بسبب التغيرات المجتمعية

نساء طلقن الأنوثة للتأقلم

نساء طلقن الأنوثة للتأقلم
  • القراءات: 1930
❊❊ رشيدة بلال  ❊❊ ❊❊ رشيدة بلال ❊❊

دفعت جملة المتغيرات التي يعيشها المجتمع الجزائري بالمرأة، إلى التغير والتبدل والتخلي عن بعض الصفات التي تعتبر  أساسية،  بالنظر إلى كونها أنثى تمثل الجنس اللطيف، غير أن الرغبة في التكيف ورفع التحدي وإثبات الوجود جعل من بعض الأساسيات متغيرا يمكن العبث به، فكان من  ضحايا هذه المتغيرات، «الأنوثة» بكل معانيها، حيث أصبحت اليوم قليلة الوجود، خاصة في المدن الكبرى، بشهادة الرجال  الذين تأسفوا في حديثهم لـ «المساء»، عن تضييع الأنوثة التي تجعل من هذا الكيان اللطيف شخصا مميزا».

تباينت واختلفت آراء الرجال من المستجوبين عن الأسباب التي دفعت بالمرأة إلى التخلي، إن صح التعبير، عن صفة جمالية تزيد من بهائها، وهي الأنوثة، غير أنهم اتفقوا على مبدأ واحد، وهو أن هذه الصفة ضرورية ولابد للمرأة أن تعود إليها.

الشقاء أكسب المرأة خشونة

من بين الأسباب التي يرى البعض أنها كانت  من العوامل التي ساهمت  إلى حد كبير في تخلي المرأة عن أنوثتها؛ خروجها إلى العمل، والمؤسف أن  هذا الأمر ـ حسبهم ـ لم يقتصر على المهن التي تحفظ أنوثتها، إنما تعداه إلى المهن التي يفترض أنها رجالية بلا نقاش، إذ يرى البعض ممن انتقد ولوجها عالم الشغل، أن رغبتها ربما في منافسة الرجل وإثبات قدرتها على منافسته وممارسة بعض الأعمال الشاقة، دفعها إلى ممارسة بعض المهن التي ساهمت إلى حد كبير في قتل الأنوثة بداخلها، ومنها اقتحامها لمهنة الميكانيك والصيد والعمل في محطات البنزين، وحتى في البناء، كل هذا ـ يؤكدون «أكسبها  نوعا من الخشونة التي أثرت بدرجة كبيرة حتى على طريقة حديثها وحوارها مع الغير، إلى درجة أنه يصعب في بعض الأحيان التمييز بينها كأنثى وبين  الذكور في حديثها قبل النظر إليها".

بينما أرجع البعض الآخر من المستجوبين، تخلي ـ  ـ بعض النساء عن أنوثتهن دائما بسبب العمل، إلى ما يتعرضن له من مضايقات في محيط العمل والشارع ووسائل النقل والمحلات والحدائق وكل مكان يتواجدن فيه بعيدا عن المنزل، حيث يسمح بعض الرجال لأنفسهم بالتعدي عليهن  مستغلين حاجتهن إلى العمل أو الخروج للنزهة أو التسوق، وبلغ الأمر بالبعض إلى التحرش الجنسي، وهو ما علق عليه أحد المستجوبين الذي قال في معرض حديثه "إن المرأة التي تخرج إلى الشارع هي ملك لكل الرجال"، بمعنى ـ يوضح ـ"أنه يحق لكل رجل النظر إليها"، كل هذا يعتبر حسبه، من المبررات التي تدفع بها إلى التخلي عن هذه الصفة التي تعكس لطافتها ورقتها وجمالها، ويعلق " الواقع الذي نعيشه اليوم ألزم المرأة لتتمكن من التواجد فيه، أن تحيط نفسها بهالة من الصفات الرجولية التي تؤمّن لها نوعا من الحماية حتى لا تتحول إلى ضحية يسهل افتراسها".

التقليد الأعمى سرق منها رقتها

إذا تأسف بعض المستجوبين الرجال عن تخلي المرأة عن أنوثتها وبرروا ذلك بالرغبة في حماية نفسها، إلا أن البعض الآخر اعتبرها مذنبة وهم الذين  يرجعون في تخلي المرأة عن أنوثتها إلى الرغبة في التشبه بالغرب من باب التقليد، خاصة من حيث المظهر الخارجي، إلى درجة أنه يصعب التفريق بين النساء والرجال في الشارع، لشدة التشابه الحاصل بينهما من حيث المظهر،  وعلى حد تعبير البعض، فإن تخلي بعض الرجال عن رجولتهم، خاصة بعد أن  أصبح البعض يلبس ويسرح شعره مثل النساء، فسح للنساء مجال التشبه بهم، حيث تجد المرأة اليوم تحلق شعرها وتعطيه مظهرا يشبه الحلاقة الرجالية المعاصرة، وليت الأمر يقف عند هذا الحد، بل تعداه ـ حسبهم ـ إلى اللهجة المعتمدة في التحاور، حيث أصبحت تستعمل بعض العبارات البذيئة التي تفقدها حتى صفة الجنس اللطيف".

وعلق آخرون بالقول إن السبب في تخلي المرأة عن أنوثتها هو فهمها الخاطئ لما أصبح يطلق عليه اسم "الحرية"، حيث يرون أن انجرافها وراء الصيحات المنادية بضرورة مساواتها مع الرجال، جعلها تنسى ما لها وما عليها، وتقتنع بأن بعض الحقوق التي تجعلها تتساوى مع الرجال هي ما تحتاج إليه، فاندفعت إلى تحقيقها، في المقابل ضيعت ما يفترض أن يكون جزءا من الأنوثة.

إذا كان هذا رأي الرجال فماذا عن النساء؟ 

احتكت "المساء" بعدد من النساء من مختلف الشرائح العمرية والمستويات الثقافية والتعليمية، وعن سبب تخليهن عن أنوثتهن، أجمعت أغلب المستجوبات على أن السبب هو الانحطاط الأخلاقي المتفشي في المجتمع اليوم، والذي دفعهن إلى التضحية بما يتمتعن به من أنوثة وصفات الرقة والجمال لحماية أنفسهن من بعض الأنفس المريضة التي تترصد بهن.

على حد تعبير الآنسة أمال، (طالبة جامعية بجامعة الجزائر)، فإن الأنوثة اليوم،  أصبحت من الصفات التي تعكس الضعف وتعطي الانطباع للرجال بأنها سهلة المنال"، في حين أكدت طالبة أخرى متزوجة "أن  الجزائري اليوم، لم يعد يولي اهتماما لجمال المرأة وأنوثتها بقدر اهتمامه لما تملك من مال، الأمر الذي دفعها إلى السعي في سبيل تأمين الجانب المادي على حساب صفتها كأنثى، يفترض أن الرجل وجد لحمايتها وتدليلها".

وترى مواطنة أخرى أن الدافع الذي جعل المرأة تخفي أنوثتها ولا تفقدها، كما يعتقد البعض، هو رغبتها في حماية نفسها لا غير، باستثناء الحالات التي تتعمد التشبه بالرجال، وتعد استثناء لا يقاس عليه وتردف "حقيقة الرجولة للرجال، لكن بحكم أن بعض الرجال اليوم لم تعد فيهم صفة الرجولة، اختارت النساء الترجل لتحقيق بعض المكاسب المشروعة التي يصعب عليهن تحصيلها،  إن ظللن محتفظات بخجلهن ورقتهن ولطافتهن، ولعل أبسط مثال على ذلك، تشرح "وسائل النقل، حيث تضطر المرأة إلى مزاحمة الرجال والتدافع معهم للحصول على مقعد يجنبها التحرش بها، وهذا الموقف قد يعطي للرجال الانطباع بأنها متوحشة وخشنة وأنها لا تنتمي إلى صنف النساء، لكن الحقيقة غير ذلك، لأنها تفعل كل ذلك لحماية نفسها في مجتمع أصبح لا يعير المرأة أي احترام".

رأي الدين في ذلك

أرجع الإمام جلول قسول في حديثه مع "المساء"، تخلي بعض النساء عن أنوثتهن إلى كثرة الآفات الاجتماعية وصعوبة الحياة وظهور سلوكيات تهدد شخصها، الأمر الذي جعلها تدافع عن حياتها وكرامتها ليتسنى لها الاستمرار، وكان من نتائج ذلك، التخلي عن بعض صفاتها الأنثوية.

من جهة أخرى، أكد محدثنا أن القول بأنها تخلت عن أنوثتها يحتاج إلى دراسة الحالة لبحث الأسباب، ومن ثمة علاج الظاهرة ـ إن صح التعبير ـ يقول "كنت أعتقد أن أكثر ما تحتاجه المرأة اليوم هو الشعور بالطمأنينة، والعودة إلى التمسك بأخلاقها وبدينها، لأن هذه الأمور وحدها ـ حسبه ـ كفيلة بحفظ أنوثتها"، ويعلق "بالقول أن فقدانها أنوثتها بحجة الدفاع عن نفسها يمكن اعتباره شماعة، لأنه يمكنها أن تدافع عن نفسها بالأخلاق العالية، فتربح أخلاقها وتفرض احترام الرجال لها".

ويرى الإمام جلول الحجيمي أن المرأة الجزائرية لها جذور عريقة، وتملك من المؤهلات والأصول العريقة ما يجعلها تحافظ على مبادئها وثوابتها، يقول "يكفي أنها أم الشهداء والأبطال والعلماء والثوار، كل هذا يبقى له أثر في تربيتها دون شك، رغم ما تتعرض له اليوم من مساومة وتشويه والدعوة إلى الإباحية، "الأمر الذي أثر سلبا على البعض وجعلهن يفقدن شيئا من أنوثتهن تحت تأثير التقليد الأعمى للغير".

من جهة أخرى، يرى محدثنا أن بعض المظاهر توحي باندثار الحشمة والحياء،  لكن عمق العمق متأصل فيهن، أي "خلق العفة والحياء"، مشيرا إلى أن التشبه بالغير والنساء بالرجال نُهي عنه وفيه لعن صريح وله آثار تضر بالجنسين من كل النواحي، لأنه بعيد عن الفطرة السليمة.

لا تحتاج المرأة رغم ما في المجتمع من سلبيات، إلى التخلى عن أنوثتها، حسب محدثنا، فوجود شيء من الإنصاف والعدل والاحترام والوعي والحق كفيل بفرض الرقابة والاحترام، ويقول "يظل من حق الأنثى دائما أن تدافع على نفسها دون أن تضطر إلى التضحية بأنوثتها".

الخوف وفقدان الثقة أفقد المرأة أنوثتها

أرجعت الدكتورة فتيحة فوطية، أخصائية في علم النفس من جامعة خميس مليانة في حديثها لـ"المساء"، تخلي المرأة عن أنوثتها إلى فقدانها الثقة في مجتمعها، نتيجة خوفها على نفسها ومكانتها الاجتماعية، هذا الخوف جعلها تمارس بعض السلوكات العنيفة غير المرغوبة عند البعض، وبالتالي "ردة فعلها لا تعكس جنسها الموسوم باللطيف، مايجعل الرجل  يأخذ عنها تصورا سيئا، من منطلق أنها امرأة و أنوثتها يفترض أن لا تسمح لها بمثل هذا التصرف العنيف أو الخشن قولا أو لفظا".

من جهة أخرى، ترى الأخصائية  النفسانية أن المرأة العاملة تحولت اليوم إلى مثال سهل يستدل به عند الحديث عن التخلي عن الأنوثة،  حيث يتم دائما محاربتها، ونجد أن سبب عدوانيتها يعود إلى نظرتها الاستباقية إلى الرجل، والتي تكونت لديها بسبب عدة عوامل مجتمعية رسخت بداخلها بعض القناعات، ومنها أنه ينظر إليها على أنها ـ مثلا ـ سهلة المنال وغير محمية في محيط عملها، تقول محدثتنا "كل هذه الأمور تجعلها تكوّن دائما أفكارا مسبقة، حتى وإن كان الرجل لا يحمل لها في داخله أي انطباع سيء، لكن تصوراتها بناء على ما يحدث في المجتمع يجعلها دائما متأهبة وعدوانية، الأمر الذي يدفعها إلى التخلي عن أنوثتها حتى دون أن تشعر".

تعتبر الأخصائية النفسانية  اختيار المرأة اليوم التخلي عن أنوثتها بالنظر إلى المتغيرات التي تحدث في المجتمع، مبررا ولها الحق في التضحية بهذا العنصر المهم فيها، مشيرة إلى أن ما عزز قناعتها في التخلي عنه هو غياب الاحترام لشخصها، خاصة بعد خروجها إلى العمل، تقول "غير أنني أنصحها دائما عندما تقرر إخفاء أو التخلي عن أنوثتها، أن لا تنسى أنها مكلفة بأسمى رسالة، وهي التربية، هذه الصورة تجعلنا نحرص على تنبهيها إلى ضرورة أن تعطي صورة جيدة لعائلتها وأولادها".

بينما ترفض الأخصائية النفسانية أسماء عجابي، من جامعة سوق أهراس، فكرة تخلي المرأة الجزائرية المعاصرة اليوم عن أنوثتها، وفي هذا الشأن تقول "لأنها ببساطة لم تعد تربى في الأسر على هذه الكينونات"، توضح "بدليل أن العائلات اليوم تربي أبناءها على أساس المساواة بين الجنسين، ومنه، فإن تربية الذكور والبنات أصبحت تقوم على نفس الأسس بعيدا عن الخصوصية، حيث نجد أن الفتات اليوم لم تعد تفرض عليها أية قيود، فهي تخرج وتعمل وتدرس، وفي النتيجة لم تعد تعير أي أهمية لماهية الأنوثة، لأنها تعتبر نفسها مثل الرجل من حيث الفرص المتاحة". مشيرة إلى أن تربية اليوم جعلت المرأة  لا تعير اهتماما للعادات والتقاليد، الأمر الذي جعلها لا تهتم بماهية الأنوثة ولا تعرفها أصلا.