تعدّت كل الحواجز بمساعدة الأخت الكبرى
"نجيبة" طفلة "تريزوميا" أعادت الحياة لأسرتها

- 716

يجد الآباء ولا سيما الأمهات أنفسهم في موقف صعب عند ميلاد ابن مصاب بمتلازمة داون "تريزوميا 21"، فهناك من الأمهات من تترجمه بالصراخ والبكاء والرفض في غرفة الولادة منذ الدقائق الأولى لميلاد الرضيع لعدم تقبّلها الوضع، وهناك من تقبله وتحمد الله تعالى، وكلها إرادة وعزم على حمايه هذه الأمانة وتعليمها؛ على اعتبار أن هذا المولود "إنسان"، له الحق في العيش والحب والتعلم؛ مثله مثل الآخرين... ونسرد هنا تفاصيل قصة أم أنجبت طفلة أطلقت عليها اسم "نجيبة"... لم تجد نفسها وحيدة في رعايتها؛ حيث كانت شقيقتها جيهان حاضرة، للقيام بالمهمة على أكمل وجه، لينعكس الحب والعطاء في تصرفات نجيبة الطفلة المرتبة.
التقينا نجيبة، الطفلة المصابة بمتلازمة داون "تريزوميا 21"، كانت جالسة رفقة والدتها وشقيقتها على طاولة بورشة الرسم التي برمجتها قيادة الحرس الجمهوري لأطفال التوحد والتريزوميا في عيدهم العالمي. ما شد انتباهنا ونحن نلاحظ طريقة التلوين التي تنتهجها الطفلة، هو ذلك الهدوء الذي تنفرد به؛ فنجيبة تلون بثبات ولا تخرج عن الإطار، وتحسن اختيار الألوان بدقة متناهية؛ لأنها تهتم بالشكل النهائي لرسمتها. كما تجد متعة خاصة في إتمام المطلوب؛ لأنها تدرك أن إكمال العمل على أحسن وجه سيروق أهلها، خاصة أمها التي كانت إلى جانبها، وشقيقتها التي كانت تتابع، بدورها، طريقة إمساك شقيقتها بالقلم، وتعاملها مع الألوان. وتقول أم نجيبة وكلها فخر بابنتها التي كان لوجودها في حياتها تأثيران مختلفان، الأول كان الخوف والقلق على مستقبل الطفلة، والثاني فرحة وفخر، تقول إنها المعادلة التي وُلدت بفعل الصبر والشكر والرضا بقدر الله جل وعلا؛ تقول: "في البداية أحب أن أشكر كل من يدخل البهجة والسرور على نفوس الأطفال الصغار المرضى وأهاليهم. شخصيا أشعر بالسعادة كلما أحضر الحفل التكريمي لذوي الاحتياجات الخاصة الذي ترعاه قيادة الحرس الجمهوري منذ سنوات؛ حيث أعيش تفاصيل السعادة، وأعود للبيت بمعنويات مرتفعة، لا سيما أنني أشعر أن ابنتي لديها مكانة في المجتمع، وأن هناك من يهتم بهذه الفئة من أبنائنا".
وتسترسل أم نجيبة وهي تروي قصتها في رحلة تقبّل الوضع والانتقال إلى حياة أفضل، "عندما كانت نجيبة صغيرة ولم تدخل المدرسة بعد، كنت مصابة بالإحباط وفاقدة للأمل، ولطالما راودتني الوساوس بأني ظلمت ابنتي بإنجابها... كنت أقول إنها لن تعيش حياة عادية، وأنها لن تسعد ولن تفرح... لا سيما أني إنسانة حيوية ولدي إرادة قوية، أحب الحياة... كان مستقبل ابنتي أمام عيناي ضبابيا... لكني تمسكت بالله وحمدته على أن رزقني أبناء غير نجيبة، قلت إنها أمانة، ولا بد أن أحميها... لقد غيرت ابنتي الغالية حياتي؛ إذ لم أبق ماكثة بالبيت فحسب أرعى العائلة، فقد تعلمت السياقة بفضلها؛ حتى يتسنى لي أخذها إلى المدرسة وإعادتها إلى البيت، ومرافقتها، ثم تعلمت الخياطة حتى أخيط لابنتي أبهى الملابس... لقد فجرت صغيرتي مواهبي، وهنا أود الإشارة إلى أن وجود ابنتي جيهان إلى جانب أختها، قد ساعدها كثيرا؛ إنها تساعدني في أمور البيت، وتتابع شقيقتها خطوة بخطوة".
وتقول جيهان التي اجتازت" البيام" ونتمنى لها النجاح وكل أبناء الوطن، "أحب مساعدة أختي دوما، ومساندتها في هذه الحياة، أمد لها يدي وعمري كله، ولن أتركها تحتاج لأي شيء". ولا يختلف اثنان في أن الحب والاهتمام الذي يحظى به الفرد سواء كان عاديا أو من ذوي الهمم، هو الدافع الذي لا يقهر النجاح. ولنا في التاريخ وحكايات السلف الكثير عن النجاحات التي حُققت بزرع الثقة في النفوس، وسقيها بالمحبة.