السيدة فاطمة زرهوني تعرض مسيرتها المهنية في صور:

ناضلت من أجل تعليم الجزائريين لغتهم إبان الثورة

ناضلت من أجل تعليم الجزائريين لغتهم إبان الثورة�
  • القراءات: 1251
حنان.س� حنان.س

قدمت المُعلمة والمختصة النفسانية السيدة فاطمة رحال زرهوني عرضا عن مسيرتها التعليمية التي بدأتها منذ الفترة الاستعمارية، ضمن معرض للصور الفوتوغرافية بمركز النشاطات الثقافية بالعاصمة مؤخرا. وقالت إنها أرادت في شبابها الالتحاق بصفوف الجبهة للمساهمة في تحرير الوطن، إلّا أن القدر فضل لها نضالا من نوع آخر وهو تعليم أطفال الجزائر لُغتهم الأم في وقت كان التعليم للجزائريين محصورا جدا.

التقت "المساء" بالأستاذة فاطمة زرهوني، على هامش معرض للكتاب نظم بميدياتيك الجزائر إحياء ليوم العلم، وبالمناسبة نظمت الأستاذة معرضا للصور تضمن مسيرتها المهنية في التعليم منذ الفترة التحريرية إلى ما بعد الاستقلال.

ضم المعرض ما يزيد عن 20 صورة فوتوغرافية تعكس في مجملها يوميات تلاميذ من مناطق مختلفة من ولايات الوسط في أقسام دراسية، وأحيانا في غرف لأحد البيوت التي يجتمعون فيها لتعلم اللغة العربية التي تؤكد بشأنها الأستاذة أن المستعمِر كان يحظر استعمالها إطلاقا في المدارس، "لذلك ارتأيت أن أكون الجزائرية التي تعمل على المحافظة على هويتها من خلال تعليم اللغة العربية للأطفال في سن التمدرس، فقد كنت أدرس في قسم فيه حوالي 40 تلميذا، القليل منهم كانوا جزائريين، وبعد انتهاء الدوام المدرسي كنت أبقي على الجزائريين لأدرسهم الحروف العربية وأقص عليهم قصصا من الذاكرة الشعبية الوطنية"، تقول الأستاذة وهي تحمل بين يديها ألبوم صور لتلاميذ في أقسام الدراسة إبّان الثورة التحريرية.

وتضيف المعلمة أنها كانت في الـ20 من عمرها عندما أرادت الالتحاق بـ«الجبال" للإنضمام إلى صفوف الجبهة للمشاركة في تحرير الوطن من الاستعمار الفرنسي، ولكن بتوجيه من والدها رسمت لنفسها كفاحا من نوع آخر، فبفضل تكوينها التعليمي ووصولها إلى الثانوية، ارتأت السيدة زرهوني العمل في تعليم أبناء وطنها، بعد أن وقفت على المعاملة العنصرية من طرف المستعمر الفرنسي الذي كان لا يقبل بتلاميذ جزائريين في أقسامه إلا نادرا،"من قسم به 40 تلميذا لا نجد سوى تلميذين إلى ثلاثة فقط جزائريين، ولهذا السبب أردت تغيير طموحي من الكفاح المسلح إلى تعليم أطفال بلدي، فبدأت كمعلمة بابتدائية في "لعقيبة" عام 1958، حينها كنت أمكث بعد ساعات الدراسة في القسم وأطلب من التلاميذ الجزائريين المكوث لساعة إضافية لأدرّسهم العربية رمز هويتنا. وبعدها عملت معلمة أيضا في مدرسة ريشمونت ببئر توتة في 1959، وبعدها في ابتدائية بسوق الأحد بدائرة الثنية في بومرداس وغيرها من المدارس، إذ أنني كنت أعمل كمستخلفة في بداية الأمر إلى أن تم ترسيمي بعد الاستقلال بعدما أكملت دراستي العليا وأصبحت في 1964 معلمة جزائرية تدرس في مدرسة جزائرية تلاميذ 100% جزائريين".

وبعد سنوات من التعليم، أصبحت السيدة زرهوني مديرة لابتدائيات عديدة في ولاية الجزائر، ثم تقاعدت في نهاية التسعينيات، وهي الفترة التي فتحت أمامها آفاقا أخرى حيث درست علم النفس وأصبحت بذلك تهتم بعالم الفنون مثل الرسم والنسيج وبعض الأعمال اليدوية، التي تؤكد بشأنها بأن لكل عمل فني دلالات سيميولوجية "فمثلا عندما يرسم طفل فإنه يعبر عن شيء في نفسه فإما أن يكون مسرورا أو عكس ذلك، ولكل لون دلالات معينة، نحن كمختصين في علم النفس نفهم من خلال مزج الألوان نفسية الطفل ومن ثم نوجه أولياءه نحو التعامل الصحيح معه"، تقول المتحدثة مؤكدة أنه سبق لها أن توصلت إلى وضع أسس المعالجة بفن الرسم في كتاب صدر لها في 2011 ضمنته رسومات لأطفال من 4 إلى 15 سنة عايشوا زلزال بومرداس 2003، وكيف تمكنت المختصة النفسانية من تحويل نفسيتهم المتشنجة إلى قبول للواقع بتفاؤل أكبر نحو مستقبلهم.

نفس الدراسة السيميولوجية تعمل السيدة زرهوني على تطبيقها على فن النسيج، من خلال قطع نسيجية من صنع حرفيات متمرسات وضعتها في لوحات وقدمت بشأنها تفسيرات معينة سيتم عرضها في معرض حول النسيج، المنتظر تنظيمه في 23 أفريل الجاري بولاية المدية. ومن عينات اللوحات التي ستعرضها، لوحة بها قطعة زربية تحمل لمن يراها نقوشا وزخارف،"إلا أن الحقيقة أبعد من ذلك بكثير فتلك النقوش التي قد تظهر للعيان أنها خطوط متقاطعة تعكس إبداع الحرفية، هي في الحقيقة أعمق من ذلك بكثير لأنها خطوط متعرجة تظهر المسالك التي كان يسلكها المجاهدون والفدائيون في منطقة معينة إبان الثورة التحريرية، وأخرى تظهر كيف يمكن للمجاهد سلك الطريق في أمان. هناك نقوش أخرى تظهر نفسية الحرفية إن كانت بخير في بيت زوجها أم لا، مثلما هو معروف في منطقة القبائل. وطبعا هذه الأمور اكتسبتها من تجربتي الميدانية لأكثر من 25 سنة في مجال علم النفس، وأسعى إلى جمع تجربتي في كتاب سأصدره مستقبلا"، تختم السيدة زرهوني حديثها.