"سبل التعامل الصحيح مع الأبناء المتمدرسين"

ندوة تربوية بالمركز الثقافي لبودواو

ندوة تربوية بالمركز الثقافي لبودواو
"سبل التعامل الصحيح مع الأبناء المتمدرسين"
  • القراءات: 942
❊حنان.س ❊حنان.س

نظمت جمعية "باب الأمل للطفولة والشباب" لولاية بومرداس، ندوة تربوية حول التعامل الصحيح مع الأبناء المتمدرسين مؤخرا، حضرها إلى جانب أخصائيين في التربية وعلم النفس، مدرسون وأولياء تلاميذ. شملت الندوة تقديم جملة نصائح وتوجيهات للتعامل الذكي مع الطفل المتمدرس من أجل تحصيل علمي جيد، وكانت فرصة لمطالبة الجمعيات بتنظيم مزيد من الندوات المماثلة، بغية السماح للأولياء بطرح إشكالات التربية في العصر الحالي.

لقرابة ساعة من الزمن، تحدث المفتش التربوي، الأستاذ رابح الصقع، عن أسرار التعامل الجيد مع الأبناء المتمدرسين، لاسيما المراهقين منهم، قائلا بأن العملية التربوية تتشكل من قسمين اثنين، الملقي والمتلقي. أما الرسالة فتتلخص في البرنامج التربوي أو منهاج وزارة التربية الوطنية، الذي يعتقد الأستاذ بأنه لابد أن يختزل في شكل رسائل واضحة تعطى للتلاميذ، لكنه تأسف عن أن نفس الرسالة يشوبها اليوم التشويش بسبب جملة من العوائق، أهمها الحشو وكثرة التمارين دون فهم وتحليل، واختصر ذلك بقوله "لا يوجد اليوم تلاميذ يفكّرون بطريقة سليمة، لأنهم يحفظون دون فهم، كما أن الأستاذ أصبح يقدم درسا وعلى التلاميذ أن يرجعوه له يوم الامتحان". أرجع المحاضر هذه الإشكالية إلى غياب الاتصال بين الطرفين، ونتيجة لذلك، فإن إبداء الرأي وتعزيز المناقشة يكون الغائب الأكبر"، لذلك يتم الحديث اليوم عن مناهج الجيل الثاني، حيث ننتقل من التعليم إلى التعّلم من أجل تلقين التلميذ أسلوب التحليل بعيدا عن الحفظ الآلي للدروس، يقول الأستاذ، متأسفا بخصوص عشرات التلاميذ المتفوقين الحاصلين على معدلات ممتازة في البكالوريا، الذين يتعثّرون في الجامعة بسبب غياب المستوى الجيد لديهم، ويجيب هنا بقوله "هناك إشكالية سوداء في العملية التعليمية والتعلمية، فالتلميذ لا يبني تفكيره على الفهم والتحليل، إنما يعتمد على الحشو والحفظ".

يمضي الأستاذ الصقع في تحليله لهذه الإشكالية بالحديث عن المقاربة الجديدة في العملية التعليمية اليوم، المبنية على المعرفة والأداءات، موضحا أن المعارف عبارة عن المعلومات الموجودة في الكتب المدرسية، معددا أنواعها ما بين المعارف المعلوماتية والسلوكية والخبرية. أما الأداءات فهي مجموعة المهارات التي تحوّل المعرفة إلى كفاءة، ويشرح ذلك بقوله، بأن للتلاميذ قدرات هائلة للتعلم والتميّز، حيث تؤكد الدراسات العلمية أن كل طفل يولد بما يزيد عن 90٪ من الموهبة، ثم تبدأ في التناقص لديه بسبب عدم صقلها من طرف أسرته ومحيطه التربوي. وهو ما جعله يؤكد هنا أن انعدام وحدة التصور بين الأسرة والمدرسة كسرت جسور التواصل بين الجهتين، ومنه عدم مساعدة ومساندة الطفل في ميولاته وقدراته بما ينفعه في مساره التعلمي، حتى يصبح كفؤا.

في معرض حديثه عن العملية التعليمية الصحيحة، أعطى الأستاذ الصقع  جملة من النصائح للأولياء ممن حضروا الندوة التربوية بالمركز الثقافي لمدينة بودواو، حيث تحدث كذلك عن كيفية التعامل الصحيح مع الابن المراهق، وبدأ بالتعريف بمرحلة المراهقة التي قال بأنها تبدأ في عمر الـ11 سنة وتنتهي بالنضوج. كما تحدث عن جملة من العوامل التي تتدخّل في تصنع شخصية الطفل خلال هذه المرحلة، داعيا الأولياء إلى توخي الحذر في التعامل مع أبنائهم في هذه المرحلة، حتى لا يجد المراهق في الشارع المجيب عن تساؤلاته.

في هذا السياق، قد يكون التناقض الذي قد تشكله تعاملات الأولياء مع أبنائهم، بالغ الأثر في الصراع الذي قد يعيشه المراهق، فنهي الابن عن التدخين بالضرب أو الصراخ، في الوقت الذي يدخن الأب بحرية أمام أبنائه، من شأنه أن يشكل ضياعا لدى المراهق، وهو نفس الأمر بالنسبة للمراهقة التي تريد اللعب والترفيه، في الوقت الذي تؤكد الوالدة على أن قريناتها في وقت مضى كنّ أمهات، فلا تدري إن كانت ما زالت طفلة أو أنها "كبيرة"، وعليها أن تتصرف مثل أمها، وهو ما يلخص في جملة "التعامل التربوي غير الجيد"، خاصة أن الواقع يشير إلى غياب الترفيه الحقيقي للأبناء في النوادي الرياضية والثقافية لأسباب أو لأخرى.

عن الندوة التربوية، تحدّثت "المساء" مع أمهات حضرنها، فقالت إحداهن وهي أرملة وأم لأربعة أبناء، بأن التربية هاجسها ومازالت تعاني منها إلى اليوم، حتى بعد أن بلغ ابنها الأكبر 20 سنة والأصغر 15، وقالت بأن حرصها على تربية أبنائها حتى لا ينحرفوا، جعلها تكون مثل "البوليسي"-حسب تعبيرها-، مؤكدة أنها فقدت كل شعورها كأم حنون، بسبب تقمّصها دور الأب الغائب، وهو ما جعلها اليوم تفتقد لحنان أبنائها عليها، فحتى أكبرهم ـ تقول ـ يعاند كلامها على طول الخط، وهي اليوم تبحث عن حلول للتعامل بشكل جيد مع أبنائها، علّها تسترجع بعض الروابط معهم.

من جهتها، تؤكد أم أخرى بقولها "الوقت تغيّر، علينا أن نتغيّر معه. لا بد أن نتربى نحن من جديد حتى يمكننا التعامل مع أبنائنا في هذا العصر بشكل أنسب". بينما تشير أم أخرى إلى ظلم المجتمع الذي يرمي دائما بالمسؤولية على الأم في تربية أبنائها، وتحمّلها عواقب تعثّر الأطفال في مسارهم الدراسي، ويتناسون مسؤولية الأب الذي يبقى دائما في منأى عن أية محاسبة.

تحدثت أم تلميذة أخرى بالكثير من الأسف عن نفسها، حيث فقدت الاتصال كلية مع ابنتها المراهقة ذات الـ16 ربيعا، فتؤكد من جهتها أن "التربية صعبة للغاية.. ولأسباب كثيرة نحن كأولياء لا نتواصل مع أبنائنا، وإنما نكتفي بالصراخ عليهم، ربما بسبب خوفنا عليهم، لكن هذا الأمر جعلني شخصيا أخسر ابنتي، ولما أراها تتحدث وتتحاور مع والدها، أقول لها؛ يا ابنتي هل أنا عدوتك؟.. تحدثي معي مثلما تتحدثين مع والدك، فتصرخ وتتطاول علي.. أعتقد أنّ عدم الاستقرار وكراء منزل من مدينة لأخرى جعلني أخسر استقراري وعلاقتي مع أطفالي"، تضيف المتحدثة بأسف شديد عن حالها،  داعية الجهات المختصة، وعلى رأسها الجمعيات، لتنظيم مزيد من الندوات التربوية لصالح الآباء والأمهات..