الدكتور موسى رزوق رئيس الدائرة الثقافية بالمركز الإسلامي لـ"المساء":
منهج النبي في التعامل مع المرأة كله رفق ورحمة ومكانة

- 1013

تحدث الدكتور موسى رزوق، رئيس الدائرة الثقافية للمركز الثقافي الإسلامي، في تصريح لـ«المساء"، عن مكانة المرأة في الإسلام، وعن المنهج النبوي في التعامل معها، وكيف أوصى بها خيرا، عليه أزكى الصلوات والتسليم، لآخر يوم من عمره في حجة الوداع "أوصيكم بالنساء خيرا"، كما عرج الدكتور على كتب الحديث والسنة التي فيها الكثير من المواقف والشواهد، التي تدل على مكانة المرأة في هذا الدين وتكريم الله لها، وأن النبي في سنته بين التكريم، وقام به في سنته العملية ومارسه عليه الصلاة والسلام وحث عليه هذه الأمة.
يقول الدكتور موسى رزوق عن منهج النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المرأة: "بادئا، لابد أن نرجع قليلا قبل بعثة النبي، كيف كانت المرأة، وكيف كان التعامل معها قبل نزول القرآن وإشراق نور النبوة، إذ كانت المرأة في زمن الجاهلية، سواء عند العرب أو غيرها من الأمم، مهانة، لم يكن معترفا بحقها في الحياة، وكانت تعامل على أنها عار، كما أخبر الله عز وجل [وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب، ساء ما يحكمون]. وأيضا قال الله عزوجل: [وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت]، فكانت تدفن حية، وهذا من إفراط جهالتهم، لأنهم كانوا يعتبرون المرأة والبنت عار عليهم". ويواصل المتحدث بقوله: "فجاء الإسلام ونزل القرآن وبعث النبي صلى الله عليه وسلم، ورفع من شأن المرأة وكرمها ووضع حدودا للتعامل معها وكرمها حق تكريم، فمن الأمثلة من القرآن، أن الله عز وجل، ضرب مثلا للمؤمنين بالمرأة، وجعل بعض النساء مثلا يقتدى به في سورة التحريم، في شأن امرأة فرعون والطاهرة الصديقة مريم ابنة عمران، وأيضا في سيرة النبي، أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، خديجة بنت خويلد، رضي الله عنها، وأول من استشهد في الدفاع عن هذا الدين امرأة، وهي سمية أول شهيدة في الإسلام".
وما يظهر دور المرأة في رسالة النبي عليه الصلاة والسلام، دور أسماء بنت أبي بكر الصديق ذات النطاقين في الهجرة، ويقول الدكتور: "لا يخفى كيف كان دورها في الهجرة النبوية التي تعتبر فاصلة ما بين المرحلتين، فعمر عندما استشار الصحابة، جعل هجرة النبي تاريخا لانطلاق التأريخ الإسلامي، وهذا يدفعنا إلى التعرف على معالم منهج النبي، عليه الصلاة والسلام، في التعامل مع المرأة سواء كانت أما أو بنتا، أو زوجة أو غيرهن من النساء، من أجل الاقتداء به، والتأسي به عليه الصلاة والسلام."
تكريم المرأة في المنهج النبوي
يقول الدكتور: "فإذا أخدنا من السنة النبوية في تكريم المرأة أمّا، فقد جعل حق الوالدين بعد حق الله تعالى [اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا]، فجاء رجل إلى النبي يسأله من أحق الناس بصحبته، فقال له أمك، ثم قال من؟ قال أمك، ثم أمك، ثم قال من؟ قال أبوك"، وهذا يوضح منزلة الأم، فالمرأة، وهي أم في الإسلام . وجاء رجل من اليمن ليجاهد مع النبي، فقال له؛ هل لك من أم؟، قال نعم، فقال له: "الزمها فإن الجنة تحت رجليها"، فهذا يبين حق الأم وكيف أرشد النبي عليه الصلاة والسلام، إلى التعامل مع الأم وتكريمها ورفع درجتها.
يعلق الدكتور: "حتى ولو كانت الأم غير مسلمة، منهج القرآن والسنة النبوية كامل متكامل، قال تعالى في شأن الوالدين، إن كان كافرين [وإن جاهداك على أن تشرك بي شيئا فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا]، فالبر والإحسان واجب مع الوالدين، حتى ولو كانا غير مسلمين، ولعل ما يؤكد هذا، حديث أسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنها، قالت: "قدمت علي أمي وهي مشركة، فاستفتيت رسول الله، فقلت يا رسول الله، قدمت علي أمي وهي مشركة، أفأصل أمي، قال نعم صلي أمك"، وهذا حديث صحيح مسلم. وهنا النبي وجه إلى حسن التعامل والبر بالأم، حتى ولو كانت على غير الإسلام، كما كرم الإسلام المرأة بنتا أو أختا، فمثلا في الحديث عن النبي: "من كان له ثلاث بنات أو أخوات أو أختان وأحسن صحبتهن، واتقى الله فيهن، فله الجنة"، وهذا رواه الإمام الترمذي في سننه.
أشار الدكتور إلى فرح النبي بميلاد البنات قائلا: "كان النبي يسر ويفرح لمولد بناته، وأيضا حث على حسن تربية البنت والإحسان إليها واعتبارها من الذرية الصالحة، فالحديث الصحيح لأبي هريرة رضي الله عنه: "أذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، منها ولد صالح يدعو له". والولد في اللغة يشمل الذكر والأنثى، فهذا من حسن الإرشاد والتوجيه والإحسان والتربية، فصلاح الأبناء هنا للذكور والإناث ودعاؤهم للوالدين بعد انتقالهما إلى الدار الآخرة، مما ينفع هذا الميت، أما إذا كانت المرأة زوجة، فمنهج النبي واضح والحديث معروف، والأمثلة كثيرة في حسن معاملة النبي عليه الصلاة والسلام لزوجاته، وكيفية التعامل معهن رضي الله عنهن وأرضاهن، وهذا المنهج يقوم على معالم، منها الرفق، فقد دعا النبي وعمل بهذا وهو القدوة، لقوله: "إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف"، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى التعامل بالرفق، وكان هذا منهجه في التعامل مع زوجاته، وقال عليه الصلاة والسلام: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"، وحث أمته على التعامل بالخير والحسنى والرفق مع الأهل، وبين أنه القدوة والمثل الأعلى في التعامل. والأمر الثاني هو العدل، فقد أمر الله به في كتابه: [يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط]، والنبي دعا إلى العدل وقام بذلك في حياته، وبين أن العدل في الأمور الظاهرة، أما القلب لا يملكه الإنسان، فالزوج مأمور بالعدل في الأمور الظاهرة من القسمة والأمور التي تتعلق بهذا الأمر".
الحلم أيضا منهج نبوي في التعامل مع المرأة أو غيرها، فالنبي كان حليما وحث على الحلم وأخبر ذلك الصحابي، الذي فطر وجبل على هذه الخصال، قال لشجي عبد القيس: "إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأنى"، أي التأني والصبر، عكس العجلة، فكان عليه الصلاة والسلام ذا منهج نبوي في التعامل مع زوجاته، فكان لا يغضب منهن لنفسه وإنما غضبه إذا كان حقا من حقوق الله".
النبي علم النساء وحث على تعليمهن
تعامل النبي مع المرأة كان من هديه وسنته، وفي هذا أسوة لأمته، إذ خصص للنساء يوما يعلمهن فيه أمور دينهن، فتعليم المرأة في الكلمة المشهورة عن ابن باديس، رائد النهضة العلمية والثقافية في الجزائر، أنه قال؛ ارفعوا حجاب الجهل عن المرأة عن عقلها، بدل أن ترفعوا حجاب الستر عن رأسها". ودعا إلى تعليم المرأة والفتاة، وهو من هدي النبي، يقول: "بل لو رجعنا إلى زوجات النبي، نجد عائشة رضي الله عنها، قد اعتنى بعها الصديق، فصارت عالمة فقيهة، محدثة، يرجع إليها الصحابة عند اختلافهم ويجدون عندها الحل والفتوى، وبهذا قدمت بالدليل والبرهان اهتمام النبي بتعليم المرأة، فصارت يقتدى بها".
وفي الختام، أشار الدكتور إلى أن النبي صل الله عليه وسلم، في حجة الوداع، التي تعد من أعظم مجامع الإسلام التي اجتمع فيها مع الصحابة، يوم أنزل الله على رسول الله "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"، النبي في خطبه يقول: "ألا واستوصوا بالنساء خيرا"، فالنبي وضع في حجة الوداع معالم هذا الدين وأمور عظيمة في حجته، وهي حجة الوداع، مع نزول آية إكمال الدين ولم يلبث عليه الصلاة والسلام أن توفي والتحق بالرفيق الأعلى، فكان من أعظم وصياه فيها؛ النساء.
أرشد النبي إلى أن المرأة مسؤولة، فقال عليه الصلاة والسلام: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها"، وهو في صحيح البخاري، ويبين أن المرأة تقع على عاتقها مسؤولية أنها مكلفة، وأن لها هذا الشأن، فلم يعاملها عليه الصلاة والسلام كما عاملتها الفلسفات أو الديانات الأخرى، ففي الوقت الذي نزل القرآن، عقدت مجامع يبحثون هل المرأة ذات روح وهل هي إنسان كما الرجل، هذا وقع في تلك القرون التي بعث فيها النبي ونزل القرآن بتكريم المرأة، لقوله تعالى [فاستجاب لهم ربهم لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى بعضكم من بعض]، وأضاف أيضا، أن النبي دعا إلى الرفق بالنساء وإكرامهن واحترامهن.