رئيس الجمعية الثقافية والتاريخية لقرية العنابرة لـ "المـسـاء":

نسعى للحـفـاظ عـلى الـتـراث وتـقـالـيـد عمرها يفوق الخـمـسـة قـرون

نسعى للحـفـاظ عـلى الـتـراث وتـقـالـيـد عمرها يفوق الخـمـسـة قـرون
  • القراءات: 3734
ل. عـبد الحليم ل. عـبد الحليم
أحـيا سكان قـرية العـنابـرة الواقعة بمنطقة مسيردة الفواقة بولاية تلمسان وعـدتهم المشهورة باسم "العـنابـرة"، نسبة إلى الجدّ الأكبر "موسى العنبَرِي" الذي ينحدر من سلالة فاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وسلّم، والتي حضرها كافة أعـيان المنطقة ورجالاتها وشيوخها ومواطنيها، إضافة إلى ضيوف ومدعـوّين من كافة قرى ومداشر مسيردة والبلديات المجاورة وبعـض الولايات أيضا، حيث عكف المجتمعـون على قراءة القرآن الكريم، كما تم بالمناسبة، تكريم بعض شهداء المنطقة، فضلا عن عرض السيرة الذاتية للبعض منهم وفي مقدمتهم الشهيد "بختاوي أحمد ولد الحاج".
المناسبة عرفـت أيضا تكريم المتفوقـين في شهادتي البكالوريا والتعليم المتوسط وشهادة التعليم الابتدائي، من أبناء منطقة مسيردة، بلدية مرسى بن مهيدي، حيث كانت الهدايا جـدّ قيمة ومحفّـزة على المثابرة والاجتهاد، إلى جانب حفظة القرآن الكريم ممن ختموا كتاب الله وكذا بعض مجاهدي المنطقة ممن هم على قيد الحياة وبعض شهداء المنطقة وشيوخ ومعلمي القرآن بهذه القرية. وحسب الأستاذ سعيد بختاوي، رئيس الجمعية الثقافية والتاريخية لقرية العنابرة، فقد جرت فعاليات التظاهرة بنجاح على آمل اللقاء في السنة المقبلة إن شاء الله، مضيفا أن المسجد المتواجد بقرية العنابرة بمنطقة مسيردة بولاية تلمسان يعود إلى أكثر من خمسة قرون، إذ بناه الجد الأكبر، سيدي لحسن ابن موسى العنبري أحـد ملوك الزيانيين الذي جاء إلى هذا المكان بعد سقوط الدولة الزيانية في أيدي الأتراك، وقد انحدر إلى هذه المنطقة وانعزل فيها رفقة عشيرته وأقاموا هذا المسجد واستقرّوا بها، كما دأبوا على عدة تقاليد لاتزال إلى يومنا هذا سارية في أعراف المنطقة والمتمثلة في حفظ القرآن الكريم والمحافظة على الكرامة والسيادة والشخصية الدينية وعلى تاريخ المنطقة في أوساط هذه القرى المجاورة لها، كما كانت معظم المناطق المتواجدة بالقرية غير عامرة حتى احتضنت من الأندلس (أولاد بن يعقوب) في القرن 15، إذ كانت هذه القرية بمثابة وصل بين الجهة الغربية على واد كيس إلى غاية كزاوة وما بين ندرومة وتلمسان، علما أن معظم القوافل كانت تمر عـبر هذه القرية كونها تضم عددا هائلا من حفظة القرآن الكريم الذين جاءوا من كل حدب وصوب لتلقي العلوم الدينية، كما أن هذه المنطقة كانت تقاوم الاستعمار الإسباني.
وعقب مجيئ الاستعمار الفرنسي كان الأمير عبد القادر يقيم بها في آخر أيامه، إذ كان أهاليها يجاهدون إلى جانبه، وبقيت القرية محافظة ومدافعة عن كيانها وشخصيتها وممتلكاتها، ولكن المستدمر الفرنسي استطاع بوحشيته أن يقهرها ويسلط عليها الفقر والغبن، ورغم ذلك بقى أهلها صامدين في وجهه بحكم تماسكهم وتآزرهم مع سكان وأهالي القرى والمداشر المجاورة، ولما وقعت معركة "عبد الكريم الخطّابي" بالمغرب، إلتحق العديد من أهاليها بالجهاد وفيهم من كتبت له الشهادة من أبناء منطقة الناظور والريف المغربية ظنا منهم أن الثورة ستكون مشتركة، فكانت القوافل التي تتوجه للجهاد من المنطقة تحمل معها الأسلحة والمؤونة والمعونة، مما دفع بـ (جصاي) رئيس بلدية مغنية آنذاك إلى وضع حدّ بينهم وبينه من خلال تشديد المراقبة على الحدود مع السعيدية لمنع وصول المؤونة والأسلحة وغيرها لتدعيم ثورة عبد الكريم الخطابي، كما تجند الأهالي مع الحركة الوطنية، خاصة وأن المنطقة كانت معقلا للرئيس أحمد بن بلة رحمه الله إذ كان يزورها باستمرار وكان له بها ارتباط وثيق وقوي جدا، خاصة وأن أهاليها كانوا منضبطين في نظام الحركة الوطنية فيما يخص تنظيم الخلايا وغير ذلك من هياكل الحركة، وكان يعتبر كل ثوري من المنطقة "عنبري" وإن لم يكن كذلك فهو من أولاد يعـقوب أو بيدر أوصبابنة أوالقرى المجاورة لها فكلهم ينسبون إلى العنابرة، لأن المنطقة كان يقصدها جل شباب الثورة باعتبارها مركزا للمقاومة الثورية، مع العلم أن أحد حكام فرنسا عرض عليهم بناء مدرسة لكنهم رفضوا أن يكون التعليم فيها باللغة الفرنسية لأنهم كانوا يعتبرونها جزء من الاستعمار الثقافي، ولما إلتقى كل من أحمد بن بلة وبوضياف رحمهما الله مع المقاومة المغربية قالوا إن ملوية كانت هي الحدود كما قاموا آنذاك بوضع خلايا للتنظيم داخل التراب المغربي ومن مرسى بن مهيدي على الحدود مع واد كيس مرورا بالعنابرة إلى غاية مسيردة والغزوات وجبالة وندرومة ومغنية، ولعبت القرية دورا هاما وأساسيا في نقل السلاح إلى غاية ندرومة، إلى أن اكتشف الأمر وانتهى باستشهاد كل من بختاوي زيان وبوقروين ميمون في 29 جويلية 1955، حيث حطّ عساكر فرنسا رحالهم بالمنطقة لأجل البحث عن المقاومين الذين فرّ أغلبيتهم إلى فلاوسن والمنطقة الريفية المحرّرة كالناظور، ومنهم من بقوا مختبئين بالمنطقة في أماكن سرية، خاصة وأن المقاومة بالمنطقة عرفت تأخرا من الفاتح نوفمبر إلى غاية جويلية 1955، وهذا بأمر من القادة آنذاك وهم العربي بن مهيدي وبوصوف اللذان حسب تصريحاتهما لو وقعت اشتباكات أو معارك أو ما شابه ذلك بالمنطقة، فإن فرنسا سوف تحاصر المنطقة بعساكرها وتضاعف من قوتها لإفشال عملية تمرير الأسلحة عبر الجهة الغربية، لذلك أعطيت تعليمات صارمة في إلزامية السر بعد أن أسند الأمر آنذاك للقائد والمجاهد بختاوي عبد القادر رحمه الله.
كما وقعت بالمنطقة عدة معارك طاحنة كمعركة الخروبة بالقرب من المسجد العتيق ومعركة الصبابنة...وغـيرها، وكانت أول قرية هدّمت عن آخرها بعد الصبابنة هي قرية "العنابرة"، حيث هاجر أهاليها وسكانها باتجاه المغرب من بطش الاستدمار الفرنسي حيث تم التكوين للتنظيم الثوري والنضال بعد أن ضحت القرية بــ 76 شهيدا معظمهم قادة رحمهم الله.
زاوية دينية وعلمية لترقية القرية وترسيخ قيم المواطنة
وأضاف سعيد بختاوي، رئيس الجمعية الثقافية والتاريخية لقرية العنابرة أن القرية بعد الاستقلال كان أهاليها ضعفاء وفقراء بسبب استشهاد العديد من خيرة أبنائها من المناضلين والثوريين والقادة والضباط، لكن خلال السنوات الأخيرة استعادت المنطقة مكانتها بعد استتباب الأمن وعودة الاستقرار إلى البلاد وها هو اليوم يشيد بها هذا الصرح الديني والثقافي من خلال بناء زاوية ومسجد كبير به مدرسة قرآنية لتعليم القرآن الكريم والتعاليم الدينية، والصرح يتربع على مساحة 600 متر مربع مبنية وعلى طابقين، كما يحتوي على العديد من الملاحق منها إقامة للطلبة تحتوي على 30 غرفة وأقسام خاصة لتعليم القرآن الكريم وتلقي الدروس وقاعة لإلقاء المحاضرات والملتقيات الدينية والعلمية، إلى جانب أقسام أخرى مخصصة لتكوين الفلاحين في المجالات الفلاحية من طرف مختصين وخبراء في ميدان الفلاحة بحكم أن المنطقة فلاحية محضة وذلك لأجل تعليمهم الزراعة العصرية، والهدف من كل هذا هو الحفاظ على المسجد العتيق والذاكرة التاريخية للمنطقة وطابعها الفلاحي.
أما فكرة تأسيس الجمعية، فقد جاءت للحفاظ على التراث والتقاليد والتاريخ كسائر المناطق الأخرى بمسيردة، حيث يسهر كافة أعضاء الجمعية النشطين على بناء مركز ثقافي وزاوية لتعليم القرآن وجمع الشمل بالقرب من المسجد القديم. وتعمل الجمعية مع المؤسسات الاجتماعية والثقافية المعتمدة، بالمساهمة الميدانية لخلق الأجواء الملائمة لتأطير سكان القرية قصد بعث تنظيم يساهم في التنمية والتغيير والعمل على إدماج الشباب في عملية النمو الاجتماعي مع تنمية الهوايات المتنوعة وفتح المجال للإبداع وإبراز القدرات والتشجيع على الابتكار والمساهمة البناءة لترقـية المنطقة ومنها البلاد، إلى جانب الاهتمام بالنشاطات الدينية، الثقافية، التاريخية، الاجتماعية، الأثرية والسياحية، ما يتبع ذلك من خدمات لتنميتها وانتعاشها وتطويرها، مع إقامة وصيانة المعالم الأثرية والتاريخية والاهتمام بالقرية قصد استنهاض روح البناء والتنمية مع ترسيخ قيم المواطنة كممارسة واعـية بالحقوق والواجبات.