بسبب الإهمال وسوء التسيير

منطقة المرسى بسكيكدة جوهرة تعاني

منطقة المرسى بسكيكدة جوهرة تعاني
  • القراءات: 8171
بوجمعة ذيب بوجمعة ذيب
تشهد بلدية المرسى، الواقعة أقصى شرق سكيكدة منذ انطلاق الموسم الصيفي الحالي، توافدا قياسيا للمصطافين الذين يؤمون شواطئها، منها شاطئا الرميلة 2 و وسط المدينة، قادمين إليها من الولايات الداخلية المجاورة كقالمة وقسنطينة وأم البواقي وباتنة وبسكرة، رغبة منهم في الاستجمام والتمتع بجمال شواطئها ومياهها الدافئة، لتبقى بذلك مدينة المرسى في مثل هذا الفصل الأكثر جذبا للمصطافين ويتجلى ذلك ـ كما وقفنا عنده ـ من خلال أرقام العدد الكبير من السيارات من مختلف ولايات الوطن وحتى الحافلات التي تنقل المصطافين من الولايات المجاورة.
بداية رحلتنا الصيفية كانت انطلاقا من العربي بن مهيدي إلى مدينة قرباز، مرورا عبر سلسلة فلفلة الجبلية ذات أشجار الفلين الكثيفة التي تنبعث منها روائح غطائها النباتي الممتد على طول الطريق الضيق ذات الانحدارات والارتفاعات والالتواءات، مما يزيد من المتعة الكبيرة للرحلة. وبعد قطع حوالي 10 كيلومترات وسط هذا المشهد الطبيعي الرائع، يتراءى لك من بعيد شاطئ قرباز الطويل التابع إداريا لبلدية جندل بمياه بحره اللازورد ونعومة رماله الذهبية واخضرار غطائه النباتي المتنوع والكثيف الذي جعل منه لوحة فنية أبدع الخالق في رسمها.
وتعتبر منطقة قرباز صنهاجة من أجمل المناطق الرطبة على المستوى العالمي، وهي مصنّفة ضمن المناطق العالمية المحمية طبقا للمادة 21 من اتفاقية "رمسار" تحت رقم 1056 المؤرخ في 02 -02 -2001. وبهذه المنطقة الرطبة التي يمارس سكانها على جوانبها الفلاحة و تربية الأبقار إذ تصادفك من حين إلى آخر قطعان من الأبقار متجهة إلى مرعاها، فيما يلتزم بعض الشباب بخدمة أراضيهم بكل تفان غير مبالين بحرارة الطقس.. وأثناء مرورنا بالمنطقة، صادفتنا ظاهرة الرمي العشوائي لقوارير وقنينات الجعة وزجاجات الخمر وقارورات المياه المعدنية والكثير من الأكياس البلاستيكية المنتشرة على طول الطريق، وهي ظاهرة تنم عن غياب كلي للثقافة البيئية.. مما يوضح بان هذه المنطقة المحمية عالميا أضحت في وضع خطير ينذر بكارثة إيكولوجية بفعل سلوكات بعض المنحرفين الذين يحولونها ليلا بمركباتهم إلى حانات وأماكن لممارسة الموبقات، وقد شدد بعض من تحدثوا إلينا بالمنطقة، على ضرورة تدخل الجهات المسؤولة لفرض احترام القانون بكل صرامة.
وبالرغم من أن هذه المنطقة قد استفادت مؤخرا من دراسة تتمثل تحديدا في مشروع إنجاز العديد من المرافق والهياكل السياحية ومراكز استجمام عصرية وهياكل رياضية ومحلات تجارية ومساحات خضراء ومراكز للنقاهة ومجمعات سياحية ومطاعم وذلك على مساحة تتربع إجمالا على 150 هكتارا ما بين بلديتي جندل وفلفلة، الغرض منها جعل المنطقة ككل قطبا سياحيا بامتياز، إلا أن لا شيء يوحي بأن هذا المشروع سيتم تجسيده قريبا.

مدينة سياحية بامتياز أهملها المسؤولون المحليون

وتستمر الرحلة إلى بلدية المرسى التي يعرف سكانها بالطيبة والتواضع وحسن استقبال الزائرين.. ونحن نحمل في أذهاننا العديد من المشاهد التي تختلط بين سحر الطبيعة والسلوكات اللامسوؤلة للبشر. وبعد مسيرة أكثر من ساعة ونصف، تستقبلك مدينة المرسى.. وبخلاف ما كنا نتصورها فقد وجدناها مدينة تغرق في الأوساخ من خلال الانتشار الرهيب للنفايات المنزلية التي وجدت بعض الأبقار فرصة للتغدي  منها، ناهيك عن تدهور الطرقات لا سيما تلك الممتدة على طول الكورنيش أمام تجمع المياه الراكدة في بعضها وهذا دون الحديث عن تدهور الأرصفة وانعدام الأشجار وضعف الإنارة العمومية وانتشار الروائح الكريهة. وما زاد الطين بلة أن بعض أصحاب الأكشاك التي تشبه إلى حد ما الأكواخ، قاموا بتسييج مساحات من رصيف الكورنيش مما يضطر الراجلين لاستعمال الشارع . وقد أكد لنا العديد من المواطنين بأن بلدية المرسى تعرف خلال الفترة الأخيرة تدهورا رهيبا بسبب غياب التهيئة على طول كورنيشها الذي يوجد في وضع مزر للغاية، وذلك بالرغم من تخصيص الدولة إمكانات مالية جد كبيرة للبلديات الساحلية لاستقبال المصطافين، ومنه مبلغ مالي إجمالي يقدر بـ 18.368.000.00 دج من ميزانية الولاية لتنظيف 7 شواطئ تقع بكل من القل وكركرة وجندل سعدي محمد وابن عزوز وفلفلة وعين الزويت والمرسى، فيما اقتطعت بلدية سكيكدة من ميزانيتها مبلغا ماليا يقدر بـ 500 مليون دج لذات العملية التي مست 7 شواطئ تابعة لها، إضافة إلى الدعم الذي استفادت منه الولاية من قبل وزارة الداخلية والجماعات المحلية والموجه للتحضير للموسم الصيفي الحالي والمقدر إجمالا بـ 50.000.000.00 دج، اقتطع منه مبلغ مالي يقدر بـ44.778.050.00 دج، لاقتناء شاحنتي صهريج و4 آلات تنظيف من الحجم الصغير وآلة تنظيف من الحجم الكبير إضافة إلى 6 تجهيزات صحية على أن يتم اقتناء 6 تجهيزات أخرى من ميزانية الولاية التي رصدت للعملية مبلغا ماليا يقدر بـ18 مليون دج. ورغم كل هذه الأرصدة الكبيرة، تبقى دار لقمان على حالها ليظل السؤال مطروحا: من المتسبب في هذه الوضعية؟

خدمات رديئة وأسعار مرتفعة وحظائر فوضوية

أما عن الخدمات المقدمة للمصطافين فهي رديئة جدا ولا تتماشى مع وجه المدينة السياحية، فسعر قارورة ماء معدني سعة 1.5 لتر بـ 50 دج ويصل أحيانا إلى حدود 60 دج. بعض المصطافين اشتكوا لنا من النقص الفادح في التزود بالخبز الذي يصل سعر الوحدة منه 25 دج، خاصة مع نهاية الأسبوع. كما تفتقر هذه البلدية الساحلية لهياكل الاستقبال مما فتح الباب على مصرعيه لبعض المواطنين لكراء منازلهم، بما فيها تلك التي هي في طور الانجاز بأسعار تتراوح ما بين 3000 دج إلى أكثر من 5000 دج، ويفوق المبلغ بكثير حسب طبيعة البناية. وقد استغل البعض هذا الموسم وأعادوا تهيئة بناياتهم لكرائها صيفا، كما لاحظنا ذلك عند مخرج البلدية باتجاه شاطئ رأس الحديد. وحسب أحد المصطافين من ولاية بسكرة، فإن ظروف الإقامة غير مريحة أصلا إلا أنهم وأمام نقص هياكل الإيواء الفندقية وحتى المخيمات العائلية، فإنهم يضطرون لقبول الإقامة في مثل هذه المساكن ولو لمدة أسبوع لقضاء عطلة الصيف التي انتظروها منذ فترة،  كما تعرف أسعار ركن السيارات على مستوى الحظائر فوضى عارمة في ظل ارتفاع الأسعار، وهي تتراوح ما بين 50 دج للمركبة الواحدة إلى غاية 100 دج بالنسبة للحافلات ليرتفع السعر كل نهاية أسبوع خاصة عند شاطئ المرسى والرميلة2، وهو الأمر الذي  يخالف القرار الولائي رقم 738 المؤرخ في 20 ماي 2015.
ومن المظاهر التي أثارت انتباهنا أيضا على مستوى الكورنيش، إقدام أحد المتعاملين الخواص على تقديم بعض الألعاب للأطفال بتجهيزات أقل ما يقال عنها أنها خردة، مما يطرح أكثر من سؤال عن المعايير التي دفعت بالمجلس الشعبي لبلدية المرسى السماح لهذا الأخير بممارسة نشاطه التجاري بالرغم من أن تجهيزاته لا تتوفر فيها أدنى معايير الأمن والسلامة الصحية؟

مخطط تهيئة المنطقة السياحية للمرسى..الواقع شيء آخر

لابد أن نشير هنا إلى أن بلدية المرسى الساحلية التابعة لدائرة ابن عزوز شرق سكيكدة قد سبق لها أن تدعمت بمخطط لتهيئة المنطقة السياحية أعدته الوكالة الوطنية للتنمية السياحية، يتربع على مساحة تقدر بـ 112 هكتارا، منها 83 هكتارا قابلة للاستغلال بإمكانها في المرحلة الأولى استيعاب 3 أحياء سكنية سياحية بامتياز، إضافة إلى عدد كبير من "البانغالوهات" تقدر طاقة استيعابها بـ300 سرير و150 غرفة زيادة على 3 أحياء سكنية أخرى مخصصة لاستقبال مساكن سياحية عادية تقدر طاقتها الاستيعابية بـ1167 سرير و558 غرفة، فيما تم تخصيص جناح آخر لإنجاز سكنات سياحية أقل حجما من الأولى تصل طاقتها الإجمالية إلى 1323 سرير، دون إهمال المرافق الأخرى الخدماتية المختلفة كمرافق النزهة والاستجمام.
كما تم تخصيص مساحات لإنجاز مركز للصناعة التقليدية ومحطة حموية متخصصة في العلاج بالمياه حسب المواصفات العالمية، إلى جانب مرافق رياضية لكرة القدم والتنس والكرة الطائرة وكرة السلة والكرة الحديدية، إضافة إلى مركز تجاري كبير وقاعة للحفلات والمحاضرات والمؤتمرات ومجمع للألعاب ومركز للحماية المدنية ومختلف المصالح الخاصة منها مرافق متنوعة للإطعام ومراكز مالية وتجارية وحظيرة للسيارات ومساحات خضراء، علما أن هذا المشروع إذا تم تجسيده ميدانيا في مرحلته الأولى، سيسمح بتوفير أكثر من 2000 منصب شغل دائم، لكن ما جاء في الدراسة والواقع شيء آخر، مع العلم أن المجلس الشعبي الولائي لسكيكدة قد صادق خلال سنة 2013 على مخطط تهيئة المنطقة السياحية والمشروع الوحيد الذي استفادت منه بلدية المرسى تمثل في إنجاز فندق يتسع لـ 104 أسرة الذي انطلقت به الأشغال سنة 1997 والأشغال متوقفة به حاليا، بعد أن بلغت نسبة إنجازه 60 بالمائة بسبب تعرض البناية للتخريب من قبل بعض المواطنين من مرتادي الحانة المستغلة من قبل المستثمر على مستوى البناية حسب التقرير الأخير لمديرية السياحة، لنطرح هنا أيضا سؤالا مفاده ما الذي يعيق تجسيد ما تضمنته الدراسة من مشاريع على مستوى بلدية المرسى؟