حكمت عليها التكنولوجيا بالزوال

مهنة المصوّر.. نحو دخول أرشيف الذكريات

مهنة المصوّر.. نحو دخول أرشيف الذكريات
  • القراءات: 706
رشيدة بلال رشيدة بلال

تسير مهنة المصور منذ سنوات، نحو الزوال بعدما أصبح التصوير متاحا للجميع بفعل التطور التكنولوجي، حيث أصبحت كل الهواتف الذكية مزوّدة بكاميرات تصوير؛ إذ يمكن الفردَ التقاطُ  صور له ولأفراد عائلته حيثما كان وأينما وجد الأمر مناسبا، ما دفع بعدد كبير من المصورين إلى التخلي عن المهنة، وتغيير النشاط. وفي المقابل، صارت مهمة البحث عن مصور لأخذ صورة شمسية بغية إدراجها في ملف إداري، مهمة صعبة.

عندما تفكر في التقاط صورة شمسية عند مصور، أول ما يخطر على بالك، هو السؤال التالي: أين أجد محل مصوّر؟ ببساطة، لأن مثل هذه المحلات أصبحت  قليلة إن لم نقل أنها أصبحت نادرة بعدما تخلى أصحابها عن مهنة التصوير لعدة اعتبارات، أهمها التطور التكنولوجي الذي عصف بالمهنة، فأصبح كل من يمتلك هاتفا ذكيا بإمكانه التقاط صورة له كيفما يشاء وأينما يشاء. وأكثر من هذا، أصبحت كاميرات الهواتف الذكية مزودة بتقنيات عالية الجودة، ما مكن من التقاط الصور على درجة عالية من الاحترافية، الأمر الذي جعل التفكير في المصور غير وارد مطلقا، ودفع بالعديد من المصورين إلى التخلي عن مهنتهم إلا قلة قليلة من الذين أبوا إلا إن يتمسكوا بها رغم قلة العائد المالي ووفائهم لمهنتهم. "المساء" زارت واحدا من أقدم محلات التصوير بمدينة العفرون بولاية البليدة، لصاحبه إسماعيل أعراب، الذي حدثنا عن التطورات التي عرفتها مهنة المصور، وكيف تعيش، اليوم، أيامها الأخيرة بفعل التأثير السلبي الكبير للتكنولوجيا عليها.

التصوير الفوتوغرافي مهنة متوارَثة منذ الستينات

قصة عائلة أعراب في مجال التصوير الفوتوغرافي بدأت في سنوات الستينات، حيث بدأ، حسب المصور إسماعيل، والدُه المهنة بعدما قام بشراء محل من مواطن فرنسي كان يشغل هذه المهنة، فباع محله بكل معداته، وكانت متمثلة في أجهزة التصوير، وكان ذلك على مستوى مدينة بواسماعيل، حيث تعلّم والده الحرفة، وبدأ في التقاط مختلف الصور الفردية والعائلية. وفي سنوات الثمانينات انتقلت العائلة إلى مدينة العفرون، حيث تم افتتاح محل للتصوير، وقتها كان عدد الممتهنين لمهنة التصوير قليلا، ثم انتشرت المهنة، إذ إن الإقبال على التقاط الصور كان كبيرا في المناسبات والأعياد، إذ كان يقف الأطفال وحتى الكبار، في طوابير من أجل التقاط مجموعة من الصور لهم، لترسيخ الذكرى، وينتظرون، بشوق كبير، اليوم الموالي لأخذ الصور وتفحّصها، غير أن هذا الشغف بهذه المهنة، للأسف الشديد، يقول المصور إسماعيل، "تراجع بشكل كبير منذ الظهور الأول للهاتف الذكي المزود بالكاميرا؛ إذ تحوّل كل من يحمل هاتفا ذكيا إلى مصور، فحُكم على المصور والمهنة بالزوال التدريجي".

ومن جهة أخرى، أشار المتحدث إلى أن المصور لم يكن يلتقط الصور فقط، وإنما كان يقوم، أيضا، باستخراج الصور التي يلتقطها أصحابها بكاميراتهم الشخصية قبل ظهور الهواتف الذكية، يقول: حيث كنا نسترزق من مهنة التقاط الصور وإخراجها، ولكن اليوم حتى هذه العملية لم تعد متاحة بعدما أصبح الجميع يفضلون حفظ الصور في أجهزتهم، وتصفّحها عليها، كل هذا بفعل التطور التكنولوجي، الذي حكم علينا بالتقاعد الجبري".

الوفاء للمهنة جعلنا نأبى الاستسلام لتأثير التكنولوجيا

يؤمن المصور إسماعيل بالتغيرات التي يعيشها المجتمع، والتي أثرت على العديد من المهن، ليس فقط مهنة المصور، غير أنه يأبى الاستسلام بسبب حبه الكبير لمهنته، التي تعلّمها على يد والده في سن صغيرة على الرغم من أن نشاطه ينتعش مع الدخول الاجتماعي فقط، حيث يقصده بعض الزبائن طلبا للحصول على صورة شمسية؛ بغية إدراجها في الملف المدرسي أو الملف الإداري، ومع هذا يأبى التخلي عنها. وحسبه، فإن ما أثر على المهنة ليس فقط التطور التكنولوجي الذي حوّل كل المواطنين حتى الأطفال منهم، إلى مصورين، وإنما "ما زاد الطين بلة" موجة الغلاء التي مست الورق، هي الأخرى أثرت على المهنة، بعدما ارتفعت التكاليف المرتبطة بالمادة الأولية المستخدمة في تحضير الصور، خاصة خلال جائحة كورونا، وكل هذا حكم على المهنة بالزوال، وجعل المهنيين يتخلون عن  المهنة.

ومع هذا يقول: "أحب مهنة التصوير التي امتهنها كل أفراد العائلة. ولا أفكر، مطلقا، في التخلي عنها. وسأظل وفيا لها، وأحافظ عليها من الزوال رغم قلة العائد المادي"، مشيرا إلى أن في بعض الدول مثل فرنسا، لم يعد هناك مصور، حيث تم الاعتماد على تقنية التصوير الذاتي، والتواصل، مباشرة، مع الإدارة، وهي الخدمة التي إن توفرت في الجزائر، فمن شأنها أن تحكم على المهنة بالزوال النهائي، خاتما قوله: "نحن، اليوم، نعيش في الجزائر، على الذكريات الجميلة لمهنة ساهمت في رسم البسمة على شفاه الكبار قبل الصغار".