المختص في علم اجتماع الجريمة مراد سالي:

مواقع التواصل كشفت ضعف مؤسسات التنشئة الاجتماعية

مواقع التواصل كشفت ضعف مؤسسات التنشئة الاجتماعية
  • 41
رشيدة بلال رشيدة بلال

تحولت مواقع التواصل الاجتماعي، إلى فضاءات لفضح مختلف الجرائم، التي أصبحت تُرتكب في الأحياء والشوارع، وعلى رأسها الاعتداءات المتكررة باستخدام الأسلحة البيضاء، مثل السيوف، أو الكلاب الشرسة، إلى جانب السرقات التي تطال السيارات، الدراجات النارية وحتى المحلات التجارية.

ورغم أن نشر هذه الوقائع يساهم في تعزيز ثقافة التبليغ لدى المواطنين، إلا أن بعض المتابعين استنكروا تكرار هذه الظواهر، وتساءلوا عن مدى نجاعة مؤسسات التنشئة الاجتماعية، التي وإن وُجدت، لم تعد تؤدي دورها كما ينبغي. فما هي الأسباب؟

لطالما تغنى المختصون في علم الاجتماع، بالدور المحوري الذي تلعبه مؤسسات التنشئة الاجتماعية في تقويم سلوك الأفراد، وعلى رأسها الأسرة، التي تُعتبر النواة الأساسية لبناء مجتمع سليم، تليها المدرسة، المسجد، المرافق الشبانية، وحتى الجار والشارع الذين كانوا سابقًا يساهمون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترسيخ القيم الاجتماعية.

لكن، ما يشهده المجتمع الجزائري من تفشٍ للجريمة في الأماكن العامة، يعكس، حسب المختص في علم الاجتماع، الأستاذ مراد سالي، وجود خلل واضح في أداء هذه المؤسسات، رغم وجودها. وأكد في حديثه لـ«المساء"، أن مؤسسات التنشئة موجودة فعليًا، لكنها لم تعد تؤدي الدور المنوط بها، لضعف آلياتها.

واستدل بحادثة عاشها شخصيًا على متن حافلة نقل حضري، حيث قال: "شهدت فوضى عارمة قادها شباب، يتلفظون بكلمات بذيئة، رغم محاولات البعض التدخل لردعهم، إلا أن الأمر لم يُجدِ نفعًا. والسبب يعود إلى أن النشأة الأولى لهؤلاء تشوبها أخطاء، إذ لم تنجح الأسرة، وهي المؤسسة الأولى في تربية أبنائها، يليها في ذلك المدرسة".

ضعف الردع وتراجع الهيبة

اعتبر الأستاذ مراد، أن من أهم أسباب هذا التراجع، هو غياب الردع والتساهل مع الأبناء، وغض الطرف عن أخطائهم التي كان من المفترض أن تُقابل بالعقاب التربوي المناسب. وأشار إلى أن بعض الإجراءات القانونية، ساهمت في إضعاف دور مؤسسات التنشئة، خاصة بعد منع استعمال بعض أساليب التأديب، ومنها الضرب الذي كان سابقًا أحد أساليب التهذيب، مما جعل الكثير من الأولياء والمعلمين يخشون توجيه حتى الملاحظات، خوفًا من المتابعات القانونية.

وأضاف: "القوانين التي سُنت لحماية الأفراد، رغم نبل أهدافها، لم تُرافق بتقوية المؤسسات المعنية بالتنشئة الاجتماعية، بالتالي أضعفت أداءها، لأن هذه الأخيرة لم تُدعم بالآليات اللازمة لتقوية جبهتها الداخلية".

مواقع التواصل تعري الواقع

أشار المختص، إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي، قامت بكشف الكثير من مظاهر التراجع الأخلاقي والقيمي في المجتمع الجزائري، ما يستدعي ـ حسبه ـ ضرورة إعادة الاعتبار لمؤسسات التنشئة، وعلى رأسها الأسرة، عبر تحفيزها لاعتماد أسلوب الردع والتربية المبنية على تقويم السلوك. كما شدد على ضرورة منح المعلمين حقهم في تقويم سلوك التلاميذ، ولو اقتضى الأمر استخدام "الضرب الإيجابي"، حسب تعبيره.

وأكد أن الدور الرقابي أصبح ضعيفًا، وأن الجميع صار يتنصل من تحمل المسؤولية الاجتماعية، معتبرًا أن الحصر على التربية داخل الأسرة فقط، أمر غير واقعي، لأن الأبناء يكتسبون ثقافات أخرى خارج محيطهم الأسري، ما قد يقودهم إلى الانحراف عن المعايير الاجتماعية المتعارف عليها.

وفي ختام حديثه، شدد الأستاذ مراد سالي، على أن مؤسسات التنشئة الاجتماعية لم تفشل في أداء مهامها، لكنها ضعفت نتيجة تراجع القيم الاجتماعية، وسط سيطرة النزعة الفردانية، وغياب سياسة أخلاقية وتربوية وقانونية واضحة. وناشد المختصين بضرورة التدخل لدراسة هذه الإشكاليات، واقتراح حلول فعالة تُساهم في تمتين الجبهة الداخلية للمجتمع، الذي أصبحت قيمه مستهدفة أكثر من أي وقت مضى.