أقدارنا لقراء الطالع ونترك علماء الفلك يحددون مصير حياتنا. من جهة ثانية، هناك الفئة التي تطالعها ليس بصفة يومية لكن عندما تتاح لها الفرصة، ولعل هذه الفئة تنقسم بدورها إلى قسمين؛ منهم من يطالعونها لمجرد التسلية والدخول في حيرة إذا ما توافقت أبراجهم مع مواقف معينة من يومياتهم، وقسم ثان يقرؤونها لمجرد قراءتها من باب الفضول فقط ولا تؤثر مطلقا على تفكيرهم ولا تشغل بالهم أو يتخوفون من تعثر حظهم، مثلا، حسبما نص عليه برجهم.. وتبقى تلك القلة القليلة من المواطنين الذين يؤمنون بالحظ والأبراج وقراءة الطالع والتنبؤ بالمستقبل، حيث تثير حسبهم اهتمامهم، وهو علم بحد ذاته، قائم على دراسات فلكية دقيقة، فقراء الطلع ملاذ هؤلاء الذين يؤمنون بتلك التفاهات لاكتشاف ـ حسبما يعتقدون- المزيد عن مستقبلهم القريب، فاهتمام هذه الفئة المؤمنة بالأبراج بتخمينات العرافين والمنجمين جعلتهم يصدقون كل أقوالهم ويترقبون تطلعاتهم في كل دقيقة من حياتهم حتى يتحقق ما تم إملاؤه.


 

عبد القادر معسفن خبير في الاستشارات النفسانية يؤكد:

الأبراج تستميل ضعيفي الشخصية

من جهته، أبدى السيد عبد القادر معسفن، خبير في الاستشارات النفسانية، تعجبه بقناعة البعض وهوسهم بالأبراج، فالاهتمام والتتبع اليومي بقراءة الطالع عبر مختلف مصادر الأنترنت أو القنوات التلفزيونية أو المجلات والصحف.. شيء غريب خصوصا داخل بلد مؤمن ومسلم ترعرع أفراده في بيئة محافظة كان لابد أن تلقن له الإيمان والثقة العظيمة في الله، وأشار إلى أن التقنيات الحديثة ساعدت على نشر هذا الأمر على نطاق واسع، كاشفا عن نشأة تلك العادات في بيئة غابت فيها بعض المبادئ التي ولت رغم أهميتها إلى غير رجعة، أهمها القناعة بأن الغيب لا يعلمه إلا الله، ولا يمكن الوصول إلى درجة الهوس بأقوال أشخاص عاديين مثلنا يعّرفون نفسهم بالمنجمين أو خبراء الفلك وعلماء دوران الكواكب!!!

وأكد الخبير أن الأبراج أوهام تدخل متتبعيها إلى متاهات في الحياة، فتجد البعض يتوقون إلى قراءتها بدرجة يتوقون إلى تحققها، إذا كانت بتطلعات إيجابية، في حين تجده يتخوف من حدوثها ويربط كل المواقف السلبية في حياته على أنها كانت مذكورة في ترقب برجه في ذلك اليوم!!!، واستطرد عبد القادر؛ الصدفة وحدها هي التي تجعل بعض الأبراج تكشف عن بعض الحقائق ليس إلا، والتنجيم عملية يعمها التدليس والمغالطة والخداع، ولا تعكس في أي حال من الأحوال القضاء والقدر الحقيقي الذي يخفيه الله علينا بحكمته. وأرجع المتحدث سبب هذا الاهتمام الغريب من طرف تلك الأقلية إلى غياب دور المرشد داخل العائلة منذ الصغر، إذ من مهامه النصح والتنوير في الحياة. ولقد أكد الخبير أن تلك الأبراج لا يمكن تحديد من يستهونها بدرجة أكثر إلا عن طريق دراسة واسعة، ولعلها ـ حسبه- تستميل أكثر ضعيفي الشخصية الذين يأملون إيجاد شخص يملي عليهم أفعالهم خلال اليوم، وحذر المتحدث مما سماه بالضرر النفسي في خلق أوهام زائفة، ناجمة عن الاهتمام الكبير بالأبراج والتوقعات، لأنها ببساطة غير واقعية، ليصادف ذلك الشخص واقع آخر قد يصيبه بخيبة أمل. 


 

الإمام طارق بركان لـ"المساء":

قراءة الأبراج حرام ولو من باب الفضول والتسلية

شدد السيد طارق بركان، إمام بمسجد "صمد" قسنطينة، أن التنجيم نوع من السحر، وقراءة الأبراج محرم على ناشرها وقارئها، حيث أشار في حديثه لـ"المساء" إلى أن ما يسمى بعلم النجوم والأبراج، الحظ، الطالع من أعمال الجاهلية التي جاء الإسلام بإبطالها وبيان من الآيات والأحاديث أنها من الشرك.

أجمع العلماء على أنها محرمة لما فيها من التعلق بغير الله تعالى واعتقاد الضر والنفع في غيره وتصديق العرافين والكهنة الذين يدّعون علم الغيب زورا وبهتانا، مروجين لمعتقدات الشرك بالله، والدليل على ذلك، يقول الإمام بركان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد"، ويؤكد الإمام أن الرسول نهى من خلال الحديث عن تصديق المنجمين وحتى عن سؤالهم حتى ولو كان ذلك من باب الفضول أو التسلية.

شرك بالله

قال الإمام بركان؛ من ادعى معرفة علم من المغيبات فهو إما كاهن أو عراف أو منجم، وهو يدخل في باب الشرك لأن الله تعالى استأثر بعلم الغيب، فقال عز وجل: "قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله"، فمن سأل غير الله لعلم الغيب والمستقبل كفر بما نزل على سيدنا محمد، ومن اعتقد أن النجم هو الذي يدبر له أموره فهو كافر بالله تعالى، فكل ذلك من خرافات أهل الجاهلية الذين ينسبون تدبير بعض أمور الكون إلى غير الله تعالى، وذلك من شرك الربوبية، وقد ينتج عنه تعلق الإنسان بالنجم أو البرج فيعمل له، ويفقد بذلك ثقته في تدبير الله تعالى.

يحرم نشره في الصحف والمجلات وترويجه بين الناس

يواصل بركان حديثه قائلا؛ تعمل بعض وسائل الإعلام والمجلات على تخصيص ركن لها تنشر ما يسمى بالأبراج التي تدخل في علم التنجيم، وربما يتابعها القراء والمشاهدون من باب الفضول أو التسلية وهو أمر محرم على الطرفين، لذلك يعد من الضروري سد الذريعة، فإذا لم تكن هناك كتابة ونشر لا تكون هناك قراءة وتصديق، لأن الذنب على الطرفين وبنفس القدر، واستدل الإمام على قوله بحديث أَبِي هريرةَ عن رسول الله صلى الله علَيه وسلم قَالَ: "مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنْ الأجر مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإثم مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلِكَ مِنْ أوزارهم شَيْئًا".