يمارسها الكثير من الشباب خلال موسم الاصطياف

مهن موسمية تنتعش على الطرق الساحلية

مهن موسمية تنتعش على الطرق الساحلية
  • 114
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

تنتعش خلال فصل الصيف، وعلى طول الطرقات المؤدية إلى الشواطئ، نشاطات تجارية موسمية، وأخرى تعرف الركود طوال السنة، لتعود إلى الظهور من جديد ، إذ كثيرا ما تستمع بها العائلات في رحلة قضاء عطلة الصيف في أجواء مميزة، تعم المطاعم  ومحلات بيع المثلجات، ويبرز وسطها أيضا باعة مستلزمات البحر، وشيّ الذرة على الجمر، تستهوي سالكي الطرق الساحلية على وجه الخصوص، في ديكور يجمع بين متعة التذوق ونسمات البحر والرغبة في الاكتشاف.

انتقلت "المساء"، على طول الطريق المؤدية إلى بلدية عين طاية، الواقعة شرق العاصمة، أين تنتعش بشكل مختلف، التجارات الموسمية، التي تعكس بشكل ما روح الصيف، بألوان ومناظر وحتى نسمات وروائح خاصة، إذ عكست زحمة السير منذ ساعات النهارالأولى على طول الطريق، مدى توافد المصطافين على شواطئ المنطقة، هروبا من حرارة الجو المرتفعة هذه الأيام، والتي تبلغ في بعض الساعات من اليوم ذروتها، إذ لا مفر منها إلا بالاستجمام على الشاطئ.

ديكور يوحي بقرب الشاطئ

محطتنا الأولى كانت هراوة، خط ساحلي، اصطف على مستواه العديد من باعة مستلزمات البحر، واحدة من أكثر النشاطات التجاراية انتعاشا خلال فصل الصيف، يعرض خلالها الباعة، داخل المحلات، أو حتى دونها، مختلف لوازم البحر، من عوامات مطاطية، كراسٍ بلاستيكية، ألعاب الرمال، مظلات شمسية، زوارق مطاطية، ألبسة البحر، منشفات، مستلزمات الغطس، وغيرها من الأدوات، التي تشكل في حد ذاتها ديكورا جميلا، بألوانها الزاهية، وأشكالها الممتعة، وما تحمله من تصاميم تعكس ألوان الصيف الممتعة والمرحة، خصوصا أن تجارها يتفننون في عرضها، من خلال نفخ العوامات، وفتح الكراسي وغيرها، وخلق ديكور حي لتلك الأدوات، لا تكف عن جذب الناظر إليها لاقتناء ما يفتقده، وأحيانا حتى ما يحوزه من تصميم مختلف.

في هذا الصدد، حدثنا عصام، شاب من الحي، يمضي 80 بالمائة من صيفه في تلك الطريق، على حد تعبيره، إذ لا يتحرك من هناك إلى غاية ساعات مساء متأخرة، ويبدأ عمله منذ الساعة السابعة صباحا إلى غاية السابعة مساء، وقال بأن هذا النشاط ينتعش خلال فصل الصيف، وهو ما يدفعه إلى البحث عن عمل موازٍ يقييه من شبح البطالة، وأوضح أن تجارته تتمثل في توفير مختلف مستلزمات البحر والاستجمام، من معدات تتنوع وتتعدد، كلها مثيرة للاهتمام، تثير رغبة الفرد في حيازتها، كونها تزيد من متعة البحر.

وأضاف المتحدث، أن تلك المعدات تختلف بين كراسٍ وطاولات، مظلات شمسية، ألعاب مختلفة، ملابس السباحة، تنانير، قبعات عوامات وأبسطة، أكسيسوارات، وغيرها من المستلزمات الجميلة، تختلف أسعارها من قطعة لأخرى، إذ تتراوح ما بين 400 دينار إلى غاية 20 ألف دينار لبعض الزوارق المطاطية الكبيرة.

وأوضح المتحدث، أن أسعار تلك الأدوات مرتفع، باعتبار الكثير منها منتجات مستوردة، فمصدر العوامات المطاطية مثلا، من إسبانيا، أما الكراسي والطاولات البلاستيكية فالكثير منها محلية الصنع، أما ملابس السباحة، فبعضها من تركيا، وأخرى من أندونيسيا، في حين أن بعض العلامات منها محلية الصنع كذلك، وهي مؤسسات مصغرة لشابات توسعت صناعتهن في هذا التخصص.

مطاعم سمك ومحلات الأكل السريع تنتعش

من جهة أخرى، انتقلت "المساء" إلى بعض المطاعم ومحلات بيع المرطبات، بالأحياء القريبة من الشواطئ، بعضها خاص بالسمك، وأخرى مطاعم خاصة بالأكل السريع، أوضح القائمون عليها، أن خدمتها تنتعش في موسم الصيف بشكل خاص، لتدخل في "غيبوبة" خلال باقي أيام السنة، على حد تعبير البعض، خصوصا أن الانتقال إلى تلك الأحياء لغير القاطنين بها، يكون مناسباتيا فقط، إذ تعتبر بمثابة طرقات مسدودة لا تؤدي إلا إلى الشواطئ، فهي طرقات لا تربط بين نقطة وأخرى، فكل عابر بها ينتهي به المطاف إلى الشاطئ، وهذا ما يجعل حركتها تنتعش في الصيف دون باقي أيام السنة.

مروان، صاحب مطعم شعبي لبيع السمك هناك، أشار إلى أن خدمة محله تبلغ الذروة في فصل الصيف، خصوصا في الفترة المسائية، حين يقترب المصطفون من الرجوع  إلى بيوتهم، حيث يقتنون العشاء ويواصلون الطريق، موضحا أن فصل الصيف هو فصل الجد والعمل، ولا مجال للتفكير في الراحة خلاله، أو أخذ عطلة والنزول للشاطئ أو الهروب من حرارة الجو، فهو موسم جمع المال، على حد تعبيره، خصوصا أن باقي السنة تعرف ركودا في المجال.

هذا ما أكده فيصل صاحب محل لبيع الشاي والمرطبات والمثلجات هناك، حيث قال إن زبائن المحلات بتلك المنطقة، غالبا، هم من أبناء الأحياء المجاورة، ولا يتوافد الأجانب على الحي إلا من فترة لأخرى، خلال الأيام المشمسة والحارة، وعليه تنتعش بشكل خاص خلال ثلاثة أو أربعة أشهر من السنة، ما يدفع الكثير من أصحاب تلك المحلات، إلى البحث عن بدائل لمداخيل أخرى في باقي أيام السنة.

الذرة المشوية.. تجارة تنتعش في الصيف

تجارة أخرى، أصبحت اليوم، من تقليد الموسم، تتمثل في تجارة الذرة المشوية على أرصفة الطرقات المؤدية للشواطئ، بشكل مثير للاهتمام، رائحة تنبعث منذ منتصف النهار، لتتواصل إلى غاية ساعات متأخرة من الليل، تشكل أجواء ممتعة، وتعطي لمسة خاصة لفصل الصيف.

تجارة الذرة أو ما يسميه الكثيرون بـ"الجبار المشوي"، تشهد انتعاشا هي الأخرى كتجارة موسمية على قوارع الطرقات المؤدية للشواطئ بامتياز، تشكل بشكل خاص حركة خلال الفترة المسائية من اليوم إلى غاية ساعات متأخرة ليلا، تنتعش تجارة الذرة الطازجة على قارعة الطرقات المؤدية إلى الشواطئ، مع كل موسم صيف، في نشاط يمارسه الشباب المجاورون للأراضي الزراعية والمحاذية للطرقات الساحلية؛ حيث تشهد تلك التجارة مع كل موسم اصطياف، حركة لا مثيل لها، بعدما ربط الكثيرون هذه الوجبة الصحية الخفيفة بالشواطئ، خصوصا أنها مثالية لكسر الجوع؛ إذ يتم بيع كميات منها كل يوم على شاطئ البحر، والطرق المؤدية إلى الشواطئ.

تجار الذرة على قارعة الطرقات، نشاط يحاول رواده تحمّل حرارة الجو، في سبيل كسب أرباح، مقابل عملهم البسيط في طهي الذرة الصفراء على الجمر، مستعينين بأدوات طهي بسيطة، على غرار براميل وشوايات تقليدية، لتقديمها لمحبي هذه الخضار الموسمية، التي إلى جانب لذتها وذوقها المميز، يزيد من ذوقها الفريد، شيها على الجمر، وغطسها في الماء الساخن المالح، لإعطائها تلك اللمسة التي تكسر حلاوتها.

يشكل المارة بدورهم، كل عشية، طوابير من السيارات المتوقفة بشكل عشوائي، في انتظار دورهم لاقتناء حبات من الذرة، وتناولها في عين المكان وقوفا، أو داخل السيارة، فلا مجال للانتظار، خصوصا أن منهم من يرغب في تناولها ساخنة، مباشرة بعد رفعها من على الشواية، في هذا الصدد، حدثنا جواد، أحد الباعة المتجولين، أوضح أن تجارته تنتعش في كل صيف، إذ يصادف الفصل موسم الذرة.

أثار فضولنا بشكل خاص، رواد تلك التجارة، الذي يعد غالبيتهم من الأطفال والشباب، والذين تتراوح أعمارهم بين 12 و20 سنة، يضحون بعطلتهم في سبيل العمل، وتوفير لقمة العيش وإعانة أسرهم، فلا تعيقهم لا شمس حارة، ولا رطوبة عالية، تزيد قساوتها تلك النار القوية المشتعلة للشي، وتحضير الذرة، مما يزيدهم حرا وتعبا.

وعن أسعار تلك الذرة المشوية، تتراوح بين 100 و180 دينار للحبة الواحدة، حسب حجمها، على اعتبار أن الكيلوغرام لا يضاهي سعر الحبة الواحدة المشوية، إلا أن الإقبال عليها كبير، كتقليد لا مفر منه، يشكل جوا جميلا خلال فترة المسائية من كل يوم، بعد متعة السباحة خلال النهار.

وفي حديث "المساء" مع الطفل عماد، بائع هناك منذ سنوات، يعود مع كل فصل صيف، أكد أنه يقوم بهذا العمل كل صائفة، مشيرا إلى أنه ابن عائلة من المزارعين، وغالبا ما يعرض على قارعة الطرقات الخضر والفواكه الموسمية، التي تأتي مباشرة من مزرعتهم المتواضعة، ويقبل عليها زوار المنطقة، باعتبارها طازجة وطبيعية، الأمر الذي يجعله يتوجه نحو التجارة كلما سنحت له الفرصة، خصوصا بعد عمله في إحدى الشركات الخاصة صباحا، ما يدر عليه مداخيل إضافية، تساعده على تغطية بعض مصاريف وضروريات الحياة، مؤكدا أ موسم الصيف، على عكس ما يراه أطفال من سنه، فهو موسم العمل والاجتهاد وليس التجول والاصطياف.